قرصنة عجيبة



 
ناقلة النفط السعودية العملاقة التي خطفها أمس الأول قراصنة صوماليون ستكون على الأرجح اللقمة الضخمة التي إما أن تزيد في تسمين قراصنة يزداد نشاطهم ونفوذهم يوما بعد يوم، وإما أن تكون أكبر من حلقهم فيغصون بها ويهلكون، فهي أكبر سفينة تتعرض للخطف في التاريخ وهي بحجمها الذي يعادل حجم حاملة طائرات أمريكية وحجم ثلاث طائرات للركاب وبحمولة تتجاوز مائة مليون دولار وبسلعة بالأهمية التي يمثلها النفط، لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال لقمة سائغة.

الغريب أن هذه الناقلة لم تخطف قرب السواحل الصومالية بل في قلب المحيط الهندي بعيدا عن خليج عدن وبحر العرب حيث خطفت معظم الــ 83 سفينة أجنبية هذا العام وبحمولات متنوعة بعضها أسلحة مختلفة.
 ويفترض أن القراصنة فعلوها ككل مرة من على ظهر مراكب شراعية تقليدية كما تفيد أغلب تقارير عمليات الخطف السابقة والتي جرت على امتداد رقعة ما فتئت تتسع. الغريب كذلك أن هؤلاء القراصنة الذين بلغت غنائمهم منذ بداية هذا العام 30 مليون دولار، حسب مركز "تشاتام هاوس" للدراسات في لندن، ويطالبون حاليا بـ20 مليون دولار مقابل سفينة أوكرانية تحمل 33 دبابة كانت متجهة إلى كينيا، والله أعلم كم سيطلبون مقابل ناقلة النفط السعودية، لم يجدوا إلى حد الآن من يردعهم بشكل فعال وحاسم، وهم الذين يحتفظون حاليا بـ12 سفينة 200 من طواقمها، حتى لكأنك تعتقد أن من يقف وراء عمليات القرصنة الحالية الأسطول السادس الأمريكي أو أسطول الاتحاد السوفييتي السابق في عز عنفوانه.

وفي الوقت الذي يحذر فيه المركز البريطاني من إمكانية أن يصبح القراصنة عملاء للإرهاب الدولي لم يجد الأميرال مارك فيتزجيرالد قائد قوة حلف الأطلسي المكلفة تحديدا بالتصدي لهؤلاء القراصنة، حرجا في أن يقول لهيئة الإذاعة البريطانية إنه من الصعب الدفاع عن السفن ضد هجماتهم لأن "الفترة التي تفصل بين كشف القرصان عن نفسه ومهاجمة السفينة قصيرة جدا" قبل أن يبرز كذلك صعوبة تحديد أي السفن تتبع للقراصنة من بين 20 ألف سفينة تعبر سواحل الصومال سنويا...مما يلقي بظلال كثيفة من الشك على مجمل ما اتخذ إلى حد الآن من قرارات وتدابير دولية في هذا الشأن، أهمها قرار مجلس الأمن في الثاني من حزيران/يونيو الماضي الذي يسمح لسفن حربية من دول مختلفة بمطاردة القراصنة في المياه الصومالية وإطلاق الاتحاد الأوروبي في العاشر من هذا الشهر أول عملية بحرية في تاريخه لمكافحة القرصنة في هذه المنطقة يفترض أن تشرع في عملياتها مطلع الشهر المقبل. ومع ذلك لم نسمع إلى حد الآن سوى عن "عمليات صد" محدودة دون إلقاء القبض على أي كان أو تدمير سفينة واحدة للقراصنة عدا عملية تبادل إطلاق نار جرت ذات مرة مع سفينة روسية، وحتى استغاثة تركيا بالقوة البحرية للحلف الأطلسي قبل أسبوع للتدخل للإفراج عن سفينة تركية و14 من طاقمها ظلت بمثابة صرخة في واد.

الصوت الوحيد الذي عبر عن قلق حقيقي تجاه كل ما يجري هو اليمن على لسان وزير خارجيته حيث رأى في الوجود العسكري المكثف والمتعدد الجنسيات في المنفذ الجنوبي للبحر الأحمر- دونما نتائج في وقف عربدة القراصنة - مقدمة لتمرير مشروع تدويل تلك المياه كما سبق لإسرائيل أن اقترحت ورفضه العرب. لا شيء يجزم بذلك بالكامل ولكن هذه "الكثرة بلا بركة" لقوات بحرية دولية اتضح عجزها أمام القراصنة، وكأننا في القرون الخوالي، لا يمكن سوى أن تكون محيرة ومثيرة للهواجس إذ تبدو وكأن الأمور تركت قصدا لمزيد من التأزم لغاية في نفوس الكبار.
لكل ذلك لا بد لاجتماع يوم غد في القاهرة لكبار المسؤولين في الدول العربية المتشاطئة على البحر الأحمر وأريتريا لبحث آليات التعاون الممكنة لمواجهة القرصنة ألا يستبعد وجود قراصنة كبار مستفيدين من صولات هؤلاء القراصنة الصغار.
 



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات