نظرة على الدولة !


كثيرون وأنا منهم ما زلنا نحتفظ في ذاكرتنا بالشكل القديم للدولة ، بمؤسساتها والقائمين على شؤونها العامة ، وقد عاصر معظمنا مراحل مفصلية مرت بها الدولة على مدى نصف قرن من الزمن ، وكان عنصر المقارنة يحكم إلى حد بعيد موقفنا وحكمنا على التطورات الداخلية والخارجية ، وظلت كفة الميزان ترجح لصالح الدولة التي ننتمي إليها ، والتي تمكنت دائما من تجاوز الأزمات ، والصمود في وجه التيارات التي أثبتت الأيام فشلها ، بل وأخطاءها التي تسببت بتشتيت المصالح القومية ، وتعريض بعض الدول العربية للتراجع إلى الخلف .

لم يعد من الإنصاف الاحتفاظ بالمعايير ذاتها في الحكم على واقعنا الراهن ، فقد تغيرت أحوال العالم كثيرا منذ ذلك الوقت ، وكان التحدي الأكبر الذي واجهه بلدنا هو عملية التكيف مع تلك التغيرات ، وفي مقدمتها العولمة وشروطها واتفاقياتها المفروضة على الدول جميعها ، فضلا عن الكارثة التي حلت بالعلاقات العربية منذ الاحتلال العراقي للكويت عام 1990 وما تبع ذلك من أحداث إلى يومنا هذا !

لقد تعاظمت التحديات التي واجهها الأردن ، حتى اتفاقية وادي عربة عام 1994 كانت نوعا من التعامل مع التحدي الذي فرضته عملية السلام بمجملها علينا ، والأسوأ من ذلك أن الآمال التي كانت معقودة لتحسن وضعنا الاقتصادي تلاشت مع الوقت ، بسبب الأزمات التي اشتعلت في المنطقة ، وأربكت التجارة البينية ، وإمدادات النفط وأسعاره ، ورفعت من كلفة أمن الدولة الداخلي والخارجي ، وعطلت مسيرة التنمية ، فانعكس ذلك على كل شيء .

من دون أدنى شك فإن ما أظهره بلدنا من صمود في وجه التحديات معتمدا على مؤسساته العسكرية والأمنية والعامة ذاتها ، هو دليل على احتفاظ الدولة بعناصر قوتها الرئيسية ، وهي النظام والشعب والجيش والسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، ولسنا بحاجة لإثبات الحقيقة التي يعرفها الجميع ، وهي أن الأردن هو الدولة الأكثر استقرارا في المنطقة .

المشكلة في الواقع تكمن في النظرة إلى الدولة ، أي كيف نراها ، وبأي عين نراها ، ولعلل أكبر خطأ نمارسه هو الخلط بين القيمة الحقيقة للمؤسسات ، والقيمة الفردية للقائمين عليها ، فذلك نوع من غض النظر عن القاعدة الصلبة التي تقف عليها تلك المؤسسات ، لكي لا نرى سوى الأشخاص من وجهة نظر معينة ، ونحكم على الدولة من خلالهم .

لا أقلل من معايير الكفاءة والقدرة لمن يتولون المسؤوليات العامة ، ولكن الدولة ليست مجموعة أشخاص ، وإنما هي منظومة من تشكيل جغرافي تاريخي اجتماعي قيمي ثقافي مؤسسي ، وبالطبع حسن اختيار القائمين على الشؤون العامة أمر أساسي ، والدولة بطبيعتها تحكم على أدائهم ، فتغيرهم ، ولكن الدولة لا تتغير !

في هذه المنطقة من العالم أصبح بقاء الدول وسلامتها مرهونا إلى حد بعيد بحكمة وحنكة والتزام القادة بمصالح بلادهم العليا ، وقدرتهم على التعامل الذكي والتفكير والتخطيط الإستراتيجي ، وليس دجلا ولا نفاقا أن نقول ونعترف بأن قائدنا جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين قد قام بهذا الدور على أفضل وجه ، والدليل هو بقاء بلدنا قويا منيعا ، وعكس ذلك ما نراه من حولنا !




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات