"السيد أزرق في السينما" .. الوحش المهزوم في الغرف المظلمة


جراسا -

بقلم صابرين فرعون

استقطبت الواقعية العجائبية العدد الأكبر من الكُتّاب في فلسطين خلال السنوات القليلة الماضية، وقد وُصفت بأنها جزءٌ من كتابة الجيل الشاب الذي خرج عن نهج السرد الكلاسيكي ويكتب عن قضايا الإنسان بانكساراته وهزائمه الفردية وقد تأثر بقراءة أدب أميركا اللاتينية والأدب الألماني، وصارت التفاصيل الصغيرة للشخصيات بحركتها وسلوكها ومساحتها الفانتازية ما يضيف الغرائبية والإدهاش للعوالم الواقعية في الكتابة.

أحمد جابر صاحب المجموعة القصصية "سيد أزرق في السينما" الفائز بجائزة الكاتب الشاب للعام 2017م عن مؤسسة عبد المُحسن القطان، يكتب عن الأبعاد النفسية وجوهر الأشياء والعقل والمادة والثنائية الديكارتية التي تقول أن "لا علاقة بين العقل والجسد"، ويرسم شخصياته متحررة من المنطق، ويطلق سراحها لتحكي لنا عن مغامراتها في عالم مُظلِم، وهي وتتحول وتتجاوز الأبعاد الزمنية والمكانية وتتحرر من ثقل الواقع بسخرية وغموض، وبذلك يُفسح المجال للتأويلات العديدة للنص.

استخدم أحمد جابر تقنية التقطيع السينمائي لرسم أرضية بصرية تظهر من خلالها الرؤية الجمالية والفكرية للقصص، فقد تحكم بمؤثرات الصوت والصورة ليصنع انسجاماً بين زاوية الرؤية وحركة الشخوص، ووظف التخييل السينمائي وفعلية الجُمل والعبارات لإبراز حركة وثبات الشخصيات. كذلك، نوّع في أساليب السرد واعتمد تقنية الاسترجاع الفني في بعض القصص وتسلسل الأحداث في قصص أخرى، واعتمد تقنية "APOSTROPHE" المُستخدَمة في السينما والمسرح ، حيث يُلبِس الكاتب شخص ميت أو غائب أو شيء غير حي صفات وشكل الشخص الحي، كما لم يرسم للخصم ملامح بشرية فقط وإنما جعله فكرة تجسد بيئة اجتماعية معينة في صراعها مع البطل الذي يملك من ملامح السارد والكاتب نفسه. أيضاً، اختار تسمية شخوص القصص بأسماء أجنبية، ليس بقصد الاستلاب والتشييء، وإنما لمنحها هوية وكينونة وجودية استقاها من حكايات نجاح وفشل مشاهير الأدب والسياسة والفن ووظفها لتمثل رؤيته، ويُستدل على كنايتها ورمزيتها من سياق السرد كما في قصة "مكارثي" هناك تأثر بفكرة رواية "Of Mice And Men" لجون شتاينبيك، وفي قصة "كافكا يعبر بوابة العالم الآخر" يتقمص ذلك الجسد الفاني ويوضح نظرة فرانز كافكا للعالم الذي يشبه المتاهة التي لا تنتهي، وفي قصة "فيوليت" إشارة لرواية "Violet Evergarden" لليابانية كانا أكاتسوكي، وفي قصة "فاوستو" إشارة لرحلة الرسام الإيطالي فاوستو زونارو لاسطانبول لكن ببعد رياضي، أما "قابيل" فقصة تواكب أحداثاً معاصرة تعكس الحاضر بأيدلوجية التاريخ يشير فيها لنسل القاتل والمقتول ومن يخون الدم.

بلغة رمزية، وتفسيرية تسببت في الإطناب في بعض القصص، تتضمن عناصر التلميح والمجاز والنهايات التراجيدية غير المحلولة، والمزج بين موضوعات الفن والأدب والكتابة والهندسة والرياضة والسياسة والنقد، وبعناوين بسيطة، ومفارقات بين المُتخيل والواقع وتوظيف الألوان وخصوصاً اللون الأسود والحواس ومدلولاتها تبرز الجانب النفسي للشخصيات، وبحبكة قصصية مُدهشة وثقافة عالية ينسج أحمد جابر قصصه القصيرة والقصص المُصغَرة "ق.ق.ج".

"سيد أزرق في السينما" نافذة على مُتخيَّل واقعي ، تكشف عن السواد الذي يتجاوز الجسد المادي، وتكشف الجانب المخفي أو الذي يحاول الإنسان تزييف واقعه وتهذيبه، والأزرق في سياق العنوان أظنه يمثل التأمل في المساحة الواسعة التي تُعطى للتراكمات العاطفية التي تعيق كسر القيود والتحرر من الغايات والوسائل. وأظن أيضاً أن النهايات المفتوحة تسمح بقراءة القصة بشكل عكسي من النهاية للبداية وإذ بها تحمل نظرة متجددة ومتفائلة للحياة.

* صاحب المجموعة القصصية "سيد أزرق في السينما" الصادرة عن دار الأهلية للنشر والتوزيع/ الأردن، أحمد جابر، قاص فلسطيني، حاصل على شهادة الماجستير في هندسة الطرق والمواصلات.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات