وأشرقت الأرض بنور ربها


بلغت الأرض أقصى محنتها وطغيانها قبل ولادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد هيئت النفوس لإستقبال هذا الحدث الآلهي العظيم، حيث جاءت ولادة الرسول صلى الله عليه وسلم إنقاذاً للبشرية من الهاوية والتردي، فقد بلغ الظلم والإنحراف والوثنية بكافة صورها حداً لا يمحوه إلا نبي مرسل بهدى آلهي لا يزيغ عنه إلا هالك، فأحوال العرب على وجه الخصوص السياسية والإجتماعية والفكرية والإقتصادية والعقدية قد وصلت الى درجة من التردي والتبعية المذلة، أدى الى ذوبان شخصية الإنسان العربي، وطمس هويته الى وضع احتاج فيه الى بعث روحه وعقله وجسده وعزة نفسه من جديد.

ومما لا خلاف فيه أن عدنان من ولد اسماعيل نبي الله بن ابراهيم خليل الله عليهما الصلاة والسلام، وأن الله عزوجل قد اختار محمداً صلى الله عليه وسلم من أزكى القبائل، وأفضل البطون، وأطهر الأصلاب، فما تسلل شيء من أدران الجاهلية الى شيء من نسبه الشريف، روى الإمام مسلم بسنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله اصطفى كنانة من ولد اسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى هاشماً من قريش، واصطفاني من بني هاشم ، وكانت ولادة الرسول الكريم في عام الفيل، أي العام الذي حاول فيه أبرهة الأشرم غزو مكة وهدم الكعبة، فرده الله عن ذلك خائباً كما وصف القرآن العظيم ألم يجعل كيدهم في تضليل، وأرسل عليهم طيراً أبابيل، وكانت على الأرجح يوم الأثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول.

ليس من الصدفة أن يولد الرسول الكريم يتيماً، ثم يفقد جده أيضاً، فينشأ بعيداً عن تربية الأب ورعايته، محروماً من حنان الأم وعاطفتها، لقد اختار الله لرسوله الكريم هذا القدر من النشأة لأن الله عزوجل تكفل برعايته، وصنعه في كنفه يسدد خطاه منذ نعومة أظفاره، وقد شاءت حكمة الله عز وجل ألا يكون للكافرين من سبيل، وحتى لا يقال إن محمداً قد رضع لبان دعوته ورسالته بإرشاد وتوجيه من أبيه وجده، وكان من تتمة هذه الحكمة أن لا يسلم عمه، حتى لا يتوهم أن لعمه صاحب النفوذ والكلمة بين الناس مدخلاً في دعوته، وأن مسألة النبوة هي مسألة قبيلة وأسرة وزعامة ومنصب، وقد اقتضت إرادة الله عزوجل أن يكون الرسول الكريم بعيداً عن الأيدي التي تمعن في تدليله، والمال الذي يزيد في تنعيمه، وحتى لا تميل نفسه الى مجد المال والجاه، وحتى لا يتأثر بما حوله من معنى الصدارة والزعامة، فتلتبس على الناس قداسة النبوة بجاه الدنيا.

صدع الرسول صلى الله عليه وسلم بالدعوة الى الإسلام في قريش وعامة العرب، وقد اتفق معظم المشركين من زعماء قريش على معاداته ومقاومته، لأنه أتى بشيء لم يألفوه ويتوقعوه، ولكن الرسول الكريم لم يعبأ بهم، لأن المسؤولية وحمل أمانة الدين تقتضي أن يكون الإنسان مسؤولاً عن هداية نفسه أولاً، ثم هداية أهله ومن يلوذون به من ذوي قرباه، قال الله تعالى: فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين، وقال عزوجل: وأنذر عشيرتك الأقربين، أما الدرجة الثالثة فهي مسؤولية العالم عن وطنه، ومسؤولية الحاكم عن شعبه وقومه، وكل منهما ينوبان مناب رسول الله صلى عليه وسلم، إذ هما الوارثان الشرعيان له، لقوله عليه الصلاة والسلام: العلماء ورثة الأنبياء، ولتسمية الأمام والحاكم خليفة لرسول الله الكريم.

إن جميع ما أتى به الإسلام من نظم وتشريعات، إنما جاءت لتخليص العقل من براثن الخرافة والتقاليد، وأن مبادئ الدين تقوم على أساس من التفكير الواعي والعقل النير والعدالة، وإذا كانت القوانين والأفكار البشرية قد تخطئ الصواب أحياناً لشذوذ أفكار أصحابها، فإن مبادئ الإسلام لا تخطئ الصواب أبداً، لأن الذي شرعها هو خالق العقول والأفكار، وإذا أردنا تكريم الدين وحمل رايته، والبرهنة على محبة الرسول الكريم والاقتداء به، فعلينا أن نلتزم بشرع الله القويم المتمثل بالكتاب العظيم وبالسنة المطهرة وما جاء على السنة ائمة المسلمين العدول، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما أبداً كتاب الله وسنتي.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات