عندما يكون هاجس الوطن معلقاً فوق "البورية" وعلى السواعد الفتية


جراسا -

رائده الشلالفه - يوم الجمعة، وخلال تشكل السيول "الهستيري" في أودية مادبا والبتراء، لم ينتظر الجيش، تحركت قيادته وجنوده وآلياته ، كان رديفا قويا مهما للأجهزة الامنية من امن ودرك ودفاع مدني، استنفار قادته بوصلة الأردني تجاه وطنه واهله بكل اقتدار.

لم ينتظر الجيش طلب اسناد، او تعليمات، اتخذ موقفه الفوري، وباشر عبر قواته في عمليات الإنقاذ بمختلف مناطق المملكة جنبا الى جنب مع اشاوس الدفاع المدني ونشامى الامن العام.

كان المشهد مشوبا ببعض فرح رغم هول الكارثة، وحجم الحزن على الخسائر البشرية بين المواطنين واحد افراد جهاز الدفاع المدني، ذلك الجهاز الذي تفوق على تفسه وعلى منظومة الدفاع المدني في شكلها العالمي، وقد كان غطاسوه يرمون بأرواحهم في السدود والبحر يقودهم في ذلك نخوة أصيلة لا يعرفها الا الأردنيون ، كان مشهدا وطنياً حياً فاعلاً، فيما ناقلات الجنود المتوجهة الى اماكن السيول لإنقاذ المواطنين والسياح، ترافقها طائرات الاستطلاع للتصوير الجوي، وتحرك آليات الهندسة والجرافات وطائرات الانقاذ، والزوارق وطواقم الغواصين.

انتشر افراد الجيش والدفاع المدني ورجال الأمن العام، ودوريات النجدة حتى، في المناطق التي شهدت الهطولات المطرية العنيفة، والتجمعات المائية الخطيرة، قريبا من أودية مادبا وسد الواله، منذ ساعات حدوثها وحتى كتابة هذه السطور انتشروا جماعات وفرادى في اودية البتراء ومجاهلها، ينقذون من يصدف بطريقهم مواطنين او سياح، كان انتشارا يحمل من اللهفة ما يحمله قلب أبٍ هلع يبحث عن طفله، كان هاجس الوطن معلقاً فوق "البورية"، وفي السواعد الفتية، ينبشون الوحل الذي خلفته السيول بأيديهم تارة وبأدوات البحث تارة اخرى، لانقاذ مسن او طفل او غريق، كان المشهد صلبا موجعا حزينا، مفرحا ويدعو للفخر ونحن نقف امام نشامى الوطن، الذين وجدوا ان سلاح الوطن ليس بندقية، بل نخوة واصالة وشهامة الانسان الاردني بين صفوف أفراده وقياداته، والتي استقوها من قيادتهم الهاشمية.

المشهد اعلاه، نستطيع أن نقرأه من أكثر من جانب، وقد تسيدت قواتنا المسلحة لجيشنا العربي الأردني الخارطة الجغرافية والجوية وقبلا، اعتلت عرش قلوب الاردنيين، الساخطين الناقمين على مستويات اداء التردي الحكومي للحكومات المتعاقبة، والتي صبت على رأس الحكومة الراهنة.

ما شهده الاردن وخلال اقل من اسبوعين بفاجعة البحر الميت، وكارثة سيول أودية مادبا والبتراء، ليس مسؤولية الحكومة الراهنة وحدها بكل الاحوال، ونحن نتحدث عن تردي البنية التحتية للأودية ومجاري السيول والجسور والأنفاق لدولة عاصرت 42 حكومة منذ نشأتها وحتى الان، ونحن نتحدث عن سدود مائية غير معدة لاستقبال كل تلك الهطولات المطرية، وعن مرافق خدماتية لا تحتمل موجة مطر عابرة.

الجيش تفرد، والقوى الأمنية تميزت، والدفاع المدني قدم شهيدا، والحكومة استنفرت بصورة لن ننكرها وتمترست قواها البشرية، والخدماتية في الميدان، لكن ذلك ليس بكافٍ، ونحن لا نزال في بداية الموسم المطري.

نحتاج لأكثر من اصلاح، اعادة هيكلة وزارات ومؤسسات الدولة عن بكرة ابيها، دفع وزارة التخطيط والاشغال والمياه والبلديات والداخلية الى المقدمة، والايعاز بتنفيذ وليس وضع خطط للتعامل مع الممرات المائية الخطرة في كامل المملكة، اعادة بناء وصيانة السدود، شق طرق بديلة عن تلك التي يتوجب اغلاقها نظرا لوقوعها بالقرب من النقاط الحرجة لمجاري السيول، ق، نحتاج اخلاء القرى والنواحي القابعة على سيول الموت، قد نحتاج لمئوية اخرى من العمل والبناء، لكننا ستكون افضل حالا واكثر قوة امام احتمالات خسائر بشرية.

اللافت، ان مثل هذه الحوادث ليست الأولى من نوعها على البيئة المناخية للأردن، مع اعتبار التغيرات المناخية الكونية التي زادت في حدتها، وهو الامر الذي كان من المتوجب أن يكون في احتسابات السياسات والمخططات الانشائية لكل مرافق محافظات ومدن المملكة، وما يدخل في تلك الاعتبارات من منح تراخيص او تصويب اوضاع !

نحن امام كارثة حقيقة استنفذت اجهزة الدولة وأذرعها الأمنية والعسكرية والرسمية، نحتاج لاعادة تموضع اولويات الدولة التي تولاها جيشه واجهزته الامنية، في مهام اضافية هي من صلب ادارة الدولة الرسمية والحكومية، ومن صلب مؤسسة برلمانية اخذت على عاتقها نهج الخدماتي طواعية، فلم يسهموا بتحسين البنى التحتية، ولم نرهم في الميدان كل في محافظته، وتُغرهم عدسات الكاميرات التي رصدت كارثة السيول ليستثمرونها في جولاتهم الانتخابية القادمة !

ننتظر من مؤسسات الدولة الحكومية والرسمية والبرلمانية ما يسبر اعماق الخلول المؤقتة، نحتاج حلولا جذرية تقي الاردن فواجع مماثلة أو مرتقبة .

 




تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات