رد الصين التجاري على ترامب .. قوة وثقة وتأثير


في خطوة استفزازية وغير مسبوقة أقر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبل شهور رفع الرسوم الجمركية بنسبة 25% على الصلب و10% على الألمنيوم اتجاه العديد من الدول أستثني كندا والمكسيك من الرسوم الجمركية لحين إعادة التفاوض حول اتفاق التجارة الثلاثية نافتا وبين ترامب في اكثر من تغريدة له ان هذه الخطوة جاءت لتحمي الأمن القومي والعامل الأمريكي معا وهي جزء من تعهداته في حملته الانتخابية بإعادة بناء صناعة الصلب والألمونيوم والتي دمرتها ممارسات التجارة الخارجية العدوانية التي شكلت هجوما على بلادنا بالإضافة إلى ان هذه المعادن تمثل حجر الأساس لقاعدة صناعتنا العسكرية وانتقد ترامب عجز الميزان التجاري الأمريكي وقال سيكون لي الحق في زيادة هذه الرسوم أو خفضها تبعا لكل دولة على حدة او استثناء دول أو إضافة دول يشار إلى أن الولايات المتحدة تعاني عجزا تجاريا قدره 800 مليار دولار لعام 2017 ويرى الرئيس ترامب أن السبب في ذلك هو "حماقة الرؤساء الأمريكيين السابقين" الذين انتهجوا سياسات تجارية خاطئة مع العديد من بلدان العالم بينها بلدان الاتحاد الأوروبي قي الوقت الذي أكد فيه الكثير من الساسة المتابعين ورجال الإعمال الأمريكيين ان هذا القرار جاء لجذب ناخبين من العمال في ولايات مثل بنسلفانيا بعد أن ابتعدوا عن الديمقراطيين وقرروا دعم ترامب في انتخابات 2016 وإظهاره لقوة الحزب الجمهوري واستعراض مبكر لحلبة السباق الانتخابي القادم .

وقد حذر صندوق النقد الدولي من أن هذه الخطوة ستضر بالولايات المتحدة كما ستضر بالدول الأخرى وبين الصندوق إن بعض الدول ربما تحذو حذو ترامب وتدعي ضرورة فرض قيود تجارية صارمة بحجة الدفاع عن أمنها القومي بينما تخطط دولا أخرى لمقاضاة الولايات المتحدة لكون هذه الرسوم الجمركية تمثل خرقا فاضحا لقرارات منظمة التجارة العالمية ولم يرعوي ترامب الى تحذيرات العديد من الدول الخبراء وغضبهم جراء خطورة هذا القرار والذي قد يتسبب بإشعال حرب تجارية مدمرة بين أمريكيا ودول العالم في مقدمتها الصين التي يرى ترامب ان لها العديد من الممارسات التجارية غير العادلة وهي تكرس جهودها لتقويض التكنولوجيا والملكية الفكرية في الولايات المتحدة الأمريكية حيث لدينا قوة عقلية في وادي السليكون والصين وغيرها تسرق تلك الأسرار وقال سنحمي تلك الأسرار فتلك هي جوهر التاج لهذا البلد .

حيث بدأت السلطات الأمريكية فرض رسوم جمركية إضافية على السلع الصينية في خطوة تنذر بتصعيد تجاري بين البلدين وشملت العديد من السلع الصينية من بينها توربينات الغاز وآلات تسييل الهواء والغاز والأفران وأعلن البيت الأبيض أنه يخطط لفرض الدفعة الثانية من الرسوم (16 مليار دولار) على نحو 300 سلعة إضافية وكانت الصين تعهدت ألا تكون المبادرة في المواجهة مع أمريكيا وإنها لا تريد خوض حرب تجارية لكن يتعيّن عليها الرد بقوة لمواجهة ما وصفته بقصر النظر لدى الجانب الأمريكي .

وهي مضطرة إلى رد ضروري وعاجل بفرض إجراءات مضادة من أجل الدفاع عن المصالح الأساسية للبلاد والشعب وقد وصفت القرار الأمريكي بأنه نموذج على التسلط التجاري الذي سيؤدي إلى بلبلة وإرباك في الأسواق العالمية وقد جاء رد بكين سريعاً بإعلانها عقوبات من نفس الحجم على السلع الأمريكية من خلال رفع رسوم استيراد قائمة سلع أمريكية بقيمة 34 مليار دولار وفرض رسوم جمركية على 545 صادرات أمريكية تشمل منتجات زراعية وسيارات وأطعمة بحرية وبهذا وضع الرئيس الأمريكي ترامب نفسه في مواجهة اكبر اقتصاديين في العالم عندما اعلن عن فرض تعريفات جمركية على بضائع صينية ويرى بعض المسؤوليين الامربكيين وعلى صعيد ردود الفعل السياسية للتعريفات الأمريكية المعلنة منهم عضو مجلس الشيوخ تشاك شومر أن ترامب أصاب الهدف تماماً .

وقال ان الصين عدونا التجاري الحقيقي وسرقتهم للملكية الفكرية ورفضهم السماح لشركاتنا بالتنافس وهي تهدد الملايين من الوظائف الأمريكية المستقبلية وفي مقابل ذلك أعلن النائب الجمهوري ديف رايشيرت عن رفضه لهذه الإجراءات موضحاً بان الأمريكيين هم من سيتحملون العبء الأكبر من تلك الضرائب وليس الصين .

وعند الحديث عن حرب ترامب التجارية ليس مع الصين فقط بل العالم لابد من التوقف عند شعار ترامب الانتخابي ( أمريكا أولا ) حيث يعتقد بعض المحللين ان تفعيل هذا الشعار و تنفيذه على أرض الواقع يعتمد على سياسة واشنطن الأمنية والاقتصادية الأولى لتعزيز النفوذ العسكري الأمريكي في العالم من بينها الشرق الأوسط و فرض الرسوم الجمركية على البضائع المستوردة كل ذلك يصب في تقوية الاقتصاد الأمريكي وإضعاف الاقتصاديات الأخرى وان إدارة ترامب مصممة على استخدام الرسوم الجمركية العقابية كأداة للضغط على الصين للحد من تقدمها التكنولوجي والصناعي وحتى لا تبقى تشكل تهديداً لمكانة الولايات المتحدة الاقتصادية عالمياً وقوتها الجيو سياسية في آسيا والمحيط الهندي .

وان جل غاية ترامب في هذه الحرب هو مواجهة محاولة تقليص العجز التجاري الأمريكي مع الصين الذي وصل في 2017 إلى 375.2 مليار دولار ولهذا طالب ترامب من الصين تقليص فائضة التجاري مع واشنطن بما لا يقل عن مئة مليار دولار .

في حين اثأر قرار الرئيس الأمريكي موجة تنديد واسعة على المستويين الدولي والداخلي وما رافقه من مخاوف من تصعيد للثأر التجاري المتبادل وهو مؤشر خطير جدا على إمكانية اندلاع حرب تجارية عالمية إضافة إلى تقويضه للثقة والاستثمار .

بين الدول وعلى صعيد متصل أكد الاتحاد الأوربي استعداده للرد واتخاذ إجراءات في مواجهة الضرائب الأمريكية إذا لزم الأمر لإعادة التوازن بخصوص المنتجات الأمريكية الأبرز مثل الجينز أو زبدة الفستق لكنه لا يزال يفضل الحوار ومن المعلوم ان الاتحاد الأوروبي يملك ترسانة إجراءات كبيرة للرد في حال استمرت أمريكيا بالغطرسة من جانب واحد وقد اعد الاتحاد الأوروبي لائحة تضم عشرات المنتجات من الصلب ومستحضرات التجميل وملابس ومواد غذائية و سيارات يمكن أن تفرض عليها رسوما عالية استعدادا للمواجهة في حال عدم التوصل الى تفاق مرضي لجميع الإطراف وبالعودة الى الصين كدولة أولى مستهدفة بقرار ترامبب يرى العديد من المحللين الاستراتيجيين ان الإجراءات الصينية التي اتخذت هي أكثر قدرة على تهديد صادرات الولايات المتحدة وتهديد شعبية ترامب وكذلك تهديد فرص الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس .

ولا زالت إدارة ترامب تحاول كبح السوق الصينية والتقليل من صادراتها عن طريق حرب تجارية قاصمة لكن هذه الحرب التجارية لا يمكنها حل المشاكل او تغيير الأسباب الجذرية بل على العكس اذا تمت إدارتها بشكل غير ملائم فستتحول إلى أزمات خانقة .

ويضاف الى كل ذلك انه حتى لو خفّضت الولايات المتحدة العجز التجاري مع الصين من جانب واحد فسوف يستمر عجزها التجاري الخارجي وسينتقل فقط من الصين إلى دول أخرى واليوم وبعد هذا الصدام نقف متفرجين إمام نوبة استعراض العضلات الأمريكية الجديدة، وفريق ادارة ترامب لا يبدي أي قدر من الاهتمام بتوقعات رد فعل الصين على القرار ظناً منهم ان الولايات المتحدة ليس لديها ما تخسره وبوسعها ان تكسب كل شيء .

ولكن وحسب الواقع المشاهد نقول انه طالما ان الاقتصاد الصيني يشهد نمواً متسارعا فإن المخاوف الأمريكية ستظل قائمة وسبقي الصراع محتدم بين الظرفين على أشده مع احتمالية تطوره الى ما هو أسوا على الدولتين والعالم اجمع حتى الآن تنحصر الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين في الرسوم الجمركية وان هذه الإستراتيجية التي بدأتها أمريكيا ستكون لها كلفتها الناهضة على البلدين إذ ستحد من إمكانية استثمار المصدرين في السوقين الأمريكية والصينية كما ستحد من المنافسة وسترفع الأسعار وتقلل الخيارات أمام المستهلكين الصينيين وهي في ضع أفضل "للتغلب على العاصفة "الصين تمتلك أدوات وموارد تساعدها في امتصاص أثر أي حرب تجارية فبكين تجلس على ثلاثة تريليونات دولار من الاحتياط النقدي في الجانب الصيني وقد أعلنت ان الحرب التجارية ستؤدي إلى تباطؤ نمو إجمالي الناتج الداخلي الصيني بـ 0,2% في 2018 إلا أنها اعتبرت أن أثر الضرائب الأمريكية سيكون محدودا على اقتصادها وترد الصين على التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على وارداتها بطريقة جديدة تتمثل في الضغط على الشركات الصينية للعثور على موردين وعملاء خارج الولايات المتحدة رغم عدم وجود بدائل كثيرة متاحة للسوق الأميركي كمستورد للسلع والتكنولوجيا الصينية اليوم العلاقات الدبلوماسية متوترة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، قد يزيدها ساكن البيت الأبيض الجديد دونالد ترامب سخونة بسبب تصريحاته وتصرفاته المستفزة بحقها والتي من الممكن أن تنقلب إلى مواجهة اقتصادية حامية الوطيس بين البلدين غير الصديقين .

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات