إزالة قضيّة القدس عن طاولة المفاوضات فرض لسياسة الأمر الواقع


في تطور جديد لفرض سياسة الأمر الواقع الظالمة وبجهل للتاريخ وتزييف للحقائق وبخطوة استفزازية متغطرسة سافرة وخطيرة جسدت عداء وتطرف الرئيس الامريكي دونالد ترامب اتجاه الشعب الفلسطيني وأثبتت جنونه وغبائه وتنكّره المطلق لحقوقه التاريخية واستهتاره المتواصل بالعالم العربي والإسلامي شعوبًا وقيادات وأنظمة ففي يوم الأربعاء الموافق 22/ 8/ 2018 وخلال خطابه في ولاية فرجينيا الغربية وحديثه عن خطته لتسوية القضية الفلسطينية وبعدم إدراك لقيم العدالة وفهم لواقع الجغرافيا قال الرئيس ترامب لقد أزلنا قضية القدس عن طاولة المفاوضات في محاولة منه لحسم الصراع من جانب واحد لإنهاء المطالب الفلسطينيّة التاريخية بالقدس وأضاف ان هذا الأمر كان يجب أن يحدث قبل سنوات عديدة لأنه في كل مرّة كانت هنالك مفاوضات سلام لم نغادر إشكاليّة الاعتراف بالقدس وأن مسألة القدس كانت تعرقل الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين لذلك قررت أن نزيلها من المفاوضات هذه الخطوة تعد خرقًا للسياسات الأميركيّة الرسميّة المعتادة والتي أدركت مكانة القدس وحساسية موقعها بالنسبة للشعب الفلسطيني وللعالمين العربي والإسلامي وأن القدس هي عاصمة فلسطين رغم أنف ترامب الذي أصبح لعبة بيد نتنياهو من خلال تبنيه بشكل كامل لخطاب اليمين الصهيوني المتطرّف في تهويد القدس وقطعها عن الضفة الغربية وتوسيع وتعميق الاستيطان والاستيلاء على مناطق ج ومنع إقامة دولة فلسطينية كاملة السيادة .

وقد ظهرت مؤخرا تسريبات نقلتها الصحف الأمريكية تؤكد الاعتراف الأمريكي بأبو ديس عاصمة لفلسطين في تزامن لافت مع استعدادات البيت الأبيض للإعلان عما يطلق عليه "صفقة القرن" لتسوية النزاع العربي الإسرائيلي والعمل على تنفيذها إذ كشفت وكالة أسوشييتد برس أن الإدارة الامريكية تُوسّع طاقمها المكلّف بالشرق الأوسط استعداداً للإعلان عن الصفقة .

وقد استبق ترامب هذا القرار باعترافه يوم الأربعاء 6 كانون الأول 2017، بمدينة القدس عاصمة لإسرائيل وأعلن عن خطط لنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى المدينة المقدسة مما انهي عهد طويل من التقاليد السياسة الخارجية الأميركية التي كانت تتجنب إعلان القدس عاصمة لإسرائيل في غياب اتفاق سلام إسرائيلي فلسطيني مما اوجد تضارب وخلل كبير حول التوافق الدولي لمسألة القدس .

سيطرت إسرائيل على النصف الغربي من مدينة القدس إثر حرب عام 1948بينما خضع الشطر الشرقي إلى السيطرة الأردنية والذي ضمَّ المدينة القديمة بما فيها المسجد الأقصى وقبة الصخرة بعد انتصارها في حرب الأيام الستة عام 1967 ضمَّت إسرائيل القدس الشرقية وأعلنت المدينة بشقيها الشرقي والغربي عاصمة موحدة وأبدية لها وعندما أصدرت إسرائيل قانون القدس عام 1980 والذي نصَّ على اعتبار القدس كاملة وموحدة عاصمة لإسرائيل رفض مجلس الأمن الدولي ذلك واعتمد القرار رقم 478 الذي اعتبر الخطوة الإسرائيلية انتهاكًا للقانون الدولي ودعا الدول الأعضاء إلى سحب بعثاتها الدبلوماسية من المدينة وحتى عام 2006، كانت كوستاريكا والسلفادور هما الدولتان الأخيرتان اللتان تنقلان سفارتهما من القدس إلى تل أبيب وقبل القرار الأميركي لم يكن يوجد بلد آخر يحتفظ بسفارة له في مدينة القدس .

لقد انتعشت آمال الفلسطينيين بعد توقيع اتفاق أوسلو في عام 1993 بإمكانية أن يشكِّل الجزء الشرقي من المدينة عاصمة مستقبلية لهم ولكن أصدر الكونجرس الأميركي في عام 1995 قانونً ينص على نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس ووجوب الاعتراف بـالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل ورفض الرؤساء الأميركيون منذ ذلك الحين كل من بيل كلينتون جورج بوش الابن باراك أوباما تنفيذ القرار وكانوا يوقِّعون على قرار بتأجيل التنفيذ كل ستة أشهر تحججت الإدارات الأميركية بحماية مصالح الأمن القومي الأميركي من جهة ومن جهة أخرى أرادت أن تحافظ على تكتيك متوازن في العلاقات المتوترة والهشة ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين .

سياسيا كانت خطوة ترامب في اعتبار القدس عاصمة لدولة إسرائيل متوقعة منذ فوزه بالانتخابات الرئاسية في نهاية العام 2016 فقد تضمن برنامجه الانتخابي وعدًا أساسيًّا بنقل السفارة الأميركية من مدينة تل أبيب إلى مدينة القدس في حال وصوله إلى البيت الأبيض. وبعد فوزه لم يُخفِ إصراره على تحقيق وعده وأعلن أكثر من مرة أن ذلك ليس إلا مسألة وقت وفي وضع إقليمي وعربي سئ للغاية شجع ترامب على التمادي في سياسة الغطرسة والتهديد فمن تمزق وحروب اهلية وانهيار في الدولة الوطنية طال معظم الدول العربية حيث حل الانقسام في مجلس التعاون العربي وخاصة بعد حصار قطر إضافة الى الصراع المسلح الدامي في سوريا والعراق وليبيا واليمن وتعاظم قوة العناصر الإرهابية وخطرها وانشغال معظم الدول بتحصين وحماية أمنها الداخلي ولم تقتصر المتاعب والتمزق على الواقع العربي بل امتد إلى القوى الإقليمية الوازنة وبالتحديد إيران التي تنشغل بالتهديدات الأمريكية بإلغاء اتفاقية برنامجها النووي وفرض العقوبات بالإضافة الى انشغالها بالمشاركة في الحرب الأهلية السورية الى جانب قوات الأسد وتركيا ليست با فضل حالا فهي تعاني العديد من المتاعب الداخلية وفي مقدمتها المسالة الكردية والمواجهة مع امريكيا بخصوص قضية القس الامريكي اندرو برنسون والقرارت الأمريكية السياسية والعقوبات الاقتصادية المضادة التي سارعت بانهيار قيمة العملة التركية وخلقت مخاوف كبيرة لدى المواطنين والمستثمرين .

هذه الاحوال وغيرها قلصت خيارات التصدي لقرارات ترامب الرعناء والمجحفة بحق الشعب الفلسطيني وفي ظل هذه الأوضاع عوَّل ترامب وإدارته على امتصاص غضب حلفائه الرئيسيين من الأنظمة العربية وخاصة مصر والسعودية اللذان يحتاجان للدعم الأميركي في ظل التوترات الداخلية فبينما يحتاج ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الدعم الأميركي لاحتواء معارضيه الداخليين وتنصيب زعامته في المملكة يرغب السيسي في تجديد شرعيته وزعامته وبذلك لم تعد قرارات ترامب من ضمن الأوراق التي يمكن لهذه الأنظمة أن تلوح بها امام الإدارة الامريكية الراهنة والتي مارست التأخير المتعمد في بدء المفاوضات والمماطلة لفرض سياسة الأمر الواقع في ظل التوسع الاستيطاني الإسرائيلي على الأرض دون رادع وتقطيع أوصال الضفة الغربية وغياب الدعم الأوروبي والروسي وقرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة للأمم عن ساحة التفاوض .

إن هذه السياسة الأميركية الجديدة والتي تعتبر الأكثر تطرفا تجاه القضية الفلسطينية سوف تنعكس سلبا على الثقة في أمريكيا كطرف راعي للمفاوضات وإن غياب ملف القدس عن أجندتها مخالف للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ومن البديهي أن إخراج القدس من المفاوضات أمر في غاية الأهمية بالنسبة لإسرائيل التي نجحت في تغيير سياسة أميركا عبر استغلال موقف ترامب وموقف نائبه مايك بنس الأكثر تشددا مع التأكيك على أن المتضررين الوحيدين من قرارات ترامب هما فلسطين والأردن اللذان يكافحان وحدهما لاحتواء تبعات هذا القرار لما فيه من خطر جسيم على الأمن الوطني الأردني وبعد هذا القرار لم تعد اسرائيل مضطرة لدفع ثمن كبير في أي مفاوضات مقبلة مع الفلسطينيين ويمكن اعتبار واشنطن وسيط نزيه او محايد او عادل لهذا رفضتها السلطة الفلسطينية وسيطاً للمفاوضات المتوقفة أساساً منذ 2014 بسبب عدم التزام الاحتلال بتنفيذ شروط جرى الاتفاق عليها بين الطرفين .

ولنذكر ترامب ونتنياهو وكوشنر وبنس وبولتون وغيرهما من أبناء الصهيونية العالمية ان مدينة القدس هي قلب الهوية الفلسطينية المسلمة والمسيحية حيث كانت المدينة سببًا مباشرًا في اشتعال الاحتجاجات والمظاهرات الشعبية العنيفة في هبَّة النفق عام 1996 بعدما افتتحت الحكومة الإسرائيلية نفقًا أسفل المسجد الأقصى المبارك، وانتفاضة عام 2000 التي اندلعت بعد زيارة رئيس الوزراء الأسبق، أرييل شارون، لباحات المسجد الأقصى، وانتفاضة القدس (2015 -201) والتي سميت أنذاك بانتفاضة السكاكين وفي تموز 2017 أدَّت الخطط الإسرائيلية لتثبيت كاميرات أمنية في المسجد الأقصى إلى اندلاع أسابيع من الاضطرابات والمواجهات استطاعت التظاهرات الفلسطينية في القدس حشد الرأي العام العربي والإسرائيلي مما أدى في النهاية إلى خضوع الجانب الإسرائيلي وإزالته للكاميرات وعلى الأرجح بعد هذا القرار الظالم سوف تتصاعد الاحتجاجات الشعبية في القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية وازاء هذا الاستهداف الامريكي الصهيوني المتجدد لا بد أن يبحث الفلسطينيون والعرب عن استراتيجية جديدة للتخفيف من آثار قرار ترامب والاستمرار في المفاوضات المتعلقة بحل الدولتين وعودة اللاجئين وغيرها من الملفات الشائكة ومن المعلوم ان قضية القدس هي قضية فلسطينية وعربية وإسلامية وهي في نفس الوقت قضية المجتمع الدولي وعليه فإنه على كل هذه الأطراف اتخاذ الخطوات اللازمة للتصدي للقرار الأميركي الخطير والوقوف ضده .

وعلى المستوى الفلسطيني الداخلي يتوجب عاجلا وقبل كل شئ وقف التنسيق الأمني بالكامل والعودة إلى الشعب وخياراته النضاليّة المستندة إلى حقوقه التاريخيّة وعلى الشرعية والقرارات الدوليّة والإعلان عن أنه لا شريك للسلام ولا خيار سوى تعزيز الهيئات الشعبية والتمثيلية للشعب الفلسطيني التي هي فقط تستطيع أن تحمل همه وتقود نضاله كما يتوجب على السلطة الفلسطينية وبشكل سريع إتمام المصالحة دون مماطلة لأنها مصدر القوة والحماية الأولى للشعب الفلسطيني وخيارا استراتيجيا لنضاله بالإضافة الى ضرورة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بحيث تشمل كل القوى والفصائل الوطنية والإسلامية الفاعلة وتثبيتها كهيئة تمثيلية تقود المرحلة الصعبة القادمة والدعوة الى مظاهرات شعبية عارمة للتعبير عن الغضب على القرار الأميركي العدواني والمطالبة بتحقيق سلام عادل يكفل للشعب الفلسطيني الحرية من الاحتلال والاستقلال في دولة ذات سيادة وطنية عاصمتها القدس الشريف وتحقيق العودة وحق تقرير المصير استنادًا إلى القرارات الدولية .

وأخيرا نقول ( قبل أن تتكلم عن القدس يا هذا أغسل فمك سبع مرات إحداهن بالتراب إن للقدس رب يحميها وشعب يفديها وجنود ستدافع عنها وان طال الأمد ) .

mahdimubarak@gmail.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات