الإصلاح الإداري أولا


بالرغم من قلة الموارد وندرة التكنولوجيا التي تساعد على أداء المهام وحفظ البيانات كانت الإدارة العامة في الأردن أنموذجا يحتذى به في الكفاءة والنزاهة والعقلانية. اليوم ومع كل ما هو متيسر من تقدم في الوسائل والأساليب ومع وجود الآلاف من حملة الدكتوراة بين صفوف العاملين في مؤسساتنا الخدمية والسيادية فإن المراقب لا يحتاج إلى الكثير من الخبرة والنباهة ليكتشف تردي الأوضاع الإدارية لمؤسساتنا وتفشي الأمراض الإدارية وتدني قدرتها على تقديم خدمات مناسبة وسريعة لجمهورها في بعض المجالات الضرورية.

عبر العقود الماضية كان الالتحاق بالوظيفة العامة وما يزال رغبة تراود الخريجين أيا كانت تخصصاتهم لا ليقدم خدمات بمقدار ما يحقق حلمه الشخصي ورغبة الأسرة في أن ينال نصيبا من السلطة والنفوذ الذي يتأتى من الانخراط في الوظيفة العامة. المؤسسات السيادية كانت الخيار الأول لابناء المتنفذين الذين يتجهون نحو مؤسسات الداخلية والخارجية وأجهزة التفتيش والرقابة والأمن باعتبارها تمنح سلطة اوسع وتشبع رغبات كوادرها وحاجتهم الشخصية والاجتماعية للنجاح.

الأقل حظوة وتأثيرا يتجهون إلى مؤسسات خدمية عملا بالمقولة المصرية "إن فاتك الميري.. تمرغ بترابه" على أمل أن يحصلوا على ترقيات سريعة في سلالم هذه المؤسسات الوظيفية ويصلوا إلى مراتب الرؤساء والمدراء للاستمتاع بما في ذلك من نفوذ وصلاحيات قد تعوضهم عن ما تحقق لاقرانهم في المؤسسات السيادية الأخرى.

من الناحية الشكلية تحرص غالبية مؤسساتنا على إعداد خطط وأهداف وهياكل تنظيمية يجري استعراضها لخلق انطباع حداثي عن المؤسسة ومسيرتها وعلى أرض الواقع يجري اختيار العاملين والمدراء على أسس عشائرية وفي ضوء معادلات المحاصصة الأمر الذي يدفع بهم إلى السعي لنيل رضا وتقدير المدراء أكثر من العمل على إنجاز وتحقيق الأهداف والمهام المرتبطة بالمراكز والأدوار التي يشغلونها.

اليوم من الصعب أن تراجع مؤسسة خدمية دون ملاحظة اختلالات لا تجد سببا لاستمرارها غير الترهل واللامبالاة فالخدمات ضعيفة ضمن إجراءات روتينية قاتلة يقوم بها موظفون تنقصهم المهارة والتدريب يبدو عليهم الاجهاد وفقدان الحيوية في اجواء تخلو من التفهم والتعاطف مع المراجعين.

بعض العاملين يتفنون في تأخير الإجراءات بحجة عدم اكتمال الشروط أو الحاجة إلى مزيد من المستندات والأوراق. والبعض الآخر يكشف عن مدى حاجة العاملين للاعداد والتدريب والتأهيل في أصول العمل وفن التعامل.

التطوير الإداري أو الإصلاح الإداري حاجة ملحة تتقدم على كافة مسارات الإصلاح. فهو الوسيلة التي بأيدينا لتحسين شروط إدارة السلطة التي تملكها الدولة وتحقيق سيادة القانون وتنفيذ العدالة وبدون ذلك سنبقى ندور في حلقة مفرغة ويتعمق الاحساس بعدم الثقة بالدولة والقائمين على مؤسساتها.

العاملون بحاجة إلى تدريب وتوصيف للادوار ومعايير للأداء وعدالة في الانتقاء وتقيد بشروط النزاهة ومحاسبة للفاسدين واستبعادهم قبل أن نجري أي تحديث على الوسائل والأساليب.

منذ مطلع الالفية الثالثة والجميع يتحدث عن الحكومة الإلكترونية واتمتة الإجراءات دون ان يتحقق تقدم ملموس على الأرض. في كل مرة يطل فيها علينا وزراء القطاع العام أو التطور والتنمية الإدارية يبشرون بقرب اطلاق خدمات إلكترونية جديدة تمكن المراجع من إنجاز معاملاته دون الحاجة إلى مراجعة الدوائر. معظم إنجاز الوزارة التي تغير اسمها مرارا لا يلمس آثارها المواطن.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات