التهرب الضريبي والاقتصاد الخفي


تحاول الحكومات المتعاقبة منذ اكثر من عقد العمل على حل مشكلة العجز بالموازنة العامة بتوفير فائض اضافي كافي لتسديد التزماتها المتعلقة بالدين العام وتبعاته, وفي هذا السياق فرضت الحكومة ضرائب وتعريفات جديدة وذلك في إطار سعيها للوفاء بالتزاماتها تجاه صندوق النقد الدولي, وتطلب ذلك اجراء اصلاحات جديدة تتلائم مع المرحلة القادمة لدعم الموازنة العامة للاعوام (2017-2018-2019 ) بمبلغ إضافي وقدره (450, 520 ,570 )مليون دينارعلى التوالي، مما الزمها اجراء تعديلات عديدة على مواد قانون الضريبة وذلك لتصحيح التشوهات الموجودة فيها ومحاولة حل مشكلة الخلل في هيكلة الضرائب من ناحية اخرى , الامرالذي خلق رفضا شعبيا عارما ادى الى تعليق النظر بالقانون المعدل لضريبة الدخل ,وكذلك رحيل الحكومة السابقة بسبب تخوف الناس من سحق الطبقة الوسطى وارتفاع حجم البطالة ومستويات الفقر.

ويجد الباحثين ان نسبة مساهمة الضرائب المباشرة من الايرادات تبلغ 25% ونسبةالمساهمة من الضرائب غيرالمباشرة تبلغ 75%)بعد اخذ سلالسل زمنية من بيانات دائرة ضريبة الدخل والمبيعات (وهذا يؤكد وجود الخلل المشار اليه,والاصل ان تتقارب النسبتين اذا ما تم القياس والربط مع دول اخرى مجاورة ,وتبعا لهذه المعطيات فإن الحكومة الجديدة تقف امام تحديات كبيرة ومعقدة تجاه الشارع الذي اعتاد على ان يكون الحل من خلال جيوب المواطنين فيه, بغية سد عجز موازنتها في ظل غياب اجتهادات وبرامج اقتصادية لتجاوز هذه المحنه,علما بأن الزيادة المتوقعة في الإيرادات ستكون ناشئة بشكل رئيسي عن زيادة تحصيلات الضرائب والرسوم، بتعديل بعض مواد قانون ضريبة الدخل وكذلك ضريبة المبيعات بعد إزالة الدعم عن السلع,كل ذلك في ظل غياب وجود مشاريع استثمارية حقيقية تحقق النمو الاقتصادي المنشود, ويجب ان لانتجاهل بان الزيادة المتوقعة في الضرائب والرسوم سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، ستؤثر على الطلب العام للسلع والخدمات، وسينعكس ذلك على النشاط الاقتصادي, والإيرادات المتوقعة للعام الحالي والاعوام القادمة , والتي يفترض أن تكون أكثر واقعية، خاصة في ظل الظروف المحيطة والخسائر والتراجع في الأرباح الذي تشهده العديد من الشركات والمؤسسات في مختلف القطاعات الاقتصادية.

على صعيد اخر فقد تم تقدير معدل النمو الاقتصادي للعام الحالي بنسبة 2.5 %، وبالرغم من أنه واقعي إلا أنه في ظل السياسات المالية التي تقوم على زيادة الضرائب سيؤثر ذلك سلبا على الطلب العام الاستهلاكي والاستثماري وعلى القدرة الشرائية للمواطنين, وسينجم عنه التأثيرعلى النمو وارتفاع معدلات التضخم, ويرى اقتصاديون بان الاقتصاد يحتاج الى معدل نمو يتجاوز نسبة الـ (4 % ( حتى يصل إلى نقطة التوازن ويكون هناك امكانية لعلاج المشكلات الاقتصادية الرئيسية بتخفيض العجز والمديونية والفقر والبطالة,سيما وان المملكة تعاني من ظاهرة الركود الاقتصادي,وافضل علاج للخروج منها يكون بزيادة الانفاق الحكومي الاستهلاكي وتوجيه القروض نحو الاستثمار في مشاريع اقتصادية وان ذلك ينقل البلاد من وضع الركود الاقتصادي إلى حالة النمو،أو بتخفيض الفائدة بواسطة البنك المركزي الأمر الذي يسمح للمصالح والمصانع بإمكانية تحمل دين أكبر وأيضاً يخفف جاذبية التوفيرلدى القطاع الخاص مما يرفع نسبة الاستهلاك لديهم الأمرالذي يدفع السوق نحو نمو اقتصادي.

ومما لا شك فيه فان الاردن تعاني كاي دولة في العالم من مشكلة التهرب الضريبي ووجود الاقتصاد الخفي فيها مما يعيق الوصول الى التخطيط اللازم وتوفير الموارد المالية لسد العجز سواء في الموازنة العامة السنوية او القدرةعلى الوفاء بالالتزامات تجاه الجهات المقرضة, ومن المعروف بان ارتفاع مستوى الضرائب في اي بلد يعتبر احد اهم اسباب نمو الاقتصاد الخفي ،وان هناك علاقة طردية بين تزايد الحافز نحو التحول إلى العمل فى الاقتصاد الخفي وبين الأنشطة التي تصب فى الاقتصاد الرسمي التي تتعرض لفرض المزيد من الضرائب من وقت لآخر, ويعتمد نجاح ذلك على مستوى وحجم العقوبات التى قد يتعرض لها الفرد فى حالة اكتشاف واقعة التهرب الضريبي وكذلك قيمة العائد الذي يقابل مستوى الخطورة , سيما وان زيادة العبئ الضريبي سواء أكان ذلك على شكل ضرائب مباشرة أو غير مباشرة يقود إلى رفع نسبة الضرائب مقابل الناتج القومي, وهذا ما يؤدي الى استخدام تقنيات تجنب الضرائب أو التهرب من دفعها. ويتبع ذلك تحول بعض الأنشطة إلى الاقتصاد الخفي، حيث تصبح هذه الأنشطة غير مسجلة ضمن الاقتصاد الرسمي وبالتالي ليس لها علاقة بالضرائب, ويحد من ذلك وجود نظام ضريبي ذو كفاءة عالية ، بالإضافة إلى عدم وجود فساد اداري بين العاملين فى مجال الضرائب .

تلك السياسة كفيلة بتضييق وحصر الاقتصاد الخفي الى ادنى نطاق ممكن , بالاضافة الى ان هناك علاقة تبادلية بين التضخم وارتفاع مستويات الضريبةعلى الدخل والتي تعتبرعاملا إضافيا يؤدى إلى ازدهار أنشطة الاقتصاد الخفي, فعندما تزداد الدخول الاسمية مع ارتفاع معدلات التضخم ينتقل دافعي الضرائب إلى شرائح أعلى من الدخل ، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع معدلات الضرائب بالرغم من أن الدخل القابل للتصرف بعد فرض الضريبة قد ينخفض من الناحية الحقيقية بفعل وجود التضخم, لذلك يعمد بعض الأفراد إلى التهرب الضريبي من خلال إخفاء جانب من دخولهم عند تعبئة إقراراتهم الضريبية ، أو قد يميلون إلى تفضيل إجراء المعاملات من خلال نظام المقايضة حتى يتجنبون انخفاض مستويات المعيشة الناجمة عن التضخم وارتفاع معدلات الضريبة فى نفس الوقت.

ومن هنا نتسائل: هل يؤدي تخفيض معدلات الضريبة إلى القضاء على الاقتصاد الخفي؟. والاجابة تاتي بإن تخفيض معدلات الضريبة قد لا تعني بالضرورة القضاء على التهرب الضريبي , ذلك أن المتعاملين فى الاقتصاد الخفي يتمتعون بمعدل ضريبة فعلي يساوى صفرا. وبالتالي فان تخفيض معدل الضريبة بعدة نقاط ليس من المحتمل أن يؤثر على رغبة هؤلاء الأفراد فى إظهار دخولهم الحقيقية ودفع الضريبة المستحقة على انشطتهم , بيد انه على أحسن الفروض يمكن تخيل أن تخفيض معدل الضريبة سوف يقلل من الحافز نحو دخول مزيد من الأفراد إلى الاقتصاد الخفي,او قد يؤدي الى توسيع قاعدة المكلفين , أما اؤلئك الذين يتعاملون فعلا في الاقتصاد الخفي فيصعب تصور أن تتأثر أعدادهم بتخفيض معدلات الضريبة, ذلك أنه من الممكن التهرب من ضريبة القيمة المضافة من خلال الاتفاقات التى يمكن أن تتم بين المنتجين والمشترين او من خلال استخدام فواتير مزورة , وإذا ما نجح المتعاملون فى التهرب من الضريبة على القيمة المضافة فان ذلك سوف يمكنهم من تحصيل الضريبة والاحتفاظ بها لأنفسهم, وبالرغم من أن التحليل الاقتصادى الجزئي للضريبة يشير إلى أن أرباح المنتج تميل إلى الانخفاض مع زيادة مستوى الضريبة لان المنتج قد يضطر إلى تحمل جانبا من الضريبة ، ويعتمد ذلك على درجة مرونة الطلب السعرية, وهذا يجعل من الضريبة مصدرا جيدا للدخل للكثير من تجار التجزئة, بل وقد يمكنهم من زيادة مستوى أعمالهم وذلك عن طريق منح خصم لعملائهم يعادل قيمة - أو جزء من – الضريبة.

ومن الحلول ايضا تفعيل الالتزام الطوعي :ويرتبط نجاح هذا العنصر بمدى شعور الأفراد بالرضاء عن السياسات الحكومية ، وقناعتهم بالأهداف التى تسعى السلطات إلى تحقيقها, إذ يعد ذلك من العوامل الفعالة فى رفع درجة الالتزام الطوعي من جانب الأفراد نحو دفع الضريبة, فإذا أحس الأفراد بعدم جدوى البرامج الحكومية,او انه ليس هناك عدالة في فرض وتطبيق الضريبة على جميع افراد المجتمع أو أن هناك إسرافا مبالغا فيه في إنفاق حصيلة الضرائب ، أو أحس الأفراد بانه ليس هناك عائد ملموس يعود عليهم ، فانهم قد يميلون إلى محاولة التهرب أو تجنب دفع الضريبة.

وبعد هذا العرض فقد يتساءل البعض عن الحلول والمقترحات التي قد يقبل بها المواطن الاردني ويدعمها من خلال الاستجابة الطوعية ويحقق بالمقابل الحد الادنى من القبول والرضاء عن اجراءات الحكومة بتعديل القوانين لمواكبة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والضغوط الخارجية , فيرى الكاتب ويقترح تخفيض العبيء الضريبي غير المباشر عن طريق تخفيض نسبة الضريبة العامة على المبيعات وتوحيدها كونها اقل عدالة ولا تفرق بين مستويات الدخل ولا تأخذ بعين الاعتبار مستوى الرفات الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين وبالتالي يتم توسيع قاعدة المكلفين والحد من ظاهرة التهرب الضريبي من ناحية, ويتبع ذلك زيادة التحصيلات للدائرة بدون ان تضعف الدخل القابل للتصرف الذي يكسبه المواطن وبالمقابل يمكن اجراء تعديلات على مواد ضريبة الدخل , بمعنى اخر لا بد من ان تقوم الدولة بتقديم حافز عن طريق تعزيز الدخل الحقيقي للمواطن من خلال تخفيض عبئ الضريبة غير المباشرة وزيادة الضريبة المباشرة بحدود معينة يقبلها المواطن كون دخله القابل للتصرف من المفترض ان يبقى ضمن حدود معينة , وبهذه العملية يتم عمل تصحيح تدريجي للخلل في هيكلة الضريبة ويشعرمعه المواطن بان الحل قد ابتعد عن جيوبه , والله الموفق .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات