حسرة العيد


" من مثلي لا يصلحُ للفرح" تخيّل أن تسمع هذه العبارة من طفلة صغيرة تستجدي من في السوق أن يساعدوها ولو حتى بالقليل القليل. بماذا ستشعُر وما ردة الفعل التي ستُبديها؟ ربما أنك قد تُسارع في مساعدتها بما أنت قادرٌ عليه, ربما تحزن, حتى يصل بك الحزن لدرجة الدمع, أو ربما تلوم الحال, وتلّعن الحاجة, وتُعاتب الزمان وظروفه التي أوصلتك لأن ترى أطفالاً في مكان ليس بمكانهم المُفترض. أما عن ذلك العاجز الجالس في كرسيّه تحت أشعة الشمس وفوق رصيف الشارع وأمامه "بسطته" التي يسترزق من ما عليها الشيء القليل من النقوط ليمضي في الحياة بكرامة وعفة وعزّة, فلأنك في هذا الزمان المُنحدر إنسانياً فلا تكن ساذجاً وتسأل نفسك لماذا ترى هذا المشهد المبكي أمامك, فقد ما عليك إلا المضيُّ في طريقك وستكون من المأجورين لو أنكَ لعنّت الإهمال والتهميش واللا مُبالا واللا إنسانية.

لا تستغرب إذا ما رأيت الشوارع ممتلئة بالمركبات, والأرصفة مُكتضّة بأقدام المآرين عليها بينما المحالُ خالية إلا بأصحابها, فليس كل من في السوق يصلحُ للشراء, ليس كل من بالسوق يصلحُ للفرح, ليس كل من بالسوق يعنيه إن كان ما سيردتيه في العيد جديداً " فما العيدُ بإعتبار الفقراء سوى لحظات وستمضي" هكذا يبرر الفقير, فليس كل من تراهم أمامك في السوق يملكون ما يجعلهم يفرحون بشرائه, ثم لا تسأل لماذا يخرجون, فهم من ضيق الحال بين جدران بيوتهم يهربون لعل في الفضاء الواسع ثمّة متنفساًَ يجدون.

في العيد أكثر ما يتألم هم الفقراء, الآباء يتألمون من الداخل لكنهم يحاولون جهد كرامتهم أن لا يشعرونك بما في داخلهم إذا ما كانت إبتسامتهم وكلمات ترحيبهم بك هي سفيرة إستقبالهم لك, تجد الأمهات يهربنَّ للإنفراد في غرفة مغلقة لينزلنَّ فيضاً من دموع المرار وهنَّ يحاولن البحث في الخزائن عن أجدد الملابس القديمة التي مزّقها طول الزمان وكثرة الإستعمال, تبحث في الملابس المهترئة عن أنسبُها لكي تواسي فيها أطفالها الذين يزينون تلك الملابس ويُجمّلونها, فالفقير هو ستر الثوب الممزق.

الفقراء كما أنهم هم أكثر الناسِ ألماً وحزناً فهم أيضاً أكثرهم فرحاً بمجيء العيد رغم قساوة اللحظات التي تمرُ عليهم.... ففرحة الفقير في العيد فرحة مغلّفة بمرارة الحاجة وحسرة الفقد.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات