إعدام الفيل


قيل أن فيلاً دخل إلى قرية هندية هارباً من الأدغال في يوم حار، فاجتمع الناس حوله وحاولت مجموعة من الساسة السيطرة عليه، ولفزعته منهم ومن الناس، حطم أعظم طفل تحت قدميه وهو يستفز الناس ويستفزونه، فاحتدم الجدل في القرية حتى تحول سريعًا إلى عراك حول الواجب فعله إزاء هذه الحادثة .

فريق من الناس انبرى دفاعًا عن ساسة الفيلة وحقوقهم كثروة وطنية ودعوا للتجاوز عن فعلة الفيل لأجل مكانة الساسة وأهميتهم، وفريق ذهب يوبخ أبوي الطفل على إهمالهم، وفريق ثالث طالب بالقصاص من الفريقين الآخرين، لقلة إنسانيتهم وفساد أخلاقهم، إذ فضلوا مصالحهم الشخصية على العدل والقصاص للطفل آخرون تساءلوا وغيرهم حرموا عليهم السؤال.

تدخلت الشرطة البرطانية عندما كاد أن يتحول العراك لفوضى عارمة، وقف الشرطي مستمعًا للجميع وهو ينظر إلى الفيل، يصغي للصياح يحاصره من كل حد وصوب، ووجوه الناس مشدودة وعيونهم تنذر بالشر.

وفجأة أخرج الشرطي مسدسه وأطلق النار على الفيل، وأعلن أن هذا هو العقاب العادل. فالفيل قد قام بجناية القتل ووجب قتله، أطبق الصمت فوق الجميع، وبعد دقائق انفض القوم وعادت الحياة إلى سيرتها الأولى.


ما يجري في الأردن من أحداث في الأسابيع الأخيرة، من كلمات لحضرات النواب، النارية منها والركيكة، التي أجمع الأردنيون على حصافتها أو التي أجمعوا على تفاهتها، وحتى التي قسمت الرأي العام حولها وتصويت الثقة الذي حاول فيه مجلس النواب حفظ بعض ماء الوجه – ولا ندري إذا نجح في ذلك- بعد أدائه الهزلي في عهد الحكومة السابقة، وحتى قضية الفساد الأخيرة وظهره الفساد الذي قسمنا ونريد أن نقسمه، ومواقف رئيس الوزراء منها ومع النسوة أمام موكبه أو ما فعله مع القافز من شرفة مجلس النواب. كل ذلك هو علامات حركة في الحياة السياسية الأردنية نفضلها بكل تأكيد على الصمت والسكون وعدم المبالاة في عهد الحكومات السابقة.

ولا محيد لنا أيضا من النظر إلى كل ما سبق على أنه علامة صراعات وتصفية حسابات في أروقة الدولة وأقطاب النفوذ فيها، نتمنى أن يحسن الشارع قرأتها والاستفادة منها.

فمجلس النواب يتخبط محاولاً أن يعيد لنفسه رصيدًا لم يمتلكه يومًا في الشارع، والحكومة تحاول أن تظهر تميزها عن سابقاتها والسيطرة على الحرائق التي لا تلبث أن تشتعل هنا وهناك، والشارع ذو الذاكرة الضعيفة الاختيارية، ينقسم على نفسه حول كل قضية أو موقف، تلك التي يتكفل الإعلام بحملها سريعا إلى واجهة الأخبار العاجلة والسبق الصحفي أمام الناس، ليأتي بغيرها بعد يوم أو يومين فسيل الأخبار العاجلة التي ينسي واحدها الآخر هذا يحرمنا من متابعة القضايا، ومدارستها جيدًا والتأكد من حسن معالجتها هو ميزة إعلامنا الإلكتروني على الأقل إذا نسينا وله مؤسسات إعلامية أخرى بالميرمية والأعشاب الطبيعية.

ونهاية يبقى السؤال كيف ستنتهي كل هذه المشاهد، هل سيأتي شرطي ليطلق النار على الفيل ليحمله إثمّ كل التهم والتجاوزات ومنظومات الفساد وتنتهي القصة؟ أم أننا وإن شاء القدر نتيجة تركة ثقيلة ابتلينا بها أن يموت هذا الطفل لخلل من صنف الفساد والظلم في المنظومة، سنضمن بعد اليوم أن لا يموت غيره تحت أقدام الفيلة في بلادنا لأننا سنحاسب الجاني الحقيقي وليس الفيل فقط.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات