خواطر عن مصر ام الدنيا وام السيما


كان الرهان عليك يا مصر، ان تبقي كما انت أم الدنيا ام ان يزيلوا كيانك لتقعي بأيديهم، حزب صغير بفهومه الديني كبير بطموحاته السياسية التي لم يحققها يوم و لن يحققها إطلاقا، فلطالما سعوا الى مناصب عُلْيَا بالدولة و لكنهم لم ينالوها...لأن مصر أكبر منهم و من خبرتهم السياسية التي لن تنضج بسبب شراسة كرههم للإنسانية، سعوا بصورة حثيثة عن طريق شتى الطرق للإيقاع بها، لتحجيم ثقافتها، للنيل من ثقافة الشارع العام، لتحجيم الخطاب الديني بها ليناسب أهدافهم السياسية...لقولبت فكر القاصي و الداني فيها بحسب معتقداتهم المتعصبة، فقتلوا من عارضهم لأن تاريخهم السياسي حافل بالإغتيالات الهمجية، ذبحوا من عارضهم كقرصان ظالم ضعيف الرؤيا ظناً منه انه يستطيع حكم سفينه استولى عليها بالقوة عن طريق البطش و الجبروت، و حينما تشوشت الرؤى و طلب منهم الناس ظنا منهم بأنهم الحل لمعاناتهم المادية توهموا بأنهم نالوا الكنز، الذهب الذي سيجعلهم الأقوة بالمنطقة، فصعدوا الى سدة الحكم و لكن...ابتدأوا بإعطاء الأوامر التي جعلت حقائقهم البربرية تنكشف امام الرأي العام.

مصر بلاد كبيرة جدا بحضارتها و وزنها الإستراتيجي و ثقافتها و تاريخها...فأكبر سفير لحضارتها الفرعونية حول العالم و الذي جلب لها دخل قومي هائل جدا عبر عقودها السالفة كانت اثارها التي مازالت بحالة جيدة تحاكي امجاد تاريخية كانت هي كدولة الحاكم بها للعالم المعروف عبر التاريخ؟! اربعة آلآف عام من الاثار و التاريخ العتيق تجتمع باراضي ام الدنيا استعملها العلماء لدراسة تاريخ اجدادنا بالأنثروبولوجيا و علوم الاثار المختلفة و التاريخ و كانت خير دالٍ ساعد العلماء بمعرفة الكثير عن عصور عتيقة عن كيف نشأت الإنسانية و كيف اجتمعت اولى الحضارات على ضفاف النيل و كيف ابتدأ الإنسان بإيستطان ضفاف النيل ليزرع و يأكل من ثمار الأرض، عن ما هي قصته و كيف ان اولى هذه الإستيطانات منذ بزوغ فجر الإنسانية نظمت حياتها، اي قبل حوالي خمسة آلآف عام كانت نشأت الحضارة الفرعونية في اراضيها، فمصر عبر التاريخ جمعت أكبر علماء علوم الأرض لدراسة هذا التاريخ العريق الذي تملأ اثاره العديد من مناطقها، بمعابد الأجداد و القدماء و لغتهم الهيروغليفية الجميلة، و بعد كل هذا قالوها بكل غباء بأنهم يريدون هدم هذه الاثار النفيسة و الخالدة، لتحدث فضيحة في أم الحضارات العريقة، ارادوا هدم التاريخ لأنهم عٌميٌ لا يعرفون كيف ينتجون دخل قومي لبلادهم، لأنهم سُذَجْ عديمي الخبرة و لا يوجد عندهم مفاهيم عصرية لإنتاج حلول منطقية لدخل قومي لمصر...فلو بحثنا بكافة بلاد العالم في المائة و ثمانين دولة التي تشكل الجميعة العامة للأمم المتحدة لن نجد من ينادي بهدم اثار بلاده سوى الغباء الإخواني، فما من شخص يرفض ماضيه و يستطيع المضي قدما نحو امتلاك الحاضر و بناء المستقبل، فهل تبني البنايات من دون اساسات؟!

مصر ام الدنيا احرجتهم كثيرا...فكانت بالنسبة اليهم كمن يحاولوا ارتداء قميص أكبر منه، فظهر صغيرا جدا مقارنة بملابسه، فابتدأت الدولة بالإنهيار في عهدهم...فلم يقدموا رؤيا و بصيرة عصرية اقنعت الناس بأنهم كفاءة تستطيع ادارة الشأن المصري، فكادوا يهدمون اثار مصر بسبب ادعاءاتهم الدينية و التي كانت أكبر مُوَلِدْ للدخل القومي، و كادوا ايضا ان يكونوا سبب انهيار السينما في مصر؟!

صُدِمْتُ من الهجوم على فناني مصر، فمصر عبر مائة و خمسة اعوام من الحركة السينمائية اصبحت عرابتها بالمنطقة العربية، فنشأت السينما بين ربوعها و ترعرت و تطورت في كنفها و تعملقت و هي تتأثر من عطاء فنانين و كتاب كبار اعطوها لأنها اصبحت مهنة رسمية و سفيرا لها بالمنطقة، فأصبحت السينما جزاءا من الثقافة المصرية لدرجة انني لا استطيع تخيل مصر من دون سينما إطلاقا...مصر هي من استلمتها كصناعة و هي تخطوا خطواتها الأولى بالمنطقة و كانت اول من شهد تجربتها الناجحة الأولى منذ عتقية التاريخ، مصر هي السينما في المنطقة العربية و السينما هي مصر و حتى على مستوى عالمي تَعَرًفَ العالم على مصر بفضلها و بفضل الأفلام التي حملت افراح و احزان المجتمع المصري و مشاكله و تاريخه العريق و ثقافته اليها...فسافر الفيلم المصري الى أكثر من مهرحان عالمي ليكون الفيلم المصري من قَدًمَ مصر للعالم و للمهرجانات السينمائية في العالم شأنه شأن الاثار العريقة، و عبر العقود السالفة باتت هذه الصناعة عامودا اقتصاديا هاما يساهم بصورة رئيسية في الدخل القومي للبلاد، فكيف يتم هدم الأعمدة التي تسند الإقتصاد المصري؟ فهل حلت هذا الحزب الإخوانية في مصر لتهدم جمهورية عريقة شهدت اولى خطوات الإنسان على ضفاف نيلها و اصبحت عبر تاريخها العريق مهد للثقافة السينمائية و راعية كبرى لها.

المشكلة الثالثة كانت أكبر مما تخيل البعض، فالمليونات لم ترحم مصر، و لم تعطيها الفسحة لترتاح في عهد الإخوان، فكأنهم دخلوا بصراع مع الدولة لإغتصابها بالقوة...فلم يستطيعوا الدخول بصلح سياسي مع المعارضة إطلاقا...فلم يكسبوا ثقة كافة مؤسسات الشعب المصري و لم يتملكوا الشارع العام كله...فدخلت مصر في صراع مليوني في ميدان التحرير اربك الإقتصاد الوطني كثيرا؟! سنة كاملة و كأنً مصر في حرب اهلية ضروس لم يستطيعوا فيها الإخوان اعتلاء سدة الحكم بسلاسة ليستقر الإقتصاد الصمري في عهدهم من قلة بصيرتهم السياسية، لذلك كثرة المشاكل في البلاد أثقلت كاهلهم و فضحت غياب حلول عصرية لديهم للقيام بالدولة المصرية بكافة قطاعاتها الإقتصادية و السياسية، فمن الواضح مقارنة بعهد سذاجتهم ان الدولة المصرية الحديثة في عهد السيسي تنجز الكثير لذلك فضيحتهم كانت كبيرة، فمقدرة الدولة المصرية المعاصرة محاكات مشاكل المواطن المصري النهوض بما يحتاج احرجهم، فحتى بعد ثورة ثلاثين من يونيو لم يقدموا لمصر سوا الإنتقام من مؤسساتها و القتل لأولادها و حرق ممتلكاتهم كالقراصنة الذين خسروا حربهم مع العدو، ألم يستطيع الإخوان الإنسحاب بهدوء من المعترك السياسي من دون ثورات القتل و الإنتقام و هدم مصر في ثورة 30 يونيو؟! هل هذه الأخلاق التي اوصى بها رسول الأمة العربية محمد عليه الصلاة و السلام، قتل المسيحين و المسلمين كالوثن الذين إذ ثاروا قتلوا اهل بيتهم و لحمهم و دمهم من دون رادع اخلاقي و ديني؟! هل اوصى الرسول عليه الصلاة و السلام بالقتل و الذبح بهذا الشكل و الإنتقام من البشرية و الإنسانية؟ّ!

مصر ام الدنيا، و لن يحكمها سوى الإنسانية...لأنها مهد حضارات الإنسانية، لن يحكمها سوى رئيس حاني على اولادها، بإسلامها و مسيحيتها، فالأم لا تفرق بين اولادها مهما يكن لأنهم قطعة من جسدها، و نحن قطعة منها، فمصر غالية علينا و ستبقى كذلك لأن الأم كيان غالي لا يعوض إذا ذهب و انتهى، و مصر الآن اقوى بإنسانيتها و حنانها على اولادها، فالإنسانية تجمع أكثر من التعصب المذهبي الذي يفتت المجتمع الى مكونات صغيرة تضعفه و تجعله مفكك العناصر، فالإنسانية نافعة أكثر من مذاهب ضيقة الثقافة و الفكر و الرؤى لا تناسب سياسة الدولة المعاصرة و لا توحد الإنسانية إطلاقا.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات