حرب الجنوب السوري .. حسم الصراع والتمهيد لـ «صفقة القرن»


بقلم : ايهاب سلامة -

تخيم غيوم حرب طاحنة في أفق الجنوب السوري في هذه الاثناء، حشد لها الجيش النظامي قوات مدججة بالعديد والعتاد، واستقدم تعزيزات عسكرية ضخمة، فيما شكّلت فصائل المعارضة هناك، غرفة عمليات مركزية موحدة، وأعلنت استنفارها، بانتظار ساعة الصفر التي تؤكد كل المؤشرات دنّوها لا محالة.

وصول التوتر بين الفصائل السورية المعارضة في الجنوب السوري من جهة، والقوات السورية النظامية المدعومة من موسكو وطهران وحزب الله، الى مرحلة غير مسبوقة خلال الايام الماضية، ينذر بلحظة اصطدام كبرى وشيكة، قد يحسم على اثرها النزاع السياسي عسكرياً، في أهم مناطق الصراع الدائرة هناك، والتي سيحدد مصيرها لاحقاً، مصير المشهد السوري برمته.

السيطرة على محافظات الجنوب السوري، درعا والقنيطرة والسويداء، التي تعد واحدة من أربع مناطق سورية أعلن فيها وقف إطلاق النار ضمن اتفاق «خفض التصعيد» الذي أبرم في تموز الماضي برعاية أردنية أمريكية، يشكل أهمية بالغة الخطورة، نظراً لموقعها الجغرافي الإستراتيجي، القريب من العاصمة دمشق، والمتاخم للحدود الأردنية وفلسطين المحتلة، في وقت يلفظ فيه اتفاق «خفض تصعيد ادلب» شمال غرب سوريا، أنفاسه هو الآخر، بعد سيطرة قوات النظام على منطقتين ثانيتين كانتا خاضعتين لاتفاقات خفض التصعيد، وهما الغوطة الشرقية وريف حمص، ما يعني أن حسم القوات النظامية الصراع في الجنوب، سيليه لاحقاً حسم في الشمال، وبالتالي بسط قوات الأسد المدعومة من موسكو وطهران نفوذها وسيطرتها على الأراضي السورية بشكل كامل.

المؤشرات والدلائل جميعها تؤكد أن توافقات وتفاهمات أمريكية «اسرائيلية» - وروسية ايرانية سورية، تجري على قدم وساق، لإخضاع الجنوب السوري لقوات النظام، خاصة وأن الولايات المتحدة أعلنت موقفاً واضحاً بتخليها عن الفصائل المعارضة المقربة منها في الجنوب، برسالة مباشرة أبلغتها أن لا تتوقع أي دعم عسكري أمريكي في الحرب التي تقف وراء الأبواب، وتركت حلفاء الأمس يلاقون مصيرهم وحدهم.

عراب «صفقة القرن» جاريد كوشنير، والمبعوث الخاص للبيت الأبيض جيسون غرينبلات، كانا قد جالا في دول المنطقة تزامناً مع لحظة اشعال فتيل الحرب في الجنوب السوري، مثلما زار رئيس وزراء الكيان الاسرائيلي العاصمة عمان، وبات واضحاً للغاية، أن ما يجري في الجنوب السوري، جزء لا يتجزأ من صفقة ترامب، تقضي بتهيئة المنطقة للمخطط الجديد، بتبريد الجبهة السورية، والتحضير لكرنفال اعلان «دولة غزة»، واستثماراتها الموعودة، على انقاض فلسطين وقضيتها.

أمريكا والكيان الاسرائيلي، سلّمتا أمرهما ببقاء نظام الأسد، بعد استنفاذ كافة أوراقهما من جهة، وفشل المعارضة السورية المتشظية في إسقاطه، أو إنتاج قيادة بديلة قادرة على ملء فراغه السياسي لاحقاً، الذي تخشى تل ابيب وواشنطن من تعبئته بنظام معادٍ وأكثر تشدداً، اسلامي راديكالي مثلاً، يهدد الكيان والمصالح الامريكية لاحقاً، ويفتح صندوق التوقعات والعجائب على مصراعيه.

سيطرة القوات النظامية السورية على الجنوب أولاً، وأدلب شمالاً ثانياً، يعني استكمال حسم دائرة الصراع السوري الدامي الدائر منذ سنوات سبع عجاف، لصالح الأسد وحلفائه، لكنه يعني أيضاً، سقوط مبرر وجود روسيا وايران وحزب الله على الاراضي السورية !

الموقف الأردني مما يجري في الجنوب السوري، مدروس بعناية حتى اللحظة، والتصريحات الرسمية الأخيرة، أوصلت رسالتها بأن المملكة لن تظل وحدها متحملة تبعات تصفية حسابات كونية على الاراضي السورية، وتركها في مهب تداعيات الصراع الذي دفع الاردن فاتورته وحده.

المخاوف الأردنية من تفجر الأوضاع في الجنوب السوري، مفتوحة على كل التوقعات، من موجات لجوء ضخمة، لمحاولة جرّ قواتنا في الشمال لرحى المعركة، لمحاولات تسلل، لفرار مقاتلين الى التخوم الأردنية كملجىء ومهرب ، اضافة للتبعات الاقتصادية الاضافية التي ستضاف على الفاتورة الأردنية، كلها، مخاوف حقيقية يتوجب أخذها بعين الدقة التي لا تقبل اللبس والتأويل، والتعامل معها وفق معطيات المتغيرات على الارض بالتو واللحظة، دون أي استهانة أو استكانة.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات