احتلال وطني للجسد!


قامت الثورات التي أنتجت المدنية الغربية، والنهوض الحضاري الذي ضرب الغرب خلال القرنين الماضيين، قامت على ثلاثة أقانيم: سياسية، واقتصادية، وجنسية، بغض النظر عن صوابية النتائج التي أفضت إليها تلك الثورات، في البعد القيمي الذي يحكمنا كأمة إسلامية، لها محددات أخلاقية في حياتها، مسيجة بمنظومة كاملة من النصوص والمفاهيم، المستندة إلى قيم الإسلام، ولكن المقاربة هنا تنشغل بمغزى «التحرر» الذي تنتجه الثورة، وهو تحرر سياسي من جبروت الأنظمة، وتحرر اقتصادي يتيح حياة كريمة للناس ضمن منظومة كاملة من حق العمل وتكافؤ الفرص وسيادة العدالة الاجتماعية، وتحرر جنسي، أساسه «تحرير الجسد» من قيود استعباده وارتهانه للآخر، باعتباره ملكا لصاحبه.
نحن هنا نؤكد أننا لا ندعو لـ «الاقتداء» بالثورة الجنسية في الغرب، فلهم دينهم ولنا ديننا، ولكننا ننظر في حال أبنائنا وبناتنا، فنشعر أن أجسادهم «محتلة» مرتهنة لجملة من الأسوار والاحتلالات التي تحول دون كَرّهم في هذه الحياة، (استلهاما لمقولة سيد عبس شداد وهو أبو عنترة له: «كُر وأنت حر») وهم على ذلك النحو من الاختناق والعيش كبقية خلق الله، في عش آمن، بدون أسلاك شائكة، وضعتها قيود المجتمع، وعقليات متحجرة، تتسبب بحرمان الشاب والفتاة، من أن يلتقيا، بيسر وسهولة، ويكوّنا ملاذهما الأسري الآمن!
كيف تصدق أن فتى أو فتاة، على مشارف العقد الرابع من عمرهما، وهما يتوقان إلى مجرد حضن ينعمان فيه بالدفء والسكينة، فقط لأن شروط الزواج القاهرة غير متيسرة؟.
نفهم –مثلا- أن يمنع الاحتلال الصهيوني، بجبروته ووحشيته، وذهنية الإجرام التي تسيطر عليه، زواج شاب من غزة مثلا بعروس من الضفة الغربية، ولكن كيف نفهم أن نقيم في مجتمعنا احتلالات من نوع آخر، تبني سدودا عالية، بين آدم وحواء، فيمنعانهما من أن يعيشا حياتهما الطبيعية، وينجبان قرودا صغيرة تنغص عليهما حياتهما، كما هي العادة، بل إن الطبيعة السوية، حتى في الأدغال، لم تفعل ما يفعله الآباء والأمهات، وقوانين المجتمع الظالمة، بأبنائهم وبناتهم، هل سمعتم عن سنونو مُنع عن الاقتران بسنونته؟ أو حتى حصان عن الاقتران بمهرته؟
تحرير جسد الشاب والفتاة في دنيا العروبة والإسلام، مقدم اليوم، على أي تحرير آخر، أو قل هو لا يقل في أهميته عن تحرير الإرادة والاقتصاد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والتخلص من الاستبداد، فالجسد «المحتل» لا يمكنه تحرير وطنه من أي احتلال آخر، حتى ولو كان احتلالا «وطنيا»!
إن أخطر أنواع الاستبداد، وأشرسها، هو الاستبداد الذي يحرمك من حاجاتك الأساسية، وبالتالي يتركك في حالة مريعة من الشقاء، تمنعك من أي إبداع، ونستحضر هنا تدرج هرم عالم النفس الشهير ماسلو، المعروف باسم هرم ماسلو. تتدرج الحاجات حسب أهميتها في شكل هرمي، ويتكون هذا الهرم من: الاحتياجات الفسيولوجية، احتياجات الأمان، الاحتياجات الاجتماعية، الحاجة للتقدير، الحاجة لتحقيق الذات، وسأتوقف فقط عند الحاجات الأهم وهي الأولى، التي تشتمل على الاحتياجات اللازمة للحفاظ على الفرد وهي: الحاجة إلى التنفس، الـطعام، الماء، ضبط التوازن، الجنس، الإخراج، والحاجة إلى النوم، ولنا أن نتخيل ما هي حالة أجيالنا من الشباب ذكورا وانوثا، حينما يُحرمون من كل أو جل هذه الحاجات، وماذا يبقى من آدميتهم!



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات