الأردن : هل اصبحت ظواهر السطو دراما تلفزيونية ؟


أحمد عبد الباسط الرجوب - أصبحت ظاهرة السطو على البنوك التجارية في بلادنا واحدة من الظواهر الأمنية التي باتت تقض مضجع المواطنين والدوائر الأمنية، بعد تزايد وتيرتها في هذا العام، بعضها كان شبيها بما يجري في الأفلام التي تخرجها هوليود، من حيث طريقة التحضير لها ودقة الترصد ودراسة الموقع وخطة السطو والتسلح الذاتي (وان كانت وهمية بلاستيكية أحيانا) واستخدام الأقنعة والقدرة ومحاولة التخلص من قبضة الأمن. ومن وجهة نظري الشخصية أن سبب انتشار هذا النوع من الجريمة في بلادنا يعود بالأساس إلى انتشار البنوك في مواقع غير محمية بالشكل الكافي ولا تتوفر على التغطية الأمنية، وانتشار الفقر والبطالة في صفوف الفئات المختلفة بالمجتمع، وسهولة الدخول إلى البنوك بسبب غياب المراقبة والحماية...

تخرج علينا الانباء يوما بعد يوم على حادثة سطو على أحد البنوك العامة في البلاد، وهو ما يكشف تنامي الظاهرة بعد ثمانية عمليات سطو مسلح وسلب تحت تهديد السلاح في جرائم مُثيرة في أقل من شهر، حيث لم تتوقف عمليات السطو على البنوك التجارية فقد تعرضت خمسة محال تجارية وصيدليات ومحطات وقود لعمليات سطو مسلح  وهي  حالات مقلقة واصبحت تشكل رايا عاما،وان تكرارها يشكل ضررا معنويا للدولة... وفي غالب الأحيان يضع صاحب عملية السطو على البنك او المحل التجاري رهانا ساذجا(متوهما) واحدا في ذهنه، وهو اقتطاع جزء من عمره بقضائه رهن الاعتقال في مركز الاصلاح مقابل التمكن من توفير مبلغ مالي يؤهله بعد مرحلة الاعتقال للعيش بشكل شبه مريح.

وفي ذات سياق ما قدمت اليه فإنني اعتقد أن أحد الأسباب الرئيسية لشيوع هذه الظاهرة في مختلف المدن الاردنية يعود بالأساس إلى انتشار البنوك في مختلف الأحياء، حتى الهامشية والفقيرة منها، وتكاثر عددها فقد تزايدت هذه البنوك باطراد مع تزايد الإقبال على خدماتها من قبل العملاء وانتشار ثقافة القروض لدى مختلف الأوساط، مما جعل المؤسسات البنكية تعيد النظر في خطة الانتشار عملا بمبدأ القرب. إذ لا يخفى أن هناك علاقة تبادلية ما بين تنامي النزعة الاستهلاكية لدى المواطنين، في أي مجتمع، وبين تزايد عدد المؤسسات وخاصة البنوك وتنوع خدماتها. وتتدخل هذه النزعة الاستهلاكية، التي غزت جميع الأوساط الاجتماعية في بلادنا، في تفسير ظاهرة ارتفاع وتيرة السطو على البنوك اوحتى المحال التجارية في ربوع المملكة، هذا إضافة إلى تزايد الفجوة الاجتماعية بين الفئات الميسورة والفئات المحرومة، مما يكرس مقولة أن نجاح عملية سطو واحدة، متقنة بمهارة، يمكنها أن تنقل صاحبها من فئة إلى أخرى.

غير أنه لا يجب النظر إلى مشكلة السطو لسرقة البنوك بمعزل عن أخطبوط الفساد الذي انتشر في مختلف المؤسسات العامة والخاصة ، فما تنشره الصحف ويتناوله الناس وما يطرحة النواب تحت القبة باستمرار عن اختلاسات هنا وهناك واستغلال السلطة قام بها مسؤولون في هذه الوزارة او المؤسسة العامة أو الخاصة، وعدم تعرضه لطائلة العقاب والمساءلة يشجع الآخرين على السير في نفس الاتجاه، فالتعينات بفضل الإدارات الفاسدة تحولت لذوي القربى ولأقارب أصحاب المناصب العليا من نواب ووزراء ومحافظين وفي نظري بأن هذه الممارسات هي عمليات سطو في وضح النهار وان اختلفأسلوب التنفيذ ، وقد تم تجريم من يقدم على هذه الأفعال بما نص عليه قانون مكافحة الفساد رقم (62) لسنة (2006)  " المادة رقم (5/ح) يعتبر فسادا لغايات هذا القانون ما يلي: قبول الواسطة والمحسوبية التي تلغي حقا او تحق باطلا "، فسارق البنك يستعمل مسدسا او سلاحا ابيضا لتنفيذ جريمته وسارق الوظيفة الحكومية استعمل الية السلطة أو الواسطة او المال ( الرشوة ) للسطو على هذه الوظيفة وحرمان من هو احق منها بها وفي كلتا الحالتين السطو على البنوك او السطو على التعينات كلها تحت طائلة العقاب التي حددها القانون الناظم لمثل هذه الحالات...

فالواسطة هي احدى صور الفساد الراسخة في ثقافة الكثير من المجتمعات وتعد من الممارسات اليومية التي اعتاد افراد المجتمع عليها ووصل حد التعامل بها الى حد أنها أصبحت ضرورة اجتماعية لا غنى عنها لتسيير الأمور وقضاء الحاجات رغم انها من الممارسات التي تمس القيم الاجتماعية والأخلاقية، كما وتعد خروجا على قواعد السلوك القويم ومن يمارسها جدير بالجزاء، وفي التشريع الأردني صدر قانون مكافحة الفساد رقم 62 لسنة 2006 والذي أشرنا اليه بالمادة (5/ح) باعلاه ونرجو هنا ان لا يفلت من قام او تدخل في تغليب الواسطة على المصلحة العليا للوطن والاتيان بالشخص المناسب في المكان غير المناسب...

وعودا لموضوع السطو على البنوك ومن خلال ما نطلع عليه عالميا في قضايا السطو على البنوك عالميا فقد تبين أن عدد هذه الجرائم قد تراجع بحدة في السنوات الأخيرة، فأي شخص يحاول أن يسرق مصرفا يواجه الآن، وخلال زمن لا يذكر، دوائر تلفزيونية مغلقة أكثر تقدما، ومنها ما هو مصمم خصيصا ليتسبب بنوع من الدوار ويحدث ضبابية في الرؤية للمجرمين ومن ثم يؤدي إلى تفريقهم ... وهنا ندعو الى تطبيقإجراءات هذه المراقبة في بلادنا لأنه من غير المعقول ان نزرع رجل امن امام كل بنك او مؤسسة مصرفية ولتكن المبادرة من هذه المؤسسات المالية حماية لأصولها وممتلكاتها  (ASSETS) وموظفيها وعملائها...

وفي بلادنا تحديدا هنا لا بد من توجيه الشكر لجهاز الامن العام ووالمهنية العالية الاحترافية فيسرعة الملاحقة والقبض على هؤلاء المجرمين الساقطين للحفاظ على امن الوطن والمواطن وسلامة الممتلكات العامة الخاصة حيث يقوم الجهاز بنشر العديد من افراده ومرتباته في اطار التعاون مع البنوك ووضع الخطة الامنية اللازمة لحمايتها والذين لهم الدور الرئيس بالكشف المبكر عن المجرمين الذين يقدمون على هذه الأفعال وبزمن قياسي وسقوط جميع الجناة فيقبضة الأمن مما يبعث الطمأنينة في نفوس المواطنين وعملاء هذه البنوك ومما لا شك فيه بأن تعرض بنك ما للسرقة يمثل تجربة قاسية بالنسبة للموظفين والعملاء وقد يترك آثارا في حياتهم لعقود... منوها بأن جمعية البنوك الأردنية مطلوب منها التعاون مع الأجهزة الأمنية والتقيد التام بالخطة الامنية التي تم وضعها من قبل جهاز الامن العام وبإشراف مباشر من قبل وزارة الداخلية مع المعنيين والمسؤولين عن هذا القطاع الهام.

وختاما وفي رأيي  الشخصي  أنه للقضاء على هذه الظواهر السيئة (السطو على البنوك  والسطو علىالمال العام والوظيفة العامة) يجب تشديد العقوبات الزاجرة على مقترفيها، وإصدار قوانين وعقوبات صارمة، تكفي لردعهم وتحد من تنامي هذه الجرائم والتي تصنف في غرابتها في عالم الدراما التلفزيونيةوالتي تدخل في خانة الجريمة المنظمة في المجتمع.

السلام عليكم،،،

باحث ومخطط استراتيجي

arajoub21@yahoo.com



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات