مدينة اللد عروس فلسطين


تقع مدينة اللد إلى الجنوب الشرقي من مدينة يافا، وتبعد عنها حوالي 15 كم، وإلى الشمال الشرقي من مدينة الرملة، وتبعد عنها 5كم. وترتفع اللد 50م عن سطح البحر. وتحتل موقعاً هاماً فهي عقدة مواصلات حيث تلتقي خطوط السكك الحديدية وفيها نقطة التقاء يافا وحيفا والقدس ومصر وعن طريقها يمكن للمسافر الانتقال من مصر إلى فلسطين ثم إلى لبنان فتركيا.

يذكرنا اسم اللد بأمة كانت في العصور القديمة تشغل جزءاً كبيراً من سواحل آسيا الصغرى الغربية و الواقعة على بحر إيجة وكانوا على جانب كبير من الحضارة وهم "الليديون" أو اللوديون" فهل كان لهذه الأمة علاقة بالفلسطينيين الذي هاجروا من بحر إيجة ونزلوا فلسطين في القرن الثاني عشر قبل الميلاد فخلدوا الليديين بتسمية بلدة اللد التي أقاموها في موطنهم الجديد.

واللد مدينة كنعانية وذكرت في الكتاب المقدس عدة مرات وعرفت بـ"لد" بضم اللام وغير اليونانيون اسمها إلى ليدا (Lydda) وذكرها ياقوت الحموي في معجمه أن لُد بالضم والتشديد وهو جمع الد والالد تعنى الخصومة وهي قرية قرب بيت المقدس من نواحي فلسطين كما ذكرها الدباغ باسم اللد نسبة إلى الليدين و كانت في العصور القديمة تشتمل جزءاً كبيراً من سواحل أسيا الصغرى الغربية والواقعة على بحر أيجة فخلدوا الليديين بتسمية بلدة اللد.

تشير نتائج أعمال الحفر والتنقيب في المنطقة إلى أن أقدم إشارة لنشاط الإنسان في منطقة اللد إنما تعود إلى العصر الحجري قبل 01200 عاماً حيث عثر على آثار مرحلة انتقال الإنسان من عصر الكهوف والصيد إلى عصر الاستقرار والزارعة وذلك في مغارة شفة التي تقع في وادي النطوف على بعض عشرة كيلو مترات عن طريق اللد ولذلك أطلق على هذا الحضارة اسم الحضارة النطوفية.

وقد قامت في المكان الذي فيه مدينة اللد قرية زراعية قبل 9000 عام حيث عثر فيها وفي المناطق المجاورة على أوان فخارية من نفس النوع الذي عثر عليه في منطقة أريحا.

وقد ظهرت اللد لأول مرة في العهد الكنعاني سنة 1465 قبل الميلاد حيث ذكرت ضمن قائمة تحتمس الثالث في بلاد كنعان وأصبحت مركزاً للدارسين والتجار في القرن الخامس عشر قبل الميلاد.

وقد تعرضت المدينة إلى الدمار والخراب في العصر الحديدي والبرونزي ثم فصلت اللد عن السامرة عندما أعطاها ديمترويوس الثاني لجوناثان عام 145 قبل الميلاد. وأعطى يوليوس قيصر مكانه لليهود في اللد أيام المكابيين وفي عام 43 قبل الميلاد بيع سكانها اليهود عبيداً على أيدي كاسيوس حاكم سوريا. أما كوادراتوس حاكم سوريا أيام كلاوديوس فقد أعدم عدداً من اليهود هناك وفي العهد الروماني اعتبرت اللد قرية مع أن تعدادها السكاني شبيه بتعداد سكان المدن، وفي العهد الروماني أيضاً تعرضت اللد للإحراق على يد الحاكم الروماني ستيوس غاليوس وهو في طريقه إلى القدس عام 66 م. وفي عام 68 احتلت المدينة على يد منياسبان وسماها "ديوسبوليس" بمعنى مدينة "زيوس" التي تعني اله اليونان العظيم غير أن اسمها القديم عاد إليها.

وفي العهد البيزنطي أصبحت اللد الأولى إدارياً في فلسطين وأصبحت ذات مكانة مرموقة خصوصاً في القرون الأولى من العهد المسيحي وأصبح العنصر السامي الأكثر سلطة على الرغم من أن المدينة كانت جزءاً من فلسطين المعتبرة مسيحية ولها أسقف، وقد غير اسم الكنيسة إلى جاور جيوس (جورجيوس) أواخر العهد البيزنطي.

وحتى الفتح الإسلامي لفلسطين على يد القائد عمرو بن العاص في عهد الخليفة عمر بن الخطاب كانت اللد عاصمة لفلسطين القديمة. وبعد الفتح الإسلامي اتخذها عمرو بن العاص عاصمة لجند فلسطين سنة 636م واستمرت كذلك حتى تم إنشاء مدينة الرملة سنة 715م حيث احتلت مركز الرئاسة في فلسطين .

وعند قدوم الصليبيين أحرق أهل المدينة الكنيسة وأخلوها على أهل الرملة متجهين إلى الجنوب الغربي إلى عسقلان. وقد قام الصليبيون بإعادة بناء الكنيسة متخذين القديس جاورجيوس "الخضر" حاميا لهم وبنى ريكارديوس كنيسة على قبره.

وقد عادت اللد إلى أصحابها بعد انتصار صلاح الدين الأيوبي على الصليبيين في معركة حطين عام 1187م- 583هـ. إلا أن صلاح الدين رأى هدمها وتدمير حصونها حتى لا يستفيد منها ريكارديوس ودارت. مفاوضات الأيوبيين والصليبيين حول المدينة إلا أن هذه المفاوضات لم تنجح ثم عاد الفرنجة إلى الاستيلاء على المدينة وظلت المدينة بين المد والجزر حتى دمرها المغول عام 1271- 669هـ.

وبدأت تنهض من جديد بعد هزيمتهم في عين جالوت وقد أقيم مسجداً في موقع الكنيسة في العصور اللاحقة. وأصبحت اللد مركزاً للمماليك في فلسطين وجعلوها مركزاً للبريد بين غزة ودمشق كما كانت محطة من محطات الحمام الزاجل واستخدمت حجارة كنيستها في بناء جسر جنداس.

وفي عام 922 هـ استولى العثمانيون على اللد كما استولوا على غيرها من بلاد الشام.

في تلك الفترة وبين الفترتين كانت اللد مسرحاً للعديد من المعارك الحربية التي دارت بعد مقتل الخليفة عثمان بن عفان ثم أصبحت العاصمة المؤقتة لسليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي الذي كان والياً على فلسطين. في عام 1099م احتلت القوات الصليبية مدينة اللد وفي عام 1267م ضمها السلطان بيبرس المملوكي المدينة إلى نفوذه بعد انتصاره على الصليبيين.

كانت اللد في العهد العثماني، عام 1516م قرية تابعة لقضاء الرملة واكتسبت أهميتها السياحية من وجود قبر القديس جيورجيوس (الخضر) وأنقاض الكنيسة التي بنيت فوقه والتي أعيد بناؤها عام 1870م.
وقد أهملت المدينة في عهد العثمانيين إلا أنها بدأت تنهض مرة أخرى في فترة الانتداب البريطاني وذلك بعد مرور خط سكة حديد القنطرة حيفا منها وإنشاء مطار اللد فيها عام 1936.

في عام 1900 انتشر في اللد وباء الكوليرا وأودى بحياة الكثير من سكانها وفي عام 1914 اندلعت الحرب العالمية الأولى وجند شبان المدينة للاشتراك في الحرب التي أنهت الحكم العثماني على البلاد. في عام 1917 انسحب الجيش العثماني من اللد عند اقتراب الجيش البريطاني منها وأصبحت اللد تحت الحكم العسكري البريطاني الذي تحول بعد سنين ليصبح حكومة الانتداب البريطاني على فلسطين.

أيام الإنتداب البريطاني على فلسطين كانت الأغلبية الساحقة من سكان اللد من العرب الفلسطينيين وبلغ عددهم 8,103 نسمة حسب احصائية عام 1922 منهم نحو 920 مسيحيا (11% تقريبا). أما في عام 1948 فقد بلغ عددهم 22 ألف نسمة تقريبا، و تبلغ مساحة اراضيها 19868 دونماً.

في خطة تقسيم فلسطين من نوفمبر 1947 وقعت اللد على الحدود بين الدولتين العربية واليهودية من جانبه العربي، ولكن هذه الخطة لم تطبق أبدا. بعد إقرار الخطة في الأمم المتحدة قام سكان اللد بالاستعداد للحرب المتوقعة بين القوات اليهودية للقوات الفلسطينية، حيث تطوع المئات من شبان القرية للقتال. نتيجة المعارك التي وقعت في يافا والقرى المجاورة لها وصل إلى اللد آلاف اللاجئين من سكان يافا وقراها واكتظت المدينة باللاجئين. في أواخر نيسان 1948 احتلت قوات الهاجاناه اليهودية القرى العربية التي وقعت على الطريق الواصلة بين يافا واللد وتقدمت نحو المدينة، بينما واصل تدفق اللاجئين إلى المدينة وأخذ السكان يعانون من نقص في المواد الغذائية والمياه. بعد الإعلان عن دولة إسرائيل في 14 مايو 1948 قرر القادة الإسرائيليون شن عملية عسكرية واسعة في منطقة اللد والرملة لإبعاد القوات العراقية والأردنية التي كانت مرابطة في الرملة وللاستيلاء على مطار اللد. ضمن هذه العملية التي تم تسميتها ب"عملية داني" هاجم الجيش الإسرائيلي مدينة اللد في 10 يوليو 1948 واحتلها في نفس اليوم. نتيجة الهجوم المكثف الذي أسفر عن وقوع الكثير من الضحايا ترك معظم السكان واللاجئين المدينة، ويقدر عدد الباقين في المدينة بألف نسمة فقط. حسب شهادات بعض الباقين في المدينة وتقرير المؤرخ الإسرائيلي بيني مورس قتل جنود إسرائيليين بعد انتهاء المعارك 167 شخصا من سكان اللد بعد أن جمعوهم في مسجد دهمش. بقي المسجد مغلقا لسنوات طويلة حتى تم ترميمه وافتتاحه أمام الجمهور في 2002. قال الداخلون إلى المسجد قبل بداية أعمال الترميم أنهم لاحظوا بقعاً من الدم على جدران المسجد.

و لعب أهالي اللد دوراً في مختلف الثورات الفلسطينية، ضد المحتلين الغزاة، وكانوا أكثر شراسة ضد الإنتداب البريطاني، وأعوانه من اليهود الصهاينة.

بعد تدهور الأوضاع في يافا وسقوط القرى التي تقع بين يافا واللد، حاول الصهاينة في نيسان 1948 التغلب على الرملة واللد إلا أنهم فشلوا وبعد انتهاء الهدنة وفي مساء 7/6/1948 أخذت الطائرات الصهيونية تقصف اللد، بينما كان الصهاينة يحتلون القرى المحيطة باللد والرملة من الشمال والشرق، حيث تم تطويقها كاملاً. وتمكنوا صباح 10 تموز من الإستيلاء على المطار وفي المساء أغارت الطائرات على اللد والرملة، فقتلت وجرحت الكثيرين.

و في يوم الأحد 11 تموز 1948 شن الصهاينة هجوماً مركزاً على اللد بالطائرات والمدافع وراجمات الألغام وقد دافع اللديون عن بلدتهم، إلا أن نفاذ ذخيرتهم وكثرة المهاجمين ومعداتهم الحديثة أدى إلى دخول الصهاينة المدينة مساء ذلك اليوم. و قد قتل الصهاينة عند دخولهم لمدينة اللد 426 عربياً منهم 176 قتلوا في المسجد. وفي 13 تموز أخذ الصهاينة يجبرون السكان على الرحيل. ولم يبق من سكان اللد البالغ عددهم نحو 19000 عربي سوى 1052 نسمة.

بعد توقيع "اتقاقيات رودس" في 1949 أصبحت مدينة إسرائيلية. منحت دولة إسرائيل الجنسية الإسرائيلية لجميع السكان الذين بقوا في المدينة بينما بدأ بعض اليهود بالسكن في المدينة، واليوم ربع سكانها تقريبا من العرب والباقي من اليهود أو آخرين.

نزح اللديون عن بلدتهم بتاريخ 10-13/7/1948 و يقول اللديون ان اللد هي المدينة الوحيدة التي دخلها الصهاينة بخديعة حيث دخلوها بلباس الجيش العربي الأردني بعد أن روجوا إشاعات مفادها أن قطعا من هذا الجيش ستدخل المدينة للحيلولة دون سقوطها بأيدي الصهاينة

بعد النكبة أنشأ الصهاينة المستعمرات الآتية في ظاهر اللد : مستعمرة (زيتان) وتقع إلى الشمال الغربي من مدينة اللد، ومستعمرة (ياجل) وتقع بالقرب من المطار، ومستعمرة (احيعزر) وتقع بين زيتان وياجل، ومستعمرة (جناتو) وتقع إلى الشرق من مدينة اللد وجوار بن شمن.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات