السطو المسلح والهاجس الأمني


في عام 1998 وبعد ان اصبحت باكستان دولة نووية شاءت الاقدار ان اشارك في دورة عسكرية هناك, وقد وصلت الى مدينة كراتشي تحديدا حيث مكان انعقاد الدورة وفي النفس شعور الحب والافتخار والشوق لمعرفة المزيد عن اول دولة اسلامية تمتلك السلاح النووي.

بعد استلام تعليمات الاشتراك في الدورة لفت نظري من ضمن تلك التعليمات عدم السماح للمشتركين الاجانب الخروج الى الاماكن العامة الا بحراسة عسكرية مشددة ولم اتفهم دواعي تلك التعليمات حينها في بلاد يفترض ان تكون بحالة امنية جيدة وهي قد امتلكت للتو السلاح النووي.

اتبعت التعليمات وتقدمت بطلب الخروج الى مدينة كراتشي واحضرت سيارة عسكرية يقودها سائق مسلح وجندي اخر مسلح ايضا بسلاح رشاش وفي داخلي كثير من التساؤلات لم يجب اولئك المرافقين الا عن جزء يسير منها, ولكن بدأت استشف الاجابة مما رأيت داخل تلك المدينة فلا يكاد محل تجاري يخلو من وجود رجل مسلح بسلاح رشاش وباللباس المدني يقف متأهبا في المكان, وبعد جولة قصيرة في اسواق المدينة سُمع مباشرة اطلاق نار كثيف لا يعرف مصدره وعلى الفور قام معظم المسلحين حراس المحلات التجارية بإطلاق وابلا من الرصاص في الجو وكأنها معركة حقيقية لا يعرف من هو الطرف الاخر من المعادلة ؟ ويتكرر المشهد في اكثر من مكان وفي معظم الايام.

ومن المشاهد الاخرى في نفس السياق ترى الشوارع مليئة بالقوات الامنية والعسكرية يحق لها اتخاذ اي اجراء تجاه المواطنين دون حسيب او رقيب, وتقوم السيارات التي يستقلها الضباط بقطع الاشارات الحمراء في كل زمان ومكان دون وجود اي دواعي لذلك, وفي اماكن العمل والبيوت يقوم عدد من الجنود باللباس المدني بخدمة الضباط بطريقة اشبه ما تكون بالعبودية, وفي الحياة الاجتماعية ينقسم الشعب الى طبقة صغيرة تعيش حياة النبلاء وطبقة كبيرة اخرى منهكة ومعدومة حيث تشاهد عائلة مكونة من اربعة الى خمسة افراد يستقلون دراجة نارية, ويعيشون في اماكن سكن لا تصلح للحياة البشرية, وشوارع مليئة بالأوساخ والنفايات التي تزكم الانوف.

من خلال محاولة معرفة اسباب ودوافع تلك الحالة الامنية الغريبة, وباعتراف عدد من الضباط بأن السبب الرئيس هو سيطرة الهاجس الامني على جميع مناحي الحياة بحيث يتنازل المواطن عن معظم حقوقه الاساسية تجاه هذا العامل المخيف, وان نتيجة ذلك ليس فقط بسبب العداء مع الهند وانما بصناعة وارادة طبقة سياسية معينة تستفيد من استمرار سيطرة الهاجس الامني في الحياة العامة بكافة مناحيها واتجاهاتها.

الشاهد فيما سبق يعتبر الامن كلا متكاملا من جميع النواحي الامنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية وغيرها (الامن الشامل), ولا يقتصر على الامن بمفهومه التقليدي المتمثل في عمل الاجهزة الامنية والعسكرية, وحالة الامن في وطننا الاردن الحبيب لم تأتي بفضل عامل امني بحت لا بل بفضل المواطن الواعي المحب لوطنه ولقيادته اولا, ومن ثم الاجهزة الامنية ورجالها الاوفياء.

اما ما نراه اليوم من تزايد حالات السطو المسلح والانتحار والجريمة وغيرها من الظواهر التي بدأت تؤرق المجتمع الاردني فما هو الا نتيجة لعدم العمل بمفهوم الامن الشامل, والتركيز بحسن او بسوء نية على الهاجس الامني بمفهومه التقليدي, خوفا من الانجرار بعد حين الى وضع (لا قدر الله) مشابه للحالة التي استشهدنا بها اعلاه حول الباكستان.

ما يخشاه المواطن الاردني واصبح متداولا في كثير من الاصعدة, ان ما يجري هو مخطط له لتحقيق اهداف سياسية لاحقا؟؟؟؟؟ وقد قرأت قبل قليل ما تحدث به رئيس وزراء سابق اليوم امام جمعية الاكاديميين الاردنيين: (اشغال الاردن بالظروف الاقتصادية جزء من صفقة القرن!!!!). المواطن الاردني بحاجة الى توضيح وتطمين من القيادة العليا حول مجمل الاوضاع قبل فوات الاوان. والله من وراء القصد.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات