إلى الناخب الأردني .. وقف المهازل من خلال صندوق الاقتراع


لا يلام الأردني عندما يصب جام غضبه على مجلس النواب الذي مرر أولا الميزانية المالية للحكومة، ثم قرر منحها ثقة جديدة، بناء على مذكرة تقدم بها نخبة من أعضاء البرلمان، بهدف «التجاوب التكتيكي» مع هتافات الشارع.
لا يريد الجميع في الحالة الأردنية التعامل مع الموقف على أساس القناعة بأن الميزانية المالية وخطاب الحكومة الخشن القاسي في مجال ما يسمى الإصلاحات الاقتصادية مسائل عابرة للحكومة المسكينة الحالية التي قد يقتصر دورها على الجانب التقني والفني فقط.
الحكومة ليست طرفا وحيدا في مضمار اتخاذ القرار في البلاد، هذا تشوه دستوري يعرفه ويتواطأ معه الجميع؛ القوى النافذة في القرار خلف الستارة وتحت وإلى جانب وفوق طاولة الاجتماعات الحكومية.
والسبب؛ تلك الذريعة التي تقول إن الظرف الإقليمي المعقد لا يسمح بـ «ولاية عامة «حقيقية، وكأننا في كل مرة وفي فترات الشدة وليس الرخاء فقط نعود للأسطوانة المشروخة نفسها المعنية بما سمي سابقا بـ «الإصلاح السياسي».
عموما لا شكوك لدي بأن الخيارات الاقتصادية المثيرة للجدل في الأردن هي خيارات «دولة وليس حكومة» برغم وجود قصور في الرؤية وأنيميا في الشروحات وبؤس شديد في التفصيل، خصوصًا مع الخطاب العبثي الذي يحاول «تخويف الأردنيين» بدلا من إقناعهم بأن موجة الإصلاح المالي ضرورة وطنية ملحة حتى لا تصل البلد إلى «حافة الإفلاس» وهو تعبير استعمله رئيس الوزراء شخصيًا في المقابلة المتلفزة اليتيمة الأخيرة.
لست خبيرا اقتصاديا، ولا أملك هامشا للمحاورة في السياق، لكني أستمع بحكم عملي لجميع الآراء.
على سبيل المثال؛ من الصعب القول إن سبب الأزمة الحالية هو «جبن» الحكومات السابقة وبحثها عن «الشعبية» من دون مساءلة ومحاكمة لتلك الحكومات وحقبتها على الأقل من الناحية الأدبية الوطنية حتى لا ننزلق إلى الإشكال نفسه مستقبلا.
ومن الصعب أن أبصم كمواطن على كل ما يجري وأسير على درب أهزوجة وطنية من طراز «إرفع رأسك.. واغلق فمك» مجددًا، وأنا أحصي أكثر من 100 مليار دولار وردت «لفظيا» على لسان مسؤول واحد خلال ثلاث سنوات، وهو يعد الأردنيين باستثمارات ضخمة، مرة من هنا وأخرى من هناك، وبصورة علنية وعبر الإعلام الرسمي وفي سلسلة تصريحات مشهودة.
هذا المبلغ لم يأت منه للبلد والخزينة ولو نصف مليار واحد، والغريب جدا أن هذا النمط من المسؤولين يتم استنساخه، ويتميز اليوم بكثافة عددية مع الاسترسال في بيع الأوهام للإيحاء بأن موظفا ما برتبة رفيعة يعمل ويبرر سفره المتواصل.
أين مليارات محمد بن سلمان الاستثمارية؟ أين مليارات مؤتمر لندن المخصص لـ»إدماج السوريين في المجتمع الأردني»؟ أين عوائد فتح الحدود ثم إغلاقها؟ تلك أسئلة ضرورية اليوم لإكمال الصورة وشرحها على أقل تقدير.
أحدهم، تسلم وظيفته العليا مؤخرا، يصرح بأن «إعادة إعمار العراق سيتم من خلال بوابة الأردن»، هذا تصريح ينتمي لتلك العائلة نفسها من الأوهام وإبر التخدير، لأن الحكومة العتيدة وفي أبسط التعبيرات تخوض مفاوضات مع إيران وجماعتها في بغداد لإدخال شاحنة أردنية واحدة محملة بالخُضَر التي تَفْسد وهي تنتظر، فكيف سيكون الأمر إذا تفتقت عبقرية الحكومة عن وهم المشاركة في إعمار العراق.
مثل هذه التصريحات التخديرية غير المبررة، لا لزوم لها، وهي استفزازية بقدر الخطوات الخشنة في رفع الأسعار والضرائب.
نعود لحملة توجيه اللوم لأعضاء مجلس النواب ونقول: أيضا لا شكوك بأن الناخبين الأردنيين الذين مارسوا قناعتهم بانتخاب مجلس النواب الحالي «شركاء» تماما في أي موقف اتخذه نوابهم.
هم شركاء في الجريمة إذا كان ثمة جريمة ضد الفقراء. الأنكى أنه لا شكوك بأن هؤلاء أنفسهم سينتخبون أولئك بالتأكيد في الانتخابات المقبلة، وهذه حقيقة اجتماعية أيضا يتجاهلها الجميع بمن في ذلك الذين يرفعون الصوت اليوم بالعالي.
.. في مسألة مجلس النواب برمتها.. «أيدينا كأردنيين أوكت وأفواهنا نفخت» ومسؤولية الشعب قبل السلطة والكلام بأثر رجعي عن انتخابات مزورة اليوم مجرد «مرجلة واستعراضات» لأن من يتحدثون اليوم عن التزوير ليس بالضرورة أنهم تحدثوا عنه عندما حصل فعلا ولا يعني أنه حصل فعلا.
ومهم ملاحظة أن بعض الأصوات العالية في الشارع اليوم ضد السلطة والنواب ستقف على فوهات الخيم الانتخابية لتنظيم الدور للنمر ذاته والوجوه نفسها لاحقا.
شخصيًا أشك بأن نواب محافظات ودوائر وقبائل بأكملها صوتوا للميزانية وللثقة يعلمون أصلا بوجود «جياع» بينهم أو يحترمون أصلا قواعدهم الانتخابية او يخشون معاقبتها لهم في الوجبة المقبلة من الاقتراع.
قناعتي بأن الميت الحقيقي ليس مجلس النواب وليس قلب الحكومة بل «الجميع» وخيارات الناخب هي أول حالة وفاة.. وما نفترضه او نطالب به كأردنيين نتصرف عكسه تماما خصوصا عند ممارسة فصام الانتخاب.
طبعا ومن دون تردد ضد رفع الأسعار وضد سياسات الحكومة الأخيرة وأرى أن الإجراءات وحشية، لكن لا يمكنني الموافقة على توجيه «اللوم» فقط للسلطة او على الاعتداء ولو على حجر واحد باسم الانفعال والاحتجاج.
المؤسسات خذلتنا كمواطنين، هذا صحيح، لكن لدينا مؤسسات ونريدها وستتغير قواعد لعبتها معنا فقط عندما نتغير نحن ونتوقف عن «عبط» التصويت على أساس مناطقي او ضيق ولدينا استقرار وأمن وسنحرق يد كل من يحاول المساس به. موجة الأسعار مرت وردة الفعل متأخرة والبرلمان يمثل «الواقع الاجتماعي».
عليه؛ أقترح أن تتوقف حفلة «اللطم الوطني»، ونبدأ بالإصلاح نحن أولا وتحديدا من معاقبة كل من خذلنا كمواطنين وعبر الصندوق وإسقاط كل هؤلاء الذين يركبون أكتاف عشائرنا ومناطقنا ونظامنا، عندها سنكون صادقين مع أنفسنا وستضطر السلطة لاحترامنا.

٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات