ما الذي أغضب الكرك ؟


بجبالها الشامخة تُطل على جبالِ فلسطينَ وتبصرُ أضواءَ القدسِ ليلاً ، تنساب ينابيعُ المياه العذبة والسيول في طيّات وديانها مُطلقةً صوت الحياة بنبضٍ لا ينضب وجودٍ يُحيي الوجود، ضربت جذورها تاريخ المؤابيين وعاصرت ميشع في أرض الأمجاد والنصر، وسَرج صلاح الدين خيله على ترابها وأشار لبيت المقدس أحرارها، بقلعتها الشامخة الأبية توسطت القمم العالية، ومن البحر غرباً إلى جوف الصحراء شرقاً خطّت دروبها أعظم الروايات، عانقت سهولَ شيحان الخضراء وجبلَ ضباب الأشم ووادي الموجب والحسا وجعلتها أهزوجةٌ شعبية في خلجاتها، روى ثَراها شهداءُ مؤتةَ، وفي ربوعها صدى صهيل الخيول وصلصلة السيوف.

الكرك، بناها المؤابيون، معالمها برج الظاهر بيبرس، المسجد العُمري، يتوسط شوارعها تمثال لصلاح الدين الايوبي شاهراً سيفه نحو الغرب حيث القدس وفلسطين المحتلة.

الكرك، حيث قبور الأنبياء والرسل نوح والخضر ويوشع، حيث مقامات الصحابة الأبطال جعفر بن ابي طالب (ابن عم الرسول عليه السلام)، زيد بن حارثة (ابن الرسول بالتبني) وعبد الله بن رواحه.

الكرك، حيثُ معركة مؤته الخالدة، حيث سُمي خالد بن الوليد بسيف الله المسلول بعدها.

الكرك، مسقط راس الشهيد الطيار المقاتل النقيب معاذ صافي الكساسبة (شهيد الاردن)، ومسقط راس الشهيد المقدم سائد محمود المعايطة (أسد القلعة) ومسقط رأس الكثير ممن قدموا ارواحهم رخيصة من اجل اعلاء كلمة الله والوطن. ممن قدموا جُل اوقاتهم لخدمة الاْردن.

الكرك، كانت ولا زالت ومنذ العصر القديم منبعاً للقيادات الفكرية والسياسية المؤثرة، فما زال التاريخ يشهد على ثورة الكرك (الهية) التي بدأت في العام 1910 ضد الفساد الاداري آنذاك، وقادت عشائرها اول ثورة حقيقية مسلحة ضد العثمانيون بعد أن قدمت الكرك مئات الشهداء من ابنائها الذين قاتلوا بشجاعة انطلاقاً من مبادئهم الراسخة في ضرورة اظهار الحق والعدالة، ولا يمكن للتاريخ ان يتغافل عن ثورة الكرك التي مهدت الطريق بعدها لاعلان امارة شرق الاردن العام 1921.

بعيداً عن التحريضات الغير مسؤولة من قبل البعض، التخريب الغير مقبول والتنديد، المزايدات والمهاترات، التصريحات والتعليقات، يتساءل بعض اهالي الكرك عن عدد المسؤولين الذين يعلمون عن الواقع الحياتي والمعيشي لسكان أدر وبتير، الثنية والعدنانية، الغوير والمشيرفة، المأمونية والمحمودية، الحوية وزحوم، راكين وبذان، بردى والشهابية، الثلاجة وكمنة، عينون والعزيزية، الجديدة والوسية، قريفلا وعي، المزار وسول، ام حماط والعمقة، وغيرها من قرى الكرك وما هو حجم المشاريع الانتاجية التي قدمتها الحكومات المتعاقبة لهذه المحافظة وغيرها من محافظات المملكة. لا بل ان البعض يتساءل اذا كان بعض المسؤولين قد سمع يوماً باسماء هذه القرى أو المناطق !

لقد باتت العلاقة بين المواطن والمسؤول في مواقع عديدة مثاراً للجدل الذي يستوجب الوقوف والتأمل، ساهم في هذه الحيرة تعاقب الحكومات التي أغفلت ولسنوات طويلة جانباً من الهم الوطني ولم تقرأ أفكار المواطن بشكل أكثر واقعية ومنطقية وفشلت في تطوير أنظمة رشيدة ومؤسسات قادرة على ضمان المشاركة المتوازنة لكافة الفئات وتحقيق العدالة في توزيع الثروة بين مختلف أطياف المجتمع وفِي جميع محافظات المملكة، وتناست بعضاً من التنوع الفكري والثقافي لبعض المناطق.

إن حال محافظة الكرك، كحال اغلب المحافظات شمالاً وجنوباً يستلزم مواجهة الحقائق السياسية والإقتصادية والإجتماعية بنظرة أكثر شمولية وواقعية، فالفقر والبطالة والجريمة والدين وعجز الموازنة ومعدلات النمو ودعم السلع وتنمية المحافظات والحوافز الإستثمارية وغيرها من الأمور يجب أن يتم النظر اليها بشكل شمولي مترابط وليس بمعزل عن بعضها البعض، فالفشل في مواجهة هذه التحديات قد يهدد الاستقرار الإقتصادي الاجتماعي في المملكة؛ يتعين على الحكومة أن تعي وتدرك أن الإصلاح المنشود للوطن يجب أن يكون أكثر واقعية وجدية وأن يتم إعطاء إهتمام أكبر إلى شبكة الضمان الإجتماعي والمشاريع الإستثمارية وتطوير المزيد من البرامج الموجَّهة إلى المجتمعات المحلية الفقيرة في المحافظات، وتعزيز دور القطاع الخاص في المشاريع التنموية من أجل تمكين المواطن الأردني من لعب الدور الصحيح الملقى على عاتقه في بناء الوطن المعاصر القادر على مواجهة التحديات بخطوات جرئية ثابتة، وتحت مظلة القانون، وبما يضمن هيبة الدولة وسلامة المواطنين.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات