هز الفنجان ونقل الكلام


(هز فنجان القهوة) لم يأتي من فراغ, انما ارتبط بواقعة اجتماعية منذُ القدم, وكما تقول الحكمة المجالس مدارس, وان تجارب الشعوب هي مدارس بلا اسوار, ومن تجارب الشعوب العربية القديمة كما تقول الحكاية انه في قديم الزمان كان احد شيوخ العشائر العربية القديمة قد توصل لحقيقة قضّت مضجعهُ طويلا مفادها ان جميع احاديثه واقاويله وخططه واسراره التي قالها في مجلسه ذات يوم والتي كان يحرص على عدم تناقلها لدى باقي افراد المجتمع كانت قد تسربت الى جميع افراد المجتمع, وقد ترتب على ذلك مشاكل في ذلك المجتمع حينها, وبعد البحث والتقصي تبين له ان ذلك قد تم من خلال صبّاب القهوة في مجلسه (القهوجي), الامر الذي ادى بهذا الشيخ الى طرد هذا القهوجي واستبداله بآخر, لكن هذا الاخر كان من الذين لا يسمعوا ولا يتكلموا على الاطلاق(اصم), والفلسفة من وراء ذلك كي لا يتنصت لحديثه ويقوم بإفشاء ونقل هذه الاحاديث والأسرار, والتي يترتب عليها ربما مشاكل لها بداية وليس لها نهاية.

من اجل ذلك قام شيخ العشيرة وقتها بوضع طقوس معينة تتعلق بفنجان القهوة الذي يتعامل معه هذا الصبّاب القهوجي الاصم مع الضيوف, فقد وضع حركات تتعلق بـ(هز الفنجان) من اجل ان يعرف القهوجي الاصم لدى مجلسه ان الضيف يحتاج الى مزيد من القهوة ام انه قد اكتفى, فعندما يقوم الضيف بهز فنجان القهوة عدة مرات فان ذلك يدل وبلغة الاشارة للقهوجي الاصم على الاكتفاء والتوقف عن صب القهوة, في حين ان رفع الضيف راحة يده التي تحمل الفنجان إلى خارج الجسم قليلا مع عدم هز الفنجان فان لغة الاشارة للقهوجي هذه تدل ان الضيف يحتاج الى مزيد من القهوة, هذه الطقوس(هز الفنجان) تأصّلت في المجتمع العربي حتى اصبحت تراث تتناقله الاجيال حتى يومنا هذا بسبب ذلك القهوجي ناقل الكلام.

هذه الايام اصبح (القهوجيين) هم جميعا جزء من المعازيب الحضور ومن اهل البيت, ومن اصحاب الدار, ومن جلاّس الدواوين, ومن اركان المجالس, هؤلاء يسمعون دبيب النملة, والسنتهم بثلاثة شُعب, وربما يحمل البعض منهم اكثر من جهاز نقال ومن الصعب بمكان الطلب من احدهم مغادرة المجلس, او طره او استبداله بآخرين, هؤلاء ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي فان كل ما يحصل في المجالس يصل صوت وصورة للمجتمع باسره في بث حي ومباشر, نعم هز الفنجان هذه الايام لم يمنع باي شكل من الاشكال صبّابين القهوة من كثرة الثرثرة ونقل الكلام, وعلينا ان نكون حذرين على مستوى الافراد والمجتمعات وعلى مستوى مؤسسات الدولة من هؤلاء المثرثرين, فهم بيننا ويسمعوا كل شيء حتى احلامنا الليلية, هؤلاء انتقلوا من صبّابين قهوة الى صبّابين كلام ونقله بامتياز, ..والبقية عندكم.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات