المظاهرات .. من المجاهرات إلى المهاترات فالتهورات !


المظاهرات -ومثلها الاعتصامات والاضرابات - وسيلة في الإنكار محدثةً لا أصل لها في الدِّين وليست من أساليب النصيحة الشريعة ، وهي محرَّمةُ بالنَّظرِ إلى عواقبها ومآلاتها من حيثُ إِنَّها تُفضي إلى الكثيرِ من المفاسد والشُّرورِ .

ومثل تلك الوسائل لا يمكن ضبطها بما يقيها مزالق الانفلات والتطور والتهور ، وحصول منكرات تفوق المنكر الذي جاءت لأجله ؛ ولو أدعي سلميتها أو وعي الداخلين فيها ؛ إذ يستحيل - عقلا - اجتماع خلق كثير على التفكير والطبع ذاته ؛ ناهيك عن ضغط اجوائها العامة التي من السهل اخراجها المرء عن طوره وهدوئه لا سيما مع تأخر - أو عدم - حصول المطالب .

الداخلون في تلك المظاهرات صنفان من الناس :

الأول - عوام الناس الذين صفت نيتهم وحسنت مقاصدهم ؛ ولكن حصل لهم نوع خلل في التصور فظنوا بتلك الوسائل نجاة من الظلم أو تحصيلا للحق .

الثاني - أصحاب النزعات الثورية وأهل المطامع الحزبية والمآرب الشخصية ؛ وهؤلاء جمعوا بين خلل التصور وخلل في المقاصد ؛ وهم أميل للجنوح بالمظاهرات والمجاهرة بالانكار الى التهور والعنف والفوضى والفتنة وسوء العواقب.

الصنف الأول يحذر والثاني ينذر ...

الحذر من وقوع الفوضى والخراب المؤدي إلى الفتنة والاقتتال بين المسلمين أبناء البلد الواحد لو خرجت تلك المظاهرات عن السلمية ؛ وما أسهل ذلك فإن النار من شرارة حقيرة ، والحرب اولها كلمة صغيرة ...

فإن حدث هذا بقدر الله فكل مشارك مسؤول يوم القيامة ولو حسنت نيته ، وقد يلقى الله - تعالى - بما لا يحتسب من الذنوب وربما بدماء أبرياء من أطفال وشيوخ ونساء .

وأما الصنف الثاني فننذرهم أن اتقوا الله في المسلمين الآمنين فإن هناك أصولا شرعية دقيقة تتعلق بحفظ المجتمعات المسلمة ودرء المفاسد عنها ؛ وهذه الأصول مستقاة من نصوص ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ نذكر اثنين ؛ هما مدار نصيحتي .

فأما الأول : فهو حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - عن النبي – صلى الله عليه وسلم أنه قال : ' إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها ‍قالوا : يا رسول الله ، فما تأمرنا ‍قال : تودون الحق الذي عليكم ، وتسألون الله الذي لكم' وهو حديث اتفق عليه البخاري ومسلم .

والأثرة : هي الإنفراد أو الاستئثار بالشيء عمن له حق فيه ؛ على قول أهل العلم ؛ والحديث من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم ؛ فإن ما أخبر به قد وقع من بعض الأمراء والسلاطين والولاة و ( المسؤلين ) ، فانفردوا بحق المسلمين من المال وأسرفوا على أنفسهم في مأكلهم ومشربهم وركوبهم ؛ وغيره من المنكرات .

فبما أمرنا النبي – صلى الله عليه وسلم – عند وقوع ذلك ؟ قال : ' تؤدون الحق الذي عليكم ' ؛ قال أهل العلم : يعني : لا يمنعكم استئثارهم بالمال عليكم أن تمنعوا ما يجب عليكم نحوهم من السمع والطاعة وعدم الإثارة وعدم التشويش عليهم ، بل اصبروا واسمعوا وأطيعوا .

قلت : هذا الأمر النبوي مع من ينفرد بالحق أو المال دون اعتراف منه ؛ فكيف بمن ( يقرّ ) لك بحقك عنده ؛ هل تتسلط عليه بما لا يستطيع دفعه ؟ ! ، وأقصد – هنا – : المظاهرات كوسيلة ضغط فاعلة نتجت عن العلم المسبق أن لا بدائل ولا حلول بيد الطرف الآخر للصعوبة البالغة التي تصل حد الاستحالة !! .

ثم هناك تتمة للتوجيه النبوي الكريم وهو : ' وتسألون الله الذي لكم ' أي : اسألوا الله أن يهديهم حتى يؤدوكم الحق الذي عليهم لكم .

الثاني : وهو حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : ' لا ضرر ولا ضرار ' ، رواه ابن ماجة في ( السنن)

وذكر اللفظين ( الضرر والضرار ) في الحديث يقتضي وجود فرق بينهما ؛ وأقوال العلم ها هنا كثيرة ؛ وأقربها أن يقال : ( لا ضرر ) بمعنى نفي الضرر عن الأحكام الشرعية ؛ فليس فيما شرعه الله تعالى إلا ما فيه نفع ومصلحة للناس ؛ وقوله ( ولا ضرار ) نهي ٌ للمكلفين عن أي فعل ( تأدية وامتناعاً ) يترتب عليه إلحاق الضرر بالآخرين حتى بعد موتهم ؛ على تأصيل علمي مفصل .

ومن أهل العلم من قال في معنى الحديث : أي : النهي عن أي فعل يترجح وقوع الضرر بسببه ؛ سواء كان وقوع هذا الضرر على المكلف نفسه ؛ أو على الآخرين .

ورأيت الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله تعالى - يذهب في التفريق بين اللفظين إلى كون الضرر بغير قصد وأن الضرار يكون بقصد ؛ فلا يترتب على الأول عقوبة مع وجوب رفع الضرر ، ويترتب على الإضرار العقوبة مع وجوب رفعه .

واذكركم بمقولة الامام احمد الشهيرة والتي خرجت من مشكاة النبوة قطعا :

(الصبر على ما نحن فيه خير من الفتنة .. يسفك فيها الدماء وتنتهك المحارم ويستباح فيها الأموال والأعراض)

والله من وراء القصد



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات