لا متسع للقدس في الإعلام العربي


لم يكن أي متابع حصيف تحت وهم أن نائب الرئيس الأميركي، مايك بينس، سيتخلى عن معتقداته السياسية وعقيدته الدينية في أعقاب لقائه مؤخرا بجلالة الملك منذ أيام وسماعه للتشخيص الدقيق والشرح الوافي الذي قدمه جلالته خلال اللقاء عن القدس ومكانتها المميزة عند العرب مسلمين ومسيحيين وضرورة أن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية وإنعكاسات السيطرة عليها عنوة على الأمن والسلام ليس في المنطقة فحسب ولكن في العالم بأسره. فالرجل ذو فكر معروف وهو صاحب خلفية سياسية غارقة حتى أذنيها في النهج اليميني المتطرف.

ولكن رسائل الملك حول القدس لم تقف عند حدود بينس بل تجاوزته إلى أسماع العالم كله، وربما لم يكن بينس أصلا هو الهدف النهائي لتلك الرسائل بل كان المطلوب إستثمار ذلك اللقاء لنشرها عالميا. وهذا ماحدث بالفعل بنجاح منقطع النظير فقد إحتفت وسائل الإعلام الدولية بكل كلمة قالها جلالته، ونشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» على سبيل المثال تقريرا موسعا بعد اللقاء قالت فيه إن جلالة الملك عبد الله الثاني قال لبينس «إن القدس هي مفتاح أي حل للسلام في المنطقة وهي مدينة مهمة للمسلمين والمسيحيين وليس لليهود فقط، مضيفا جلالته أن القرار الأخير حول القدس سيزيد من عدم الإستقرار.»

إن تعامل جلالة الملك مع وسائل الإعلام يدل على إدراك كامل بالطريقة التي تعمل بها هذه الوسائل ويفكر بها الصحفيون الدوليون المميزون، فهم يلاحقون الأحداث الكبرى والشخصيات العالمية في كل تحركاتها. وإذا أردت لأيه رسالة أن تنتشر فما عليك إلا أن تختار مناسبة كبرى أو لقاء عالميا أو حدثا بارزا لتطلق فيه تلك الرسائل.

إن التعامل الملكي مع ملف القدس بهذه الفطنة والذكاء ونشر الرسائل المحذرة من العبث بهوية المدينة المقدسة للعالم كله يعيد إلى الأذهان حقيقة لابد من الإقرار بها وهي أن وسائل الإعلام العربية مقصرة حتى العظم في التعريف بالقدس ونشر الوعي بها لدى عموم المواطنين.

فهناك وسائل إعلام منكفئة على شؤونها الداخلية، ولايعنيها مايجري للأمة وماتواجهه من تحديات، كما أن أحداث سنوات الربيع العربي وما تلاها أدت إلى تفكيك بعض الدول وإشغال أخرى بحروب بينية وصراعات داخلية، فلم يعد للقدس متسع في أجندة بعض وسائل الإعلام العربية.

وثمة وسائل إعلام لايهمها مايجري في العالم كله، لأنها مشغولة بجرعات الترفيه التي تقدمها للمواطنين، وهي ترفض تقديم أي مادة جادة بدعوى أنها تتعارض مع هوية هذه الوسائل التي تحصر نفسها في إطار التمثيل والدراما والفن والموسيقى، ولاضير في الحقيقة في ذلك لو كنا نعيش أوضاعا عادية أو لو أن شيئا من التوعية حول الملفات والقضايا الجادة قد تضمنته برامج هذه الوسائل، وعلى رأسها قضية القدس وماتتعرض له من أخطار.

أما السمة ألأبرز لتعامل وسائل الإعلام العربية مع القدس فهي أن التغطية في أغلبها إخبارية موسمية ترتبط بالأحداث والوقائع. فقد إرتفع الإهتمام بالقدس في وسائل الإعلام العربية في أيام أزمة الكاميرات والحواجز الإلكترونية التي حاولت قوات الإحتلال نصبها على مداخل السمجد الأقصى، ولكن مالبث أن تراجع هذا الإهتمام مرة أخرى إلى أن أصدر الرئيس الأميركي ترمب قراره بنقل سفارة بلاده إلى المدينة المقدسة، فإرتفع إهتمام الصحافة العربية بالقدس مجددا. وإن هي الابضعة أيام حتى غابت القدس عن العديد من وسائل الإعلام العربية.

إن التغطية التي تخلق وعيا حقيقيا هي تلك التي تتم من خلال التقارير الصحفية أو التلفزيونية أو تلك التي تعرف الناس بالواقع الصعب الي تعيشه المدينة وأهلها المرابطون ومحاولات التهويد الممنهجة التي تتم على أرضها. وأبرز دليل على تقصير وسائل الإعلام العربية بحق القدس هو أن معظمها مايزال يخلط حتى اليوم بين قبة الصخرة والمسجد الأقصى، مما خلق لبسا وتشويشا كبيرين لدى المواطن العادي حول هذا الأمر.

أما فيما يتعلق بالغياب الإعلامي عن الساحة الدولية فحدث ولاحرج.. ويكفي أن يضع أحدنا إسم القدس بالإنجليزية على أحد محركات البحث فتنهال عليه المصادر الإسرائيلية التي تتحدث عن تاريخ المدينة وهويتها من الزاوية الإسرائيلية بالطبع.

و ختاما، فإذا كان عملاق الشعر العربي المتنبي قد قال:

لاخيل عندك تهديها ولامال / فليسعد النطق إن لم يسعد الحال

فإن خذلان العرب للقدس لم يقف عند حد الخيل بل تعداها إلى مجال.. النطق أيضا !



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات