هلا بالخميس


لا تضحك من العنوان أو تبتسم ! ، فهو لم يأت بسهولة ، فلقد تمكّنت من الوقوع عليه بعد جهدٍ كبير وتفكير طويل ، وجدت فيه الأنسب والأخفّ على الأذهان لبثّ رسالتي ، لكنّي بالطّبع لست واثقًا من التزام القارئ بما نهيت عنه ...ومع كلّ هذا فلا بأس...

- بالأمس كنت أنتظر في طابور طويل لشراء الخبز ، وكما تعلمون فأنّ الأخبار التي تتحدث عن تساقط للثلوج محتمل خلال اليومين القادمين، أفزعت النّاس كالعادة ، وأنا لست من هؤلاء ، برغم تلك النظرات و التمتمة البعيدة التي شعرت حين خرجت مع كمية من الخبز تكفي ليومين أو ثلاثة، اعتدت شراءها كلّما وجدت نفسي هنا في هذا السّوق ، ولأسباب أخرى لا تتعلق بالحالة الجوية بكلّ أمانة ...أثناء وقوفي في ذلك الطابور ، تململ الشّخص الذي يقف خلفي ، متذمّرًا من الأزمة على شراء الخبز ، ثم أردف يقول؛ لقد رفعوا كلّ شيء حتى السجائر ، ثم ردّ عليه الذي يقف بعده ؛ فليرفعوه ! ، وما أوضحه الأخير لاحقا من اعتراضه هذا؛ أن تدخين السجائر عادة سيئة وسلبيّة من كلّ الجوانب من هنا فرفع سعرها ليس فيه شيء، بل أنّه - من وجهة نظره - عين الصّواب ، المهم ، دار حديث مستمر بين ثلاثتنا لم نشعر خلاله بطول الطابور، ثم غادرت بعد أن توصلنا- بخصوص موضوع رفع الأسعار - إلى رأيٍّ مبنيِّ على هذه الجملة؛ لعلّه خير..

- حدثني يومًا أحدهم يقول: كنت في دورة خاصّة في الولايات المتحدة الأمريكيّة ، وكان المشتركون معنا بالدورة ضباطًا من مختلف جنسيات العالم ، وكان معنا ضابط من الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ، برتبة نقيب ، وكنّا خلال دقائق الاستراحة بين الحصص نتبادل أطراف الحديث ، ومرةً كنت واقفًا أحتسي القهوة برفقة ذاك النقيب الأمريكي ، فلقد كان ودودا وبسيطا ، الذي شجعني أنْ أنقل له تذمّري من جلافة وعجرفة أحد المدربين ، وهو كذلك ضابط أمريكيّ برتبة مقدّم ، فما أنْ سمع كلامي حتى ضحك طويلا ثم خاطبني : لا لا ، أنت مخطئ، فهو شخص طيّب جدًا ،ويفوق لطفه ما قد تتخيّل، فقلت له : وكيف ذاك ؟ فقال : أنا أعرفه جيدًا ،إنّه صديقي منذ أن كنّا معا في الكليّة العسكرية ، كنتما معًا ؟ ، نعم ولقد تخرجنا سويّة ، لكنّك الآن برتبة نقيب وهو مقدّم ، أيّ أعلى منك رتبة وفارق يُذكر بينكما، ، ابتسم مرة أخرى ثمّ أقترب مني ليهمس في أذني: نعم صحيح ولكي أكون صريحا معك ، لطالما استحق زميلي تلك التوصيات التي تؤهله لذلك، ضابط مثالي ، متفان في عمله ، ذكيّ ومثابر وحريص على تطوير نفسه ، أمّا أنا ، فعندي من الخمول وعدم الاهتمام ما يمنعان عنّي تلك التوصيات، الحقّ أقول أنّه يستحق.

- يذهب لتمضية السّهرة عند أخيه ، لكن الليلة غير عن كلّ ليلة ، فهو يحضر ابنه معه و بجعبته كذلك خبر سار للعائلة ، ثم بعد أنْ سُرٍدت بعض القصص القديمة الجميلة ، التفت إلى أخيه قائلا : أبشّرك ، أريد أن أخطب لهذا الولد ، ويشير إلى ابنه ، ونريد رأيك ونصحك في هذا النّسب، ثم لترافقنا إن حصل الإجماع، امتلأ وجه أخيه بالسعادة ، ثم تابع : مبارك إن شاء الله ، ولكن قل لي من تلك، صاحبة الحظ السعيد؟ ، قال الأب : هي فلانة بنت فلان ، من ؟ ، أقول لك : هي فلانة بنت فلان ، ثم ساد الوجوم وجه أخيه ، وخيّم -لبرهة - بعض الصمت على الجلسة ، ثم قال : لا أعرف كيف أخبرك بهذا يا أخي العزيز ، إنّه بالفعل أمرٌ محرج لنا جميعا ، لقد قمت منذ يومين بطلب هذه الفتاة التي تتحدث بشأنها، لأبني الكبير و لقد كنت عازما على إعلامك بهذا بأقرب وقت ، وقد تم القبول المبدئي بيننا ، يا ربّ عفوك ، ما هذا الحظ ، شيء محيّر ومربك ، لا أعلم كيف أعتذر منك ؟...ذهل أخيه لسماع هذا الخبر ، ثم بدت عليه آثار الانزعاج و الغضب ؛ مبارك لكم كلّ ما تفوّه به ، ثم خرج دون أنْ يلتفت وراءه ، أسرع ابنه باللحاق به ، لا تنزعج يا أبي ، هذا أمر الله ونصيب ، أعلم ذلك ومن قال أيها المغفّل أنّي منزعج من هذا ؛ ما أثار حنقي أني كنت مهتما بالوقوف على رأي أخي حين جئته طالبا المشورة والنّصح ، لكنّه لم يفعل ذلك معي ....

-على التوالي يدخل إلى تلك المناسبة اثنان ، الأوّل "يحمل" شهادة الدكتوراه ، والأخر عامل في أحد المحلات ، يأخذ الدكتور نصيبه وزيادة من طقوس الاستقبال، ويجلس الضيف الثاني على كرسيه بالقليل القليل من الحفاوة ....

- أما الآتي فهو مما استطاعوا تذكره فيما حدث النّاس به في نهاية إحدى خطبه الأسبوعيّة : "نعم هي عقدة النّقص ، رائحة التأخّر عن الرّكب" تلك التي تفوح من بقايا أمم في الأرجاء ، وما يثير الاشمئزاز تلك الأحاديث الباردة التي تنبئ بحالة الهستيريا التي أصابت هذه الأجيال ، والتي من المؤكّد أنّها ستعبر بقوّة إلى أجيال قادمة ، من يُفرِط في الكلام عن المعجزات والعلامات ، من يخلط بخبث فهم الِعْلم في الرسالات ويتواطأ في المعاملات ، ومن يضع بكل سفاهة نفاياته الفكرية في دروب السّاعين إلى السمو ، هؤلاء هم أكذب المتحدثين عن الدّين و ألعن من سكن الدّيار ... وفي الوقت الذي نخشى فيه ذكر كلّ الحقيقة في مذكراتنا ، و نهرب من مواجهة التناقض الذي يجتاح سلوكنا ،لن يكون بمقدور أنهار من المفردات أنْ تروي الجفاف العظيم الذي أصاب الغايات...قلة من تؤنبهم ضمائرهم بعد تقديم الشهادة ، التوبة العظيمة، تلك التي لا تأبه بالحسابات الأرضية، التي لم يعد يعنيها في الكون إلا كلمة الحق، أمّا من حضر لانّ غيره حضر فسيعود فارغا كما ولدته أمّه . يا قوم احذروا من الخطب الوطنيّة التي تبدأ بالحريّة وتنتهي بالخميس..

- ويخبره التقويم المعلٌق أمامه أنّ اليوم ليس الخميس ، ولكنّه متفائل جدّا أنْ يكون هناك خطأ ما في التقويم ...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات