التعليم في الأردن : الأدوار والمسؤوليات


تعّد التحديات التي تواجه المنظومة التربوية كثيرة في الأردن، والتي تتضمن تضخمًا في البرامج الإصلاحية والحلول الترقيعية، التي لم تغير شيئًا، بل تزيد الوضع تأزما، وهي المنظومة التي لا ينكر أحد في كونها تشكل العمود الفقري والمحرك الأساسي للتنمية المجتمعية الشاملة والمستدامة، ونجد الكثير من المهتمين والمتابعين والفاعلين في المجال التربوي غالبًا ما يناقشون التحديات التعليمية من الزاوية المرتبطة بفشل الإستراتيجيات الكبرى للتعليم، بسبب ما يشوبها من اختلالات عميقة، ولا شك أن هؤلاء محقون في ذلك، ولكن بعضهم يتناسى أنه ساهم من قريب أو بعيد في صياغة تلك الاستراتيجيات، وبالنظر إلى التحديات التي يواجهها المجتمع الأردني اليوم، وعدم وجود مبرر لانتظار ما يأتي من إصلاحات، فإن تحديات التعليم تستوجب معالجتها، بهدف وقف النزيف من خلال تحديد مستويات المسؤولية والتسلح بالإرادة والعزيمة القوية والتحلي بروح المواطنة الصادقة والقيم الأخلاقية النبيلة، لدى مجموعة من الفاعلين في النظام التربوي، غير أن ذلك لا يعني في كل الحالات التنكر للاختلالات التي تراكمت وشابت الإستراتيجيات التي اعتمدها نظام التربية والتعليم في السابق التي تراكمت عبر عقود الماضية من الزمن، وهنا لابد من التأكيد على أن الجميع يتحمل المسؤولية في الوضع الذي تتخبط فيه المنظومة التربوية وعدم نجاعتها وفعاليتها في تكوين الموارد البشرية والكفاءات اللازمة للنهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية، والتي تم تضمينها في الخطة الإستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية، غير أنه لابد من التمييز بين المستوى الأول: التخطيط والتنظيم والإشراف والمستوى الثاني: التنفيذ والتقييم والمتابعة ، مما يؤكد وجود اختلالات في المستوى الأول، والذي تتحمل مسؤوليته قوى وفعاليات تعمل في العلن والخفاء، والتي تفرز القرارات التربوية التي تتخذ صورًا شتى، ومنها ما يتعلق بامتحان الثانوية العامة وتدريب المعلمين وتطوير المناهج، تحت مبرر ضعف المنظومة التربوية وإصلاحها.

في واقعنا التربوي يمكن التساؤل عن الأدوار والمسؤوليات التي يتحملها مجموعة من الفاعلين في ترجمة مضامين الرؤية الأردنية للإصلاح وخطة تطوير الموارد البشرية الذي يحتاجه المجتمع، والذي يحمل في طياته بعض الإيجابيات التي لا تخلو منها أية منظومة، وإن الحديث عن القرارات والممارسات السلبية يقودنا إلى أهمية دور المعلم والمدير والأسرة والإعلامي والمثقف، والوزارة ممثلة في هياكلها المركزية ومديريات التربية والتعليم، ونقابة المعلمين، التي اعتادت أن تطالب من أجل تحسين أوضاع المعلمين المادية والمعنوية، ولم تستوعب بعد أن تردي أوضاع التربية والتعليم هي الأخرى في حاجة إلى المطالبة والتحسين، وهنا سنقتصر على مناقشة جوانب مجموعة من العناصر والمهام الموكولة لبعض الفاعلين الأساسيين في المجال التربوي دون أن يعني ذلك التقليل من أهمية بعض المهام والوظائف والأدوار الأخرى.

أولاً:- دور ومهمة المعلم:

إن وظيفة المعلم ومهنته تعتبر من المسؤوليات العظيمة التي يتحملها الفرد أمام الله وأمام المجتمع وأمام الأسر التي تضحي بالغالي والنفيس وتنتظر الكثير من أبنائها لمستقبل أفضل، فمناقشة مهنة التربية والتعليم تستوجب التذكير ببعض المواصفات التي كان المعلم يتحلى بها قبل مدة من الزمن في ظل نظام تعليمي اتسم هو الآخر بالضعف والعجز على مستوى المناهج والبرامج والسياسات المتبعة والبنية التحية والتجهيزات والموارد البشرية، إذ بالرغم من ذلك كان المعلم نموذجًا يحتذى به في التربية والتعليم والأخلاق العالية وروح المواطنة الصادقة التي تجعله يتنكر لذاته وينسى هموم الحياة في ظروف العيش القاسية في المدن والأرياف والبوادي، من أجل تربية النشء وتعليمه، هذا المعلم الذي لم يكن يعرف معنى لهدر الوقت في الملاعب والمرافق التعليمية أو من خلال إغراق المؤسسة التعليمية بالشواهد الطبية والإجازات والمصالح الشخصية والغياب غير المشروع ، ذلك المعلم الذي كان إذا دخل قاعات التدريس يفرض هيبته من خلال العمل المستمر والجد والاجتهاد والتفاعل مع التلاميذ الذين يعتبرهم مثل أبنائه، وهذا المعلم النموذج لم يتجرأ يوما على ارتكاب جرم إهدار الوقت أو استغلاله في أمور شخصية خارج النشاط المهني من مثل: تأسيس المؤسسات والمصالح الخاصة والتجارة والدروس الخصوصية وغيرها، إنه المعلم النموذج الذي يضرب المثال على المواطن الملتزم بقيم المواطنة الصالحة، وعلى يده تتلمذ نخب وقيادات تدرجت في مناصب المسؤولية في الدولة والمجتمع وبإمكانيات محدودة وفي ظروف تختلف بشكل جذري عن الظروف الحالية، أما الآن هل من وقفة تأمل ومراجعة للذات ومحاسبتها من قبل كل التربويين الذين يتقاضون أجورهم من أموال الشعب، مقابل خدمة قضية نبيلة ومصيرية، على اعتبار أن تقدم الأمة وازدهارها ورقيها رهن بما تمتلكه من مهارات وكفايات لدى أبنائها من العلوم والمعارف والتكنولوجيا وتمثل القيم الأصيلة والسلوك القويم، الذي يخدم التنمية والتطور في المجتمع؟

ثانيًا:- دور الإدارة التربوية:

إن المسؤولية لا يتحملها المعلم فقط، ولكنها مسؤولية مشتركة وجماعية تستدعي مساءلة فاعلين آخرين لهم اليد الطولى فيما يعيشه التعليم من ويلات ومآسٍ، إذ لا يمكن مناقشة الوضع التعليمي دون مناقشة دور ومسؤولية مديري المؤسسات التعليمية، ومديري المدارس، ومديري التربية والتعليم، ومديري الإدارة المركزية في الوزارة بمختف مستوياتها، فكل طرف يتحمل قسطا من المسؤولية في قضايا التربية والتعليم ومعالجة اختلالاتها، إذ كيف يمكن تفادي الأخطاء والتشوهات التي تشوب المنظومة التربوية في حالة عدم قيام المديرين بمختلف مستوياتهم بوظائف الرقابة والمتابعة وإعداد التقارير بشأن الدور الفني لكل منهم، والسلوكات والممارسات السلبية التي قد تصدر عن الموظفين التابعين لهم، فبعض مديري المؤسسات التعليمية لهم نصيب وافر من المسؤولية في التغاضي عن السلوكات السلبية التي تصدر عن المعلمين والموظفين، فالمدير ملزم بفرض هيبته ودفع الجميع لتحمل مسؤولياته في أداء واجباته المهنية، وإلا فهو شريك في عملية هدم أسس العملية التربوية، وهو لا يمكن أن يفرض هيبته إلا من خلال التأكيد بالممارسة والفعل على كونه النموذج في الاستقامة والجد والأخلاق العالية، ومن خلال الحزم في التعامل مع كل الممارسات التي تناقض القيم الأخلاقية والمهنية النبيلة، كما أن المسؤولين على مستوى المديريات والإدارة المركزية يتحملون كامل المسؤولية في اتخاذ الإجراءات اللازمة وفق التشريعات التربوية ونظام الخدمة المدنية، وتفعيل التقارير الفنية التي يتوصلون إليها، وعدم الزج بها في الرفوف ونسيانها.

ثالثًا:- دور الأسرة:

الأسرة من الفاعلين في إصلاح المنظومة التربوية، وتتحمل الأسرة مسؤوليتها في تربية وتعليم أبنائها، فالأسرة لها نصيب وافر من المسؤولية في النتائج السلبية التي يحصل عليها ابناؤها، ويمكن القول إن الأسرة التي تعاني من غياب الانسجام بين أفرادها ومن تزايد المشاكل بين الزوجين، تؤثر سلبًا في المسار الدراسي للأبناء، فالأبناء الذين يعانون من غياب الدفء العائلي والذين يتعودون على الغياب التام لرب الأسرة عن المنزل وعن متابعة شؤونها ومتابعة الواجبات المنزلية للأبناء، سيواجهون مشاكل جمة في دراساتهم وتحصيلهم العلمي، لذلك فالأسرة ملزمة بتغيير نظرتها إلى مسألة تعليم أبنائها والوعي بأن المدرسة لن تنجح في أداء رسالتها التربوية دون انخراط الأسرة في هذا الواجب، وإن هذا الدور الأسري يمكن أن يتم من خلال ما يأتي:

1- المتابعة اليومية للأبناء والقيام بتقييم مدى فهمهم واستيعابهم للدروس المبرمجة بشكل يومي والتأكد من إنجاز واجباتهم المدرسية.

2- الحرص على تربية الأبناء على التحلي بالسلوك الحسن والأخلاق الحميدة وتمثل القيم الدينية والإنسانية النبيلة.

3- التركيز على أهمية التعليم والتربية والدراسة والتحصيل الدراسي وعدم التركيز على العلامة التي يحصل عليها الطالب في الاختبارات المدرسية.

4- تشجيع الأبناء لمتابعة البرامج التلفزيونية الخاصة بقضايا التربية والتعليم، وقراءة الكتب الثقافية، والدروس والمحاضرات والدورات التعليمية.

5- التنسيق الدائم مع المدرسة من أجل متابعة واقع الأبناء من حيث الدراسة والتحصيل وحسن السلوك والانضباط المدرسي.

رابعًا:- الإعلام:

إن دور وسائل الإعلام والاتصال لا يخفى في التوعية الشاملة من أجل تغيير السلوكات والممارسات ومعالجة المشكلات في التعليم، حيث تتحمل الدولة ممثلة في وزارة التربية والتعليم مسؤولية كبرى في صياغة إستراتيجية تعتمد المدرسة كوحدة للتطوير، والتعريف بدورها وأهميتها الإستراتيجية في حياة الفرد والمجتمع، كما تتحمل مسؤولية اتخاذ مجموعة من الإجراءات والخطوات الجريئة لتغير بشكل جذري نظرة المجتمع إلى التعليم وجعله قولاً وفعلًا القضية الوطنية ذات الإهتمام والأولوية الوطنية، وتعمل على تفعيل وسائل الإعلام للنهوض بالعملية التربوية وتنفيذ الإجراءات الكفيلة بذلك، ومن أهم هذه الإجراءات المقترحة ما يأتي:

1- تخصيص إطار زمني لتنظيم لقاءات وندوات علمية في وسائل الإعلام السمعية والبصرية، تتناول بالدراسة والتحليل مشكلات التعليم وتحديد المسؤوليات والإجراءات التقويمية اللازمة لهذه المشكلات من قبل خبراء ومختصين، وإعطاء الأولوية لتحديات نظامنا التعليمي الذي يعول عليه الاقتصاد الأردني لتحقيق التنمية المجتمعية الشاملة.

2- إعداد برامج تعليمية وتربوية منهجية موجهة لكل الفئات والمستويات التعليمية والصفوف الدراسية على المحطات الفضائية والقنوات التلفزيونية، بحيث يتم إعداد دروس تلفزيونية لمباحث دراسية لها أهمية :(اللغة العربية واللغة الأجنبية والرياضيات والعلوم ) وبرمجتها على القنوات الفضائية الأردنية، بشكل مستمر وتقديمها من قبل معلمين أكفاء لهم القدرة على جذب اهتمام التلاميذ وفق إستراتيجيات تعليمية حديثة وذات فاعلية، وذلك على غرار ما تقوم به بعض الدول العربية والدول المتقدمة.

خامسًا:- دور الخبراء والمثقفين:

يتحمل المثقف دوره ومسؤوليته في المساهمة في الخطط الإصلاحية، من خلال إجراء الدراسات العلمية وتقديم الأفكار الإبداعية، ومن خلال مشاركته في البرامج الإذاعية والتلفزيونية ذات المصداقية والهادفة إلى تغيير نظرة المجتمع إلى دور المدرسة والتعليم، ومن خلال مشاريعه الفكرية والتربوية الرامية إلى التغيير ونشر قيم جديدة قائمة على أساس بناء الثقافة ونشر الوعي المجتمعي وتشجيع القراءة والمطالعة، كما يمكن للمثقف أن يساهم في التغيير من خلال مقالاته في مختلف الصحف والمجلات التي يمكنها تخصيص محاور أو ملفات يومية أو أسبوعية لقضية التعليم وآفاق تطويره وإصلاحه.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات