ومن الناس من يعبد الله على حرف


في كل جيل من عصور الأمة جيل يزن العقيدة بميزان الربح والخسارة، وكأنه يظنها صفقة في سوق التجارة، إن الإسلام الممثل بالعقيدة والعبادة والمعاملة وغيرها، ركائز ثابتة في حياة الإنسان المؤمن، تموج الدنيا من حوله فيثبت كالجبل الراسي على دينه القويم، مهما تجاذبته الأحداث والوقائع، تتهاوى من حوله القواعد الهشة، ولكن يستند إلى ركن شديد لا يحول ولا يزول.

إن قيمة الإيمان بالله عز وجل في حياة المؤمن لا تقيم بمال مهما عظم، حتى لو فتحت له أبواب الدنيا من كل جانب، فإن في أعماقه من الحصانة الإيمانية والخلقية، ما تدفعه أن يعلو على هواتف المغريات المادية والاجتماعية، لأن الإيمان انعقد في قلبه، واختلط بدمه ولحمه، فهو السند والمحرك الحقيقي الذي لا يخضع للمساومة، ولأن غاية المؤمن مرتبطة بنيل رضوان الله عز وجل، يجسد هذا ما يصدر منه من أقوال صادقة وما يمارسه من أفعال لا تتعارض مع قيم الحق والعدل ، وما يتخلق به في علاقاته ومعاملاته مع نفسه والآخرين من أخلاق إيمانية هي من غراس العقيدة، لأنها الحمى الذي يلجأ إليه، والسند الذي يستند عليه، يدرك المؤمن قيمة الإيمان بالله حين يرى الحيارى الشاردين من حوله، تتجاذبهم الرياح، وتتقاذفهم الزوابع، ويستبد بهم القلق، بينما الإنسان المؤمن مطمئن القلب بعقيدته، ثابت القدم، هادئ البال، موصول بالله مطمئن بهذا الاتصال.

تحدث القرآن العظيم عن صنف من الناس يجعل العقيدة صفقة في سوق التجارة، قال عز وجل:ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به، وقال:إن الإيمان خير، فها هو ذا يجلب النفع، ويدر الضرع، وينمي الزرع، ويزيد بربح التجارة ،ويكفل الرواج ،ثم يكشف القرآن الكريم بعد ذلك عن طبيعة هؤلاء المأفونة بقوله :وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة، نعم خسر الدنيا بالفتنة التي أصابته، فلم يصبر عليها، ولم يتماسك قبالتها، ولم يرجع إلى خالقه عز وجل ليذهب البلاء، وخسر الآخرة بإنقلابه على وجهه، وانكفائه عن دينه، وانتكاسه عن الهدى الذي كان ميسراً له.

إن تصوير القرآن الكريم لمن يعبد الله على حرف من أدق وأجمل الألفاظ التي تصوره في حركة متأرجحة، قابلة للسقوط عند الدفعة الأولى،ومن ثم ينقلب على وجهه لأنه فقد بصيرته الهادية الى الطريق القويم.

إن حساب الربح والخسارة يصلح للتجارة، ولكنه لا يصلح لتثبيت العلاقة بين الإنسان وخالقه، فالدين حق يهذب النفس ويسمو بالعقل، ويزكي الجوارح، ومنه يتلقى الإنسان المؤمن الهدى والنور، وهو يسكب في أعماق الفؤاد الطمأنينة والراحة والرضى، قال الله تعالى: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب، والمؤمن بالله يعبد ربه شكراً له على الهداية، وعلى اطمئنانه للقرب منه والأنس به، فإن كان هناك جزاء فهو فضل من الله ومنة، استحقاقاً ومكافأة على التمسك بالعقيدة الصافية، قال الله تعالى: إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم.

المؤمن لا يجرب ربه، فهو راض ابتداء لكل ما يقدره له، مستسلم ابتداء لكل ما يجريه عليه، راض بكل ما يناله من السراء والضراء، وليست هي صفقة في السوق بين بائع وشار، إنما هي إسلام المخلوق للخالق، صاحب الأمر فيه، ومصدر وجوده من الأساس.

والذي ينقلب على وجهه عند مس البلاء يخسر الطمأنينة والثقة والهدوء والرضى من ربه عز وجل، إلى جوار خسارة المال أو الولد أو الصحة، أو أعراض الحياة الأخرى، التي يفتن الله بها عباده هذا في الدنيا، ويخسر الآخرة وما فيها من نعيم وشرف وكرامة عند الله عز وجل، لأنه انصرف إلى غير خالقه، وانغمس في متع الحياة الدنيا، وعبادة الأشخاص والمصالح والأهواء على طريقة الجاهليات المتناثرة في كل زمان ومكان.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات