الا يكفينا بالموت واعظاً ؟


كل شئ تغير في هذه الايام العجاف , حتى فقدان عزيز لم يعد يؤثر فينا , ومقولة يكفيك بالموت واعظاً باتت عبارة تخترق مسامعنا كمقطع من اغنية عابرة.

يوم بعد يوم اشعر ان الموت بات طقوساً , ليس فيها من الاتعاظ شئ . لم يعد له هيبة ووقار نعم كان للموت هيبة ووقار , اذكر عندما كنا اطفالاً , ويموت احد في الحي , يمكن ان نعرفه او لا نعرفه , كان والدي يجبرنا على اغلاق الراديو والتلفاز , ويمنعنا من الضحك بصوت مرتفع احتراماً للميت واهله الذين لا نعرفهم , فما بالك من تعرفه .

كانت الافراح تلغى في الحي اذا توفي احد فيه , وكان الحزن يسود الجميع بفقد من توفاه الله
وكانت المحلات تغلق اثناء مرور الجنازة التي كانت تُحمل على الاكتاف , وكان الكل يشارك في حمل المتوفى ودفنه .

وكان الصمت والوجوم سيد الموقف على المقبرة , الكل يقف خوفاً وخشية من الموت , هذه المصيبة , التي ما بعدها مصيبة , والتي يتوقف فيها العمل بخيره وشره , ويكون الوداع الاخير للدنيا .

واذكر كان الاقارب والاصدقاء والجيران يتناوبون في اطعام اهل المتوفى لثلاثة ايام , وكان التنافس على اشده لاستظافة اهل الميت وقبولهم الدعوه للغداء او العشاء بعد الدفن .

اما الان بات انشغالنا بمراسم الدفن , وتأمين الغداء وتجهيز الصيوان او الديوان وتوفير ما لذ وطاب من الاكل والحلوى والشراب والتي تعتبر من اولى الاولويات لاهل الميت , قبل غسل ميتهم وتكفينه .

هل هذه هي سنتنا الحنيفة التي امر بها نبينا ؟

لا والله كلها بدع وظلالات نحن بغنى عنها , ويجب على رجال الدين والاخيار من ابناء الامة محاربتها , وتمثل السنة الحقيقية التي كان ينتهجها السلف الصالح .

الذي دعاني للكتابه في هذا الموضوع اني ودّعت اليوم احد الاصدقاء الاعزاء على قلبي , انتقل الى الرفيق الاعلى اثر جلطه دماغية , كان رجلاً تقياً ورعاً محافظاً على الطاعات , وكان يملُك صوتاً جميلاً , وقد صدح صوته بالاذان في اغلب مساجد الزرقاء وعمان , كان يشارك بقراءة القران والدعاء للاموات في بيوت العزاء , لم تفارق البسمة محياه , كان دائم التسبيح ذاكراً شاكراً لله , وكان وجهة بهي وضّاء بالايمان , حتى بعد موته عندما ودعته كان وجهه منيراً باشاً رحمه الله , وهذا من دلالات حسن الخاتمة .

الذي استفزني في هذا المقام ان الناس اثناء الدفن يتجاذبون اطراف الحديث , والبعض يدخن , وحدث ولا حرج على دوي رنات الاجهزه الخلوية التي تقطع رهبة الموقف بنغمات متعدده , والانشغال بالاتصالات , حتى ابن المتوفى للاسف الشديد كان طيلة فترة الدفن وهو مشغول بالهاتف , والسؤال اي موقف اكبر من دفن ابيك يلهيك بالاتصال , مهما كان الغرض من الاتصال !

لقد فقدنا الكثير من ثوابتنا الدينية وقيمنا وعاداتنا واخلاقنا الحميده في مواقف عده , وباتت الدنيا مبلغ همنا , ولم يعد الموت يستوقفنا لمراجعة حساباتنا مع انفسنا وخالقنا . ونسينا ان الموت اكبر مصيبة تصيب الانسان لقوله تعالى (( فإذا ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت )) .

رحم الله امواتنا جميعاً , واحسن خواتيم اعمالنا , وانا لله وانا اليه راجعون .



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات