ضرائب في بلاد العجائب


ايهاب سلامة - تفتحُ عينيك صباحاً، مستفيقاً من كابوس مرعب رأيت فيه سنحة مسؤول حكومي يبشرك برفع جديد للأسعار والضرائب .. لتبدأ يومك المنهك وذاك الوجه السقيم عالق صوب عينيك يطاردك .. متمنياً لو أصبت بفقدان ذاكرة على حين غرة ..

حين يكون مصدر دخلك متأتياً من راتب شهري عليل هزيل، ﻻ يفيك أكلك وعيالك ، ويقتطع منه عشرات الضرائب والرسوم والغرامات والمخالفات والفواتير .. ويفترض بما يسمى مجازاً "راتبك"، أن يكفي سداد أجرة بيتك، وفواتيرك، واقساط بنوكك الدائنة التي اخضعتك لجزية القرن الحادي والعشرين، تكون المعادلة الحياتية التي تخضع لها كمخلوق بشري غير قابلة لكل القياسات والحسابات المنطقية وغير المنطقية ..

حين يفترض براتبك المصاب بالرعاف، والجفاف، ان يكفي سداد فواتير مائك وكهربائك، واطعام اسرتك وشربهم وعلاجهم، وتبريدهم صيفاً، وتدفئتهم شتاءاَ.. ويكفيك لو يكفيك، مصاريف تعليم اوﻻدك ومدارسهم، وشراء ملابسهم، ووقود مركبتك ان كان عندك واحدة خردة، وتصليحها وترخيصها وترخيصك، ودفع مخالفاتها ومخالفاتك، تكون مواطناً خارقا للعادة، لم تلد مثلك وﻻّدة ..

حين تجبي الحكومة مما تسميه "راتباً" .. ضرائب خيالية على "مسقفاتك"، ونفاياتك، واتصاﻻتك، وربما همساتك، تكون قدرة المواطنين على التنفس حتى اللحظة، ضرباً من ضروب اﻻستحالة ..

عندما تُفرض الضرائب العالية حتى على سجائرك التي تلوذ رئتيك لدخانها هرباً من حرق أعصابك بأخبار تسم بدنك، وتدفع ضريبة على صحن الفول وحبات الفلافل، ان جلست انت والمحروسة أم العيال في مطعم شعبي بمشوار أرغم عليه جيبك .. ويترصدك رقيب السير خارجاً لاقتتاص مخالفة لمركبتك المهلهلة .. تفكر حينها بطلاق أم العيال، وتلعن الساعة التي رأيت فيها وجه الشيخ الذي عقد قرانك ..

مِنَ المسخوط الذي يسمى راتباً .. يتوجب عليك دفع ضريبة مبيعات حتى على فنجان قهوة تحتسيه في كافيه، وأخرى على نفس النرجيلة، وكوب الماء.. وﻻ تفلت من ضريبة المبيعات حتى على ملابسك الداخلية المستوردة من "كوانزو" .. فتشعر حينها أن قيمتك تساوت.. بثمن حذائك

ان فكرت في لحظة حماسة أن تفتح فاك المغلق، ستدفع، فالكلمة حتى الكلمة طالتها يد الضريبة وأية ضريبة، وان خطت اصابعك حرفاً يطال مسؤولاً فاسداً، ستدفع ضريبة على بوحك، وتقضي ليلتك في المكان الذي كان يفترض أن ينام فيه من شتمته وانتقدته ..

انت في وطن، ان تزوجت فيه تدفع .. أو طلقت تدفع .. إن ورِثت تدفع، أو وُرّثت تدفع .. لهوية اﻻحوال تدفع.. لجواز سفرك، لشهادة ميلادك.. وفاتك.. انت تدفع الف مرة في الشهر، من راتب تقبضه مرة !

انت مخلوق في هذا الوطن فقط لتدفع .. حتى اذا لفظت انفاسك الأخيرة وتوهمت أنك فلتّ من جباية الحكومة أنت مخطئ .. حتى القبور في بلادنا لها ثمن !



تعليقات القراء

محمد المحمود
أخ ابكيتني والمتني
25-10-2017 08:54 PM
لا ارغب بالكتابه
والله كفيت ووافيت عشت أستاذ ايهاب
25-10-2017 09:06 PM
ابو العبد.
ابدعت
واحسنت القول

اخ ايهاب
لقد لخصت حياة المواطن
وقلت الصواب
بارك الله بك
25-10-2017 09:28 PM
رمال...
الله يهديك يا استاذ... قال حتى القبور بمصاري.... لا بدك نموت وما ندفع... بدنا ندفع وغصب عنا مو بكيفنا...

ابدعت استاذي...
25-10-2017 10:59 PM
HomeAlone
نفسي اعرف، المسؤولين اللي عنا بيقرؤوا هيك مقالات والا ما الهم علاقة...
25-10-2017 11:11 PM
د حسن محاسنه
وصف وتشخيص دقيق وقد ابدعت
25-10-2017 11:45 PM
فلسطينيه
ذكرتني بجملة شهيرة في مسرحية ساخرة
كله هات هات ومفيش خود
26-10-2017 12:18 AM
صالح العزة
لقد ابدعت وابدعت
26-10-2017 05:05 AM
اردني مهاجر
الحمد لله على نعمة الهجرة وجواز السفر الامريكي..بندفع ثلث دخلنا ضرائب بس عايشين ملوك...
26-10-2017 07:44 AM
عماد العبوشي
كفيت ووفيت استاذ ايهاب فعلا لخصت حياة المواطن
26-10-2017 08:22 AM
متصدق اردني
استاذي الكريم يسعد صباحك نحن شعب نؤثر ولو بنا خصاصه هذه لست ضرائب هذه صدقه فقراء الاردن على اولياء امرنا فلا تحرمنا الاجر بارك الله فيك
رد بواسطة لعنهم الله
والله صحيح
26-10-2017 08:59 AM
مواطن مسكين
على الوجع
26-10-2017 09:42 AM
طفران
والله حالتي مثل ما حكيت تماماً
26-10-2017 11:01 AM
العفيف
تسلم استاذ ايهاب حيث لخصت واقع الحال باصدق وا اأوضح صوره فشكرا لك واقتبس فقط ....(ان فكرت في لحظة حماسة أن تفتح فاك المغلق، ستدفع، فالكلمة حتى الكلمة طالتها يد الضريبة وأية ضريبة، وان خطت اصابعك حرفاً يطال مسؤولاً فاسداً، ستدفع ضريبة على بوحك، وتقضي ليلتك في المكان الذي كان يفترض أن ينام فيه من شتمته وانتقدته ..)

انت مخلوق في هذا الوطن فقط لتدفع .. حتى اذا لفظت انفاسك الأخيرة وتوهمت أنك فلتّ من جباية الحكومة أنت مخطئ .. حتى القبور في بلادنا لها ثمن !
26-10-2017 02:54 PM
مواطن يتالم
دخيل رب المواطن الاردني الله يعينه
26-10-2017 02:58 PM
تيسير
احسنت أخ ايهاب لخصت واقعنا بشكل جميل
27-10-2017 12:23 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات