لمن يقلقه رغيف الخبز


جدل كبير بالشارع الاردني في جميع مستوياته الافقية والعامودية وصل حد التراشق الاعلامي وتسجيل المواقف وتعدد الاجتهادات والافكار والتوجهات والطروحات حتى لدى اصحاب القرار أنفسهم حول موضوع رفع الدعم عن السلع وتوجيهه للمواطنين مباشرة وحول الغاء الاعفاءات الضريبية وملاحقة التهرب الضريبي قبل استقرار الحال على تمرير قرارات صعبة وفقا لما يستشف من الترويج الاعلامي تحت بند ( الاعتماد على الذات ) ..

ما تدركه المؤسسات الاستراتيجية في الدولة الأردنية ان حملة الترويج الاعلامي الحالية للقرارات غير الشعبية المتوقعة لن يكون بمقدورها اقناع فقير واحد بالاردن على ان الحكومة لا تسحب اللقمة من فمه لتضعها في خزينة باتت غالبية الشعب ترى بأنها مثقوبة كما تدرك تماما بأن لهذه القرارات آثار وتبعات أمنية كبيرة يستوجب التعامل معها جهودا مضاعفة لاسباب ليست محل بحث او تحليل هنا ..

حملة أعلامية وأخرى مضادة من الخصوم التقليديين للسلطة التنفيذية ، اما الخصم الأهم المحتمل هو المواطن الأردني العادي الذي يأنف من الوقوف على طوابير البنوك لتقاضي تحويل الدعم من السلعة للأنسان الأردني مباشرة لشعور عميق بالمساس بالكرامة الشخصية ولوجود فجوة ثقة واضحة تراكمت عبر تاريخ طويل من التجارب مع الحكومات السابقة ستدفع ثمنها هذه الحكومة ولو كانت ملائكة منزلة فالرأي العام المتراكم لن ينفع معه لا حملة اعلامية ولا عشرة ..

بشكل مباشر نقول أنه لا توجد أي قيمة أقتصادية مضافة اذا قامت الحكومة برفع الدعم عن سلعة مثل الخبز وتحويل الوفر الى المواطن بشكل مباشر ولا يمكن بحال وصف هذه العملية سوى انها غير منتجة ولا تحقق شيء للمواطن الأردني سوى دنانير معدودة ينشأ عنها عمليات صرف عادية على الاحتياجات الذاتية بمعنى ( وكأنك يا ابو زيد ما غزيت ) فما الذي سيفعله الاردني بهذا المبلغ المتواضع اذا جرى تقسيمه على عدد ايام السنة الواحدة وما الذي سيضيفه للاقتصاد الوطني !!!؟؟؟

اذا أردنا اجراءا منتجا يخدم الحالة الوطنية فلابد ان نغير منهجية وطريقة التفكير الاقتصادي بتصحيح خطأ الدولة الاستراتيجي التاريخي المتمثل بربط المواطن بالوظيفة واعادة توجيه الاقتصاد نحو ربط المواطن بالتنمية واذا اردنا ان نواجه ما يسمى بنظرية الحقوق السياسية المنقوصة التي يتبناها البعض المستفيد فلابد ان ننطلق من نظرية الحقوق الأقتصادية المنقوصة لتوجيه الصراع نحو الملف الاردني الحقيقي وهو الملف الاقتصادي ومعالجته بطريقة يلمس الأقل حظا أثرها في حياته اليومية ..

المطلوب .. وضع عوائد توجيه الدعم في مكانها الصحيح وعكسها على شكل تنمية في الأطراف وجيوب الفقر والاماكن الأقل حظا من التنمية وفتح الباب امام صناديق شعبية مستحدثة تقوم بعملية التنمية والتشغيل ومكافحة الفقر والبطالة من خلال انفقاها على المشاريع التنموية تطبيقا للنظرية الصينية ( لا تعطي فقيرا سمكة كل يوم بل علمه الصيد ) ولدينا تجربة في اشتراكية الضرر والمنفعة بهذا الاتجاه كانت ناجحة جدا اسميناها فلس الريف أدت لوصول الكهرباء لكل بقعة من بقاع الوطن مهما كانت نائية ..

التوجه أعلاه ينسجم تماما مع التوجهات والتوجيهات الملكية السامية والتي تسعى لأعادة تنمية الاطراف وخلق فرص العمل من خلال المشاريع الكبيرة والمتوسطة التي تعيد بناء الاقتصاد الأردني في مجالات الزراعة والصناعة والخدمات ودليل هذا التوجه الملكي قوانين اللامركزية والبلديات واجراء الانتخابات بهذا المعنى وانشاء صناديق مثل صندوق تنمية المحافظات ..

الجهة المقبولة وفق التراث الشعبي والحضاري والمؤهلة لاستلام زمام هذا الملف ليصار الى ضخ العوائد فيه هو صندوق الزكاة الأمر الذي يستوجب اعادة تموضع الفكرة من حيث النظر الى هذا الصندوق بوصفه في حقيقته وجوهره القرآني أداة اقتصادية لا أداة دينية فقط ، وبالطبع فأن ذلك يستوجب بالضرورة تعديلات تشريعية ينشأ بموجبها مؤسسة وطنية عامة محصنة بفقه فكري جديد لا يجوز ان يغيب عنه معالجة الاختلالات التاريخية فيما بين الشخص الطبيعي والشخص الاعتباري لتوسيع نطاق المشاركة بالاستناد لفقه المصلحة واينما تكن المصلحة العامة فثم شرع الله وكذا الحال بالنسبة لمؤسسات اخرى وصناديق تنموية موازية مثل الوقف ولزوم اعادة هيكلتها ومواءمتها مع مصلحة الأمة لتشق طريقها غير التقليدي نحو التنمية الشعبية ..

رسالة اخيرة للمعنيين ، هذا الحل سيكون مقبولا لدى الناس اذا جرى ترويجه بطريقة تكتيكية واعلامية صحيحة بحيث لا يقع بالبراشوت من رأس الهرم نحو القاعدة بل العكس بحيث نبدأ فيه من القاعدة نحو رأس الهرم وفي اللحظة التي يصبح فيه مطلبا شعبيا يقوم صاحب القرار بالاستجابة وانزاله على ارض الواقع موضع التنفيذ ، فلا يجوز ان يكون حلا مقدما من قبل صاحب القرار نفسه ملقى على الشعب لأنه سيكون محلا للتشكيك والعبث والاسقاط قبل ان يتنفس ويرى النور بسبب فجوة الثقة المرعبة ..





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات