كل شيء أو لا شيء


أكثر الفلسطينيون مؤخرا من استخدام عبارة "عبارة كل شيء أو لا شيء" ، وهي عبارة على ما فيها من مدلولات "سلبية" تدفع عادة إلى وصف أصحابها بـ"العدمية" ، إلا أنها تعكس "نضج الخبرة" في المفاوضات والحوارات: المفاوضات مع إسرائيل والحوارات بين فتح وحماس.

السلطة تقول أن مفاوضاتها مع إسرائيل باتت محكومة بقاعدة "الاتفاق على كل شيء أو لا شيء" ، بعد أن سئمت الحلول الانتقالية والمؤقتة والجزئية المفتوحة على شتى الاحتمالات والانتكاسات والتراجعات ، ولقد كرر الرئيس محمود عباس ومن خلفه عدد من كبار المفاوضين وصغارهم هذه المقولة ، التي نأمل أن يجري الالتزام بها وصولا إلى الصفقة الشاملة.

قد يقول قائل ، وما يضيرنا إن نحن قبلنا الاتفاق على انسحاب إسرائيل من جميع أو معظم أراضي الضفة الغربية والقدس الشرقية ، مع تبادل محدود للأراض بنفس النسبة والمساحة والنوعية ، مع إبقاء مسائل اللاجئين عالقة ومعها مسائل أخرى من نوع "إنهاء جميع المطالبات" وإبرام "سلام شامل ونهائي" ، وترك الحسم بشأنها للصراع المفتوح واللاحق.

إن الجواب عن هذا السؤال ، يرد على ألسنة السياسيين الإسرائيليين كافة ، والذين هم بشهادة أصدقائهم وخصومهم على حد سواء ، ليسوا قوما من البلهاء ، ليقبلوا بالتفريط بروقة "احتلال الأرض" قبل أن ينتزعوا ورقة التخلي عن "حق عودة اللاجئين" وإنهاء جميع المطالبات الفلسطينية وإبرام سلام نهائي شامل ، غير قابل للطعن والنقض.

ولذلك ، ربما يكون من المصلحة الفلسطينية ، التمسك بمطلب الاتفاق على جميع ملفات الحل النهائي ، قبل إبرام صفقة الحل النهائي أو "الرزمة الكاملة" ، والسعي ما أمكن ، لتحسين شروط "الصفقة ـ الرزمة في مواضع عدة كالدولة والسيادة والمياه واللاجئين والمقدسات والبلدة القديمة".

في المقابل ، وعلى مسار آخر ، تستخدم حماس العبارة ذاتها: "كل شيء أو لا شيء" في حواراتها مع السلطة والرئاسة وحركة فتح ، فهي تريد صفقة شاملة أو رزمة متكاملة ، تشتمل على حلول لتداعيات انقلابها وإعادة بناء الأجهزة الأمنية وإعادة هيكلة المنظمة ، فضلا عن قضايا البرنامج السياسي وأشكال المقاومة والمعتقلين والجميعات والمؤسسات والانتخابات الرئاسية والتشريعية.

منطق حماس يقول: أن "عصفور السلطة المحاصرة في غزة" والذي تحكم القبض عليه في يدها ، خير من عشرات العصافير المحلقة فوق أشجار الضفة الغربية والمنطقة ، وهي مسكونة بيقين - أعتقد أنه صحيح وأنها محقة بصدده - مفاده أن السلطة (الإبنة) ليست في وراد إعادة بناء "أمها": منظمة التحرير ، وأن الأجهزة الأمنية تبنى الآن خارج معرفة فتح وعلمها ومشاركتها ، فكيف سيكون لحماس "قول" في إعادة هيكلتها ، وأن ما هو مطلوب منها - أي حماس - تقديمه ، واجب النفاذ فورا وبالجملة ومن دون إبطاء ، في حين أن المطلوب تقديمه من فتح ، مؤجل وبالتقسيط ومتروك للجان والمماطلات والصدف.

انعدام الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين قاد فتح والسلطة والرئاسة إلى رفع شعار: "كل شيء أو لا شيء" ، وسط ترحيب من الأوساط السياسية الشعبية والأهلية ، في المقابل فإن انعدام الثقة بين فتح وحماس قاد الأخيرة إلى استعارة الشعار ذاته: "كل شيء أو لا شيء" ، ولكن وسط انتقادات فتح والسلطة والوسطاء العرب.

وفي ظني أنه ما لم تقنتع فتح ويقتنع الوسطاء العرب ، بنظرية "الرزمة الكاملة" فإن أحدا في حماس لن يكون متحمسا للحوار والمصالحة ، وستراوح جميع الوساطات والمساعي الحميدة في المربع ذاته.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات