يا مولاي : قد ضاق الوطن


سيدي ومولاي

الناسُ تصرخ من كهوف الظلم ،والأيام موحشة حزينة ،في كل بيت صرخةٌ ،وعلي وجوه المواطنين تُطِلُّ أناتٌ دفينه، والجوعُ وحش كاسرٌ كالنار يلتهم الصغار ،ويستبيح الناس ،يعصف بالقلوب المستكينة ،وصرخةُ الشرفاء بين يديك عاجزةٌ سجينة.

الشعبُ بين يديك يا مولاي قد ضاق بنفسه وكره الحياة وملَّ دنياهُ الحزينه ،شعبك ضائعٌ في الليل ،يخشي أن ينام في الجوع ،لا أحدٌ ينام في الخوف ،لا أحد ينام في الحزن ،لا أحد ينام...

سيِّدي ومَولايَ : إنَّ على بابِكَ نِيرانًا تتأجَّجُ مِنَ الجُورِ، فأطفِئْهَا يا مولاي بِماءِ حِكْمَتِكَ ، قَبلَ أنْ تَضْطَرِمَ وتصبحَ حَريقًا ، يَلْتَهِمُ الأخضرَ واليابسَ ، ومَرَدُّ ذلك ، ضَعفُ السِّياسَاتِ الحُكوميَّةِ وتخبُّطِها، فلا زِلْنا نَعِيشُ إلى اليومِ نَفسَ المَناخِ ، الذي لا يَحملُ في طيَّاتِهِ أيةَ عَواملَ لِلتَغِييرِ ، والذي يُفيدُ أنَّ الحالةَ التي يمرُّ بها بلدُنا الحَبيبُ في الوقتِ الرَّاهنِ حاَلةٌ غيرُ صحيِّةٍ بالكاملِ .

لا يُجَادِلُ أحدٌ في أنَّ الحُكوماتِ المُتعاقبةِ ، قد تقاعَستْ عن أداءِ وَاجبِها ، وفقدتْ مُعظمَ هَيْبَتِهَا في النفوسِ ، بسبب العجزِ الناتجِ عن عَدمِ تحديدِ المسؤوليةِ والاضطلاعِ بها كاملة غير منقوصة ،وعجز جهازها الإداريِّ المُضطَّرب مِنْ أنْ ينهضَ بحاجاتِ الشعبِ ،أو أنْ يؤدِّيَ للناسِ عملاً.

سَيِّدي وَمَوْلَايَ : إذا كانَتْ قدْ مَرَّتْ علينا أيامٌ كانَ فِيها الصَّمتُ هوَ المَوْقفُ الوحيدُ الأبيُّ والشجاعُ ، فالصَّمتُ الآنَ ذَنبٌ كبيرٌ ، لأننا نخوضُ مَعركةَ مَصيرٍ ضِدَّ كُلِّ قُوى الظلامِ ، بما تملِكهُ منْ ضَراوةٍ وشَراسَةٍ وهمجيِّةٍ ، والتي جَثَمَتْ على صُدورِنا كالكابوسِ ، وتَسللتْ إلى مَواقِعِ السُّلطة ، وأفسدَت علينا حياتنا .

إنَّ الذي يتفطَّرُ له القلبُ حقًا يا مولاي أنَّ "الشخصيِّة الأردنيِّة" لم يَعُدْ لها معالمٌ ، أو ملامحٌ تميِّزها ، أو تُشخِّصُها بفضْلِ هذهِ القُوى الظلامِيِّة ،لقد دُمِّرت الشخصيةُ الأردنيةُ ومُحِيَت معالمها ، بحيثُ لم يبقَ لها أيُّ مَزِيَّةٍ تعرف بها .

سيِّدي ومولاي: شعبُك الأردنيُّ يعيشُ كابوسًا مُرعبًا ، ينزِلُ عليه كلَّ يومٍ وهو تغلغلُ الفسادِ ، ونفوذُه مِنَ الجلدِ إلى الَّلحمِ والعظْمِ ،الذي من عيونِهِم سَلبَ الضِّياء ،شعبُكَ يَجوعُ يا سيِّدي ،حتي الصغار تشردوا بين الأزقة يبحثون عن الطعام ،والحيتانُ والهواميرُ يشكونَ زحمةَ التخمةِ ، ولا يشْبِعونَ أبدًا ، هُمُ كجنَّهم كُلَّما قِيِلَ لها : هَلْ امتلأتِ فتقولَ : هلْ منْ مَزيد ؟.

فليسَ واردٌ في مَنْطِقِ العَقلِ والنقلِ ، أنْ تظلَّ ثلَّةٌ من اللصوصِ والحراميِّةِ تصولُ وتجولُ ، تمارسُ التخريبَ والتدميرَ لمقدراتِ الوطنِ ، "والمواطن هو من يدفع الفاتورة" في ظل حكومة تعيشُ صمتَ القبورِ ، الذي مِنَ المفروضِ أنَّها حكومةٌ ذاتُ نهجٍ إصلاحيٍّ ، وأنَّها حققت كما تدعِي بعضَ الانجازاتِ في سبيلِ القضاءِ على الفسادِ من دونِ أنْ نرى واحدًا قدْ صَدرَ بحقِّه حكمًا ، مِمَن نهبَ خيراتِ الوطنِ ، وحَوَّل المُواطنَ إلى شَحَّاذٍ على أبْوَابِ المَساجِدِ والإِشاراتِ الضَوْئِيةِ .

لقد سبق وقلت يا سيدي للمسؤولين بالحَرْفِ: ( الشَّعبُ تعبَ من الوعودِ، وتعبَ مِنَ الحديثِ عنِ الفَسادِ، ولمْ نرَ فاسِداً واحداً وراءَ القُضبانِ ، وخاطبتَهم قائلاً :لا غِطاءَ لفاسِدٍ مهما كانَ ومين ما كان، وقلتَ : العدلُ هو أساسُ الحكمِ ،وخاطبتَ رئيسَ الحكومةِ ،ورئيسا مَجلِسِ الأعيانِ والنوَّابِ: يجبُ وضعُ التشريعاتِ لجعلِ الفاسدِ يكونُ بين يديّ القضاءِ ،وعدمِ المماطلةِ بتحويلِ مَنْ تثبتْ عليهِ تهمةُ الفسادِ ما بينَ مكافحةِ الفسادِ، ومجلسِ النوَّاِب، والحكومةِ ) والجالسون على "الكراسي" في عناد.

مولاي: إنَّ استقامةَ الأوضاعِ الاقتصاديَّةِ ،واستقرارَ العدْلِ الاجتماعيِّ ،ومُحَاكمَةِ الفاسِدين ،واسترجاعِ ما سَلبُوهُ أمرٌ في غايَة الأهميِّة ،فإنَّ الأوضاعَ الاقتصاديَّةَ المُعْوَجَّةَ ،وشيوعَ الظلمِ الاجتماعِيِّ ، واختصاصَ قلَّةٍ بالتمرٍ ،وكثرةٍ بالنَّوى ،وتقديمَ مَنْ يستحقُّ التأخيرَ ،وتأخيرَ مَنْ يستحقُّ التقديمَ ،مِنْ شَأنِ هذا كُلِّهِ أنْ يشيعَ كثيرٌ مِنَ الأمراضِ الاجتماعيَّةِ التي بَدَتْ تظهرُ للعيانِ ،مثل : الغِيبَة والنميمة وسوء الظنِّ والملقِ والنفاقِ وازدواجِ الشخصيَّةِ وعدمِ المبالاةِ وإهمالِ الواجباتِ والذلِّ والانحناء والسلبيَّة والتحاسدِ وعدمِ الحرصِ على المالِ العامِ .

فكمْ تتلوثُ الحياةُ ، ويختلُّ المجتمعُ إذا شمَّ الشعبُ رائحةَ الفسادِ تنتشرُ ،وقد أشارَ النبيُّ – صلى الله عليه وسلم – إلى ذلك حينما قال لأحدِ الآباءِ ،وقد خصَّ أحدَ أبنائِهِ بشيء من ماله: (أتحبُ أنْ يكونَ أبناؤكَ لك في البرِّ سَواءٌ ؟ قالَ : نَعمْ ، قالَ : فَسَوِّ بينَهم ،وقالَ : اتقوا اللهَ واعدِلُوا بينَ أوْلادِكُم ).

ومعنى هذا أنَّ التميِّيزَ بينَهم فيما يستحقّون من عطاءٍ يُولِّدُ العقوقَ ،كما يورثُ التحاسُدَ – من جِهةٍ أخرى.

حفظَكُم الله وسدد على طريق الخير خطاك



إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات