صبراً آل عمَّار


عمَّار ؛ لم يمُتْ برصاصةٍ طائشةٍ من مسدسات العيد ، ولم يسقط عن أرجوحةٍ خشبيةٍ في حدائق الفرَح المعلّقة ، ولم يغتاله مذاق السُّكَّر في كعك العيد المُحلّى ، ولم يكنْ من ضحايا الحلوى المُفخّخة باللوز ، ولم تُخلِفْ عروس العيد موعدها معه فأردته قتيلاً ، ولم يكنْ يرتدي بزّةً عسكريّةً صغيرةً فتوهّمته خفافيش الموت وإلتهمته . عمَّار ؛ لم يخفْ من أنْ يشاهد الفرَح في وجوه الأطفال ، بل كان خائفاً أنْ يُبصر الأطفالُ مراجيح الدمعِ المتهالكة في وجهه ، كان خائفاً أنْ يرحل العيد دُونَ عطايا ، فقدّم روحه وجسده الصغير أعطيةً للعيد الكبير ؛ عمَّار ليس ذبيح الموت بل ذبيح الفرَح .


هذا الطفلُ اليمني العربي الذي بالكاد بلغ من عُمْر الورد أوله ، متى أدرك أسرار الموت وطرقه ومطارقه وطرائقه ؟!! ، متى صارَ رجلاً كبيراً حتّى صارت ورود النعمان شقائقه ، متّى صار الدمُ عُلبة ألوانه وصارت مشانق السقف مراسمه ؟!! ، في أيّ صفٍّ فرضوا عليك واجبَ الموت وجعلوا منك تلميذه ومدارسه ؟!! ، يا ابن ابراهيم الذي أقام في قلبي مذابحه ، لا تحملوا الطفلَ على الأكتاف بل سيراً أتركوه يمشي بثياب العيد صوبَ مدافنه ، واتركوا الأطفال فقط يكبّرون في جنائزه ، فالله لن يسمع أصواتنا وصوت الله عاليةٌ مسامعه ، فالأطفال أنقى وأصفى وعندَ الله خَيْرٌ وأبقى هم ذنبنا والله قاهره ، يا صغيري ؛ خُذْ جلدي سُترة جلدٍ للحمِكَ ، وخُذْ قلبي حذاءً لقدمك الصغيرة يا صغيري ، وخُذْ بندق عيني حشواً لمسدسك حُلمك ، وخُذْ ثلاثينيّة عُمْري أعطيةً في محفظة عيدك ، أهٍ كم نحن صغاراً أمام طفولتك الكبيرة يا عمَّار .


إلى الذين يعملون في خِراطة مفاتيح الجنَّة والنار ، إلى الذين عيّنوا أنفسهم حرّاساً على أبواب الله ، إلى الذين يبيعون تذاكر الرحمة والعذاب في شبابيك السماء أقول : الأمر كلّه لله وحده ، متى مات أحدهم صرتم زبانيته ، صرتم حفظةً للوحه المحفوظ ، صرتم مُلَّاكاً لجِنان الرحمن وهُلَّاكاً بالآء الله تُكذّبان ، لم تتركوهم يعيشون بسلام ، فاتركوهم يموتون بسلام ، عمَّار لم يشنق نفسه بقطعة قماشٍ ، بل شنقته موائدنا الضخمة ، وأطباق الأرز واللحمة ، وثيابُ أطفالنا في أيام العتق والرحمة ، وربطات العُنق لأصحاب المعالي والسعادة والتُخمة ، إلى الله مضى وهو لا يعرف عن الموت إلاّ إسمه ، بحثاً عن ثياب العيد.


عمَّار ؛ ليس مجرّد طفلٍ عربي منكوبٍ في اليمن ، ففي كـــلّ طفلٍ لم يكمل تعليمه هناك عمَّار ، وفي كـــلّ طفلٍ تجوّل باكراً بحثاً عن لُقمة العيش هناك عمَّار ، وفي كـــلّ طفلٍ فقد والده صبيحة حربٍ هناك عمَّار ، وفي كـــلّ طفلٍ شوّه العُنف الأُسَري وجه دُميته هناك عمَّار ، وفي كـــلّ طفلٍ عانى ويلات المجاعات والحروب والفرح الرمادي والعنصريّة وإنعدام العدالة ، هناك طفل صغير يصرخ إسمه عمَّار

فصبراً آل عمَّار





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات