خيط رفيع يفصل بين النفاق ونكران الجميل


نكرانُ الجَميلِ مِن الأمراضِ الاجتماعيَّةِ التِي تتفشّى وتنتشرُ بينَ الناسِ ،وهي صِفَةٌ مذمومَةٌ تقشّعِرُّ لها الأبدانُ ،وهو دليلٌ على خِسَّة النفسِ وحقارتِها ،وهناكَ خيطٌ رفيعٌ يفصلُ بينَ النِفاقِ والكفرِ بالنعمةِ ،وبينَ نُكرانِ الجميلِ.

ويبدو لِي أنّ الأمرَ أخطرُ ممّا نتصورُ ،عندما يكونُ هذا النُكرانُ بحقِّ الوطنِ ،فأكثرُ مَا يثيرُ العَجبَ في هذهِ الأيامِ ،ذلكَ الجحودُ الذِي يلقاهُ الأردنّ ،ليسَ مِن المختلفِين معَه أو الطامِعينَ فيهِ ،أو الحاقِدينَ عليهِ ،بلْ مِن الذين عاشُوا على مَوائِدهِ ،ونمَتْ لحومُهُمْ وشحومُهم ودماؤهم ،وارتفعتْ قاماتُهم مِن خيراتِ هذا الوطنِ ،على أساسِ أنّهم أبناؤه وأنّ واجبَه عليهم ردُّ الجميلِ ،لكنّهم تنكّروا لهُ ،وبدءوا يتحدثون خِطابًا ،هم يعرفون قبلَ غيرِهم ،أنّه خطابٌ ظالمٌ كاذبٌ غاشمٌ ،يقتضِي منهم الكَذِبَ وقلبَ الحقائقِ والزورِ والبهتانِ.

فَإِنْ كَاْنَ نُكْرَاْنُ اَلْجَمِيْلَ كَبِيْرَةٌ مِنْ كَبَاْئِرِ اَلْذُّنُوْبِ ، فَهُوَ لِهَذِا الوطن أَكْبَرُ وَأَخْطَرُ ، يُنْكِرُوْنَ فَضْلَهَ ،وَيُجَاْزُوْنَهَ بِمَاْ لَاْ يَلِيْقُ بِهَ وَلَاْ بِسُمْعَتِهَ وَلَاْ بِأَهْلِهَ ، وَلَا بِأَمْنِهَ وَلَاْ بِمَبَاْدِئِهَ وَقِيَمِهَ وَأَخْلَاْقِهَ ،وَعَلَىْ رَأْسِهِمْ اَلْغُلَاْةُ وَاَلْجُفَاْةُ، اَلَّذِيْنَ يَجْحَدُوْنَ فضله ،وَيَبْذُلُوْنَ مَاْ بِوُسْعِهِمْ لَجَرِّ هَذِا اَلْبِلَدِ إِلَىْ مَاْ اِنْجَرَّ إِلَيْهِ غَيْرُه ،لهْدِم ثَوَاْبِته ،وَالقْضاء عَلَىْ قِيَمِهَ ومبادئهِ ،وَبالفْسِادِ فِيْ أَرْضِهَ، وَالعْبَثِ بِمَاْ حَسُنَ مِنْ عَاْدَاْتِهَ.

إنّ مِنَ الصُعوبَةِ بمكانٍ أنْ يكونَ ناكرُ الجميلِ سويّاً في نفسِهِ ،أو مُستقيماً في سلوكِه وطبائِعهِ ،ما ينعكسُ بالدرجة الأولى على ذاتِهِ وشخصيّتِهِ وعلاقتِهِ معَ غيرهِ ،فينفضُّ الناسُ مِن حولِهِ ،بعدَ أن يكتشفوا حقيقةَ مرضهِ الدفين في نفسِهِ.

قال المتنبي " إذا أنتَ أكْرَمْتَ الكَرِيمَ مَلَكْتَهُ -وإنْ أنتَ أكْرَمْتَ اللئِيمَ تَمرَّدا)

وهذه قصّةٌ تدلُّ على ما ذكرْنَا مِنْ نُكرانِ الجميلِ ،يُقالُ :إنَّ ملكاً أمرَ بتجويعِ كلابٍ لكي يضعَ كلُ وزيرٍ يُخطِئُ معَها في القفصِ ، فقامَ أحدُ الوزراءِ بإعطاءِ رأيٍ خاطئ فأمرَ الملكُ برميهِ للكلابِ ، فقال لهُ الوزيرُ : أنا خدمتك 10 سنواتٍ وتعمل بي هكذا ، أرجو أن تمهلَنِي 10 أيامٍ ، فقالَ لهُ الملكُ : لك ذلك ،فذهبَ الوزيرُ إلى حارسِ الكلابِ فقالَ لهُ : أريدُ أنْ أخدمَ الكلابَ 10 أيامٍ فقطْ ، فقالَ لهُ الحارسُ : وماذا تستفيدُ ؟! قالَ لهُ الوزيرُ : سوفَ أخبِركَ بالأمرِ مستقبلاً ،فقالَ له الحارسُ : لكَ ذلكَ ،فقامَ الوزيرُ بالاعتناءِ بالكلابِ وإطعامِها وتغسيلِها وتوفيرِ سُبُلِ الراحةِ لهَا ، وبعد مرورِ 10 أيامٍ جاءَ تنفيذُ الحُكمِ بالوزيرِ وزجَّ به في القفصِ معَ الكلابِ ، والملكُ ينظرُ إليهِ والناسُ كذلِكَ ، فاستغربَ الملكُ ممّا رآهُ، فالكلابُ جائعةٌ ولكنّها لمْ تأكلْ الوزيرُ ، بلْ طأطأتْ رؤوسَها عندَ قدميهِ ، فسألَ الملكُ عنْ ذلكَ ، فقالَ الوزيرُ : خدمتُ هذهِ الكلابِ 10 أيامٍ فلمْ تنسَ هذهِ الخِدمةَ ،وخدمتُكَ 10 سنواتٍ فنسيتَ كلَّ ذلكَ ، طأطأ الملكُ رأسَهُ وأمرَ بالعفوِّ عنهُ. أرجُو أنْ تكونَ قصةً فيها مِنَ العِبْرَةِ ما فِيها ، يحفظُها كلُّ ناكرٍ للجميلِ .



إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات