قضية المهندسة الشيشاني وحاكمية القطاع العام


جراسا -

بقضية المهندسة هدى الشيشاني، تكون الحكومة قد أضافت الى سلسلة أخطائها المتوالية خطأ جديدا يضع علامة استفهام أمام النوايا الحقيقية لتطوير القطاع العام، وحول ما أدلى به دولة الرئيس في مقابلته المتلفزة الأخيرة من أن "عنوان المرحلة القادمة سيكون تطوير القطاع العام". وبإنهاء عقد السيدة الشيشاني تكون مصداقية هيئة النزاهة ومكافحة الفساد قد تهاوت بعدما أثبت القرار الحكومي أن الهيئة لا تملك من أمرها شيئا في مجال حماية المبلغين عن الفساد. فماذا يفيد الإعلان عن أن السيدة الشيشاني ما تزال تحت الحماية، وقد تم إنهاء عقدها؟ وهل سيقوم أي موظف حكومي بعد اليوم بالإبلاغ عن أي مخالفة ترتكب في مؤسسته؟ وبهذا الخطأ أيضا تصبح الحكومة أحد أسباب هروب المستثمرين الذين سيتساءلون عما إذا كانت الجهود الرسمية في مجال مكافحة الفساد، وتهيئة بيئة خصبة نظيفة لجذب الاستثمارات، جهودا جادة.

هذا المقال ليس دفاعا عن السيدة المذكورة التي لا أعرفها ولم ألتقِ بها أبدا. وقد سبقتها حالات كثيرة من الاحالات الغامضة على التقاعد وإنهاء العقود مثل: امين عام هيئة الاستثمار السابق، واثنين من المفوضين في هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، وغيرهم الكثير الكثير في عهد هذه الحكومة والحكومات السابقة. إنّ المشكلة لا تكمن فقط في صحة أو خطأ اتخاذ مثل هذه القرارات، وإنما أيضا في عدم إيضاح الأسباب التي أدت الى اتخاذها، خاصة وأنها تتعلق بأشخاص يشغلون مواقع قيادية متقدمة في الجهاز الحكومي، ويتمتعون بصلاحيات واسعة.

الجميع يدرك أن الإحالة على التقاعد أمر حق، وأن جميع العاملين في القطاع الحكومي سينتهي بهم الأمر يوما ما إلى مغادرة مواقعهم. لكن أن تتم إحالة الموظف الى التقاعد قبل انتهاء مدة خدمته، ودون الإعلان عن أسباب ذلك، هو ما يجب التوقف عنده، والدعوة إلى إعادة النظر في آلية اتخاذ القرارات الحكومية بمختلف أشكالها، حتى وإن كانت من صلاحية مجلس الوزراء او رئيس الوزراء نفسه. فمن حق الشخص الذي تم إنهاء عقده، أو تمت إحالته على التقاعد قبل انتهاء مدة خدمته أن يعلم سبب ذلك هو وأسرته، ومن حق المواطن أيضا أن يعلم ذلك.

إن قرارات مجلس الوزراء المتعلقة بالإحالة على التقاعد، وإنهاء خدمات الموظفين بشكل مفاجئ تتم بطريقة تشوبها مخالفة للقانون، إذ يتطلب النهج القانوني عرض الأمر على مجلس الوزراء، واطلاع الوزراء على ملف الموظف المنوي إحالته على التقاعد او انهاء خدمته، ومناقشة الأمر، ثم اتخاذ القرار اللازم معللا، وهذا ما لا يحدث، حيث يتم مناقشة الأمر بين الوزير المعني ورئيس الوزراء فقط، ثم يعرض القرار على مجلس الوزراء الذي يبارك ذلك دونما أي مناقشة. كما يصدر قرار الإحالة دائما غير معلل ولا مسبَّب من أجل ضمان رد المحكمة للقضية إذا ما لجأ المتضرر إلى القضاء، بل يتم إخلاء قاعة مجلس الوزراء من الموظفين عند مناقشة قرارات الإحالة الى التقاعد حتى لا يتم استدعاؤهم الى القضاء كشهود على آلية وإجراءات الاحالة على التقاعد. 

إن آلية اتخاذ القرارات من قبل الحكومة، ومهما كانت طبيعة هذه القرارات، ومنها التعيينات في وظائف الفئة العليا أيضا، تتطلب إعادة النظر فيها بحيث يتم الإفصاح عن أسباب اتخاذ تلك القرارات، خاصة وأن الأردن كان قد صادق على الاتفاقيات والمواثيق الدولية المتعلقة بمكافحة الفساد، وحاكمية القطاع العام، والتي أكدت من ضمن ما أكدت عليه ضرورة سيادة سلطة القانون والابتعاد عن السلطة التقديرية لصاحب القرار، وكذلك اتباع نهج الانفتاح والشفافية والافصاح عن المعلومات، وتعليل أسباب القرارات المتخذة إلّا في حالات معينة كحالات الأمن القومي، والقضايا الجنائية.

المطلوب من الحكومة الحالية، ومن الحكومات اللاحقة، وحفظا لمكانة الأردن المرموقة دوليا، وصونا لمصداقيته الالتزام بحاكمية القطاع العام، والاعلان بكل وضوح وشفافية مبررات اتخاذها لقراراتها مهما كانت طبيعة هذه القرارات ومجالاتها. فليس من المعقول أن تبرر الحكومة للمواطنين قراراتها الاقتصادية برفع الضرائب والرسوم والأسعار، وتتجنب الخوض في أسباب اتخاذ القرارات الأخرى. كما يتطلب الأمر من ناحية ثانية، ولإحقاق الحق، استحداث منصب "المفتش العام للدولة " أو إعادة إحياء " ديوان الرقابة والتفتيش الإداري " أو " ديوان المظالم " مع منحهم السلطة والصلاحية اللازمتين للتدقيق على القرارات الحكومية وبخاصة الإدارية، وتصويب ما هو خطأ منها.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات