التنمية المستدامة ومستقبلها في الأردن


يعَد الأردن واحدًا من الدول التي انتهجت طريق الإصلاح والتخطيط الاقتصادي للوصول إلى التنمية، حيث تسعى الدول على مختلف مستوياتها الاقتصادية لتحقيق التنمية، فهي عملية مرتبطة بالتقدم في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، فالتنمية المستدامة تعني تلبية احتياجات الجيل الحالي من الموارد دون تأثير على حصة الأجيال القادمة، هذا السعي نحو التطوير والتكامل والتنمية في الأردن يصعب مع الظروف والتحديات الاقتصادية ، والتي أضعفت من قدرة الدولة على تحقيق التنمية، فقد توالت الصراعات في المنطقة وعصفت الأزمات الاقتصادية والمالية، بالإضافة إلى ارتفاع عدد السكان بمعدل يفوق المعدل الطبيعي، مما أثر على كفاية الموارد الطبيعية والاقتصادية المتاحة، وبرغم هذه التحديات، فقد حقق الأردن نسبًا جيدةً من التنمية الاقتصادية والبشرية ويتطلع إلى المزيد منها.

إن تحقيق التنمية المستدامة في المجال الاقتصادي يتطلب تحسين ظروف المعيشية للمواطنين جميعًا في المجتمع دون زيادة في استخدام الموارد الطبيعية بشكل جائر أو إلى ما يتجاوز القدرة على التحمل ، لكن أهم التحديات التي تواجه التنمية المستدامة هي القضاء على الفقر، مما يتطلب التشجيع على اتباع أنماط إنتاج واستهلاك متوازنة، دون الإفراط في الاعتماد على الموارد الطبيعية، أما التنمية البشرية فتهدف إلى توسيع خيارات الأفراد في المجتمع وقدرتهم على تكوين رأس مال اجتماعي لتلبية حاجات الأجيال الحالية دون الإضرار بحاجات الأجيال القادمة، وترتبط مع الديمقراطية وحقوق الإنسان عن طريق تأكيدها على سيادة القانون وحقوق المساواة وتكافؤ الفرص وحرية التعبير والمشاركة في صنع القرار. والتنمية البشرية ليست غاية بل هي وسيلة للقضاء على الفقر وضمان لحرية الأفراد ومنظمات المجتمع المدني، وهي أيضًا تؤكد على تشكيل القدرات البشرية في مجالات الصحة والتعليم والمعرفة ومستوى الرفاه، واستثمار هذه القدرات في الإنتاج عن طريق المساهمة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع.

وفي الواقع الأردني فإن مشكلة اللاجئين مستمرة ولن تجد حلاً قريباً، نظراً إلى الظروف الإقليمية والتطورات السياسية والعسكرية المتلاحقة، وعليه فإن وجود اللاجئين يجب أن لا يكون على حساب تنمية المواطن الأردني، فالحكومة مطالبة بتحسين الخدمات الأساسية المقدمة له سواء في مجالات التعليم أو الصحة أو العمل ومكافحة البطالة بين صفوف الشباب الأردني ، مما يتطلب حصر الوظائف المتاحة لغير الأردني، لحماية فرص العمل للأردنيين كأولوية لمعالجة البطالة، كما أن الإقرار بالمشكلة والعمل على حلها بالطرق المتاحة خير سبيل للتطوير والإصلاح ، لذلك لا بد من وضع سياسة شاملة تستهدف تحقيق التنمية المستدامة، لأن استمرار النزيف الاقتصادي والاجتماعي والبيئي سوف يجعل الظروف المستقبلية أكثر صعوبةً لأجيال الأردن.

وفيما يأتي استعراض أمثلة لأهم أهداف التنمية المستدامة من خلال بعض العناصر أو المقترحات التي من شأنها التأثير مباشرة في تحسين الظروف المعيشية للمواطنين:
أولاً: المياه
تهدف الاستدامة الاقتصادية في مجال المياه إلى ضمان توفيرٍ وإمدادٍ كافٍ من المياه ورفع كفاءة استخدام المياه في التنمية الزراعية والصناعية والحضرية والريفية، وتهدف الاستدامة الاجتماعية إلى تأمين الحصول على المياه للاستعمال المنزلي وقطاع الزراعة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة، وفي مجال المياه فالحكومة مطالبة على المدى البعيد بتأسيس محطات تحلية مياه البحر، والاستثمار في مشاريع مائية كبرى مثل قناة بين البحر الأحمر والبحر الميت، بحيث تكون التكلفة أقل من سحب المياه من العراق أو تركيا ، حيث إن الكميات المستهلكة الآن سوف تستنزف مصادر المياه غير المتجددة في المملكة ، فضلاً عن ضبط عمليات الاستخدام غير المشروع للمياه، والبحث عن مصادر غير مستغلة للمياه وإصلاح شبكة المياه وصيانتها وذلك لتقليل الفاقد من المياه، والاهتمام بزيادة الوعي بترشيد استخدام المياه في القطاعات كافة.

ثانيًا:الغذاء
تهدف الاستدامة الاقتصادية فيه إلى رفع الإنتاجية الزراعية والإنتاج من أجل تحقيق الأمن الغذائي في المجتمع والتصدير، وإلى زيادة أرباح المشاريع الزراعية الصغيرة ، وذلك عن طريق تشجيع المزارعين، ودعم القروض والجمعيات التعاونية الزراعية، وتفعيل الإرشاد الزراعي، وتطوير العمليات التسويقية والتصديرية، وتنظيم العمالة الزراعية، وإن استمرار الاعتماد على استيراد القمح والشعير والمحاصيل الإستراتيجية سياسة غير مجدية ولها مخاطر كثيرة، فالأجدى العودة إلى زراعة الأراضي وتشجيع الاستثمار الزراعي ومنع الزحف العمراني نحو الأراضي الزراعية، خاصة في سهول إربد ومادبا ومناطق زراعة الحبوب والأعلاف. بالإضافة إلى تشجيع تربية المواشي وتصنيع المنتجات الزراعية، بالإضافة إلى تشجيع الاستثمار في المجالات المناسبة والواعدة مثل: زراعة النخيل والزراعة المائية والزراعة بدون تربة، والزراعة الحضرية وزراعة الأسطح وغيرها، بالإضافة إلى تقليل الاعتماد على الغذاء المستورد من خلال توفير البديل من إنتاج وطني.

ثالثًا: الطاقة
في مجال الطاقة فإن الاستدامة تتطلب البحث عن بدائل الطاقة التقليدية وتشجيع استخدام مصادر الطاقة البديلة وتوسيع نطاق استخدام الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء من خلال تخفيض كلف تركيب تكنولوجيا الطاقة الشمسية، وتشجيع استخدام السيارات الهجينة.

وفي ما يتعلق بموارد:( المياه والغذاء والطاقة) فإن ذلك يحتاج إلى تخطيط وتطوير استراتيجية وطنية واضحة للتعامل مع مشاكل المياه والغذاء والطاقة بشكل شمولي ومنهجي.

رابعًا:الصحة
تهدف الاستدامة الاقتصادية فيها إلى زيادة الإنتاجية من خلال الرعاية الصحية والوقائية وتحسين الصحة والأمان في أماكن العمل، وتهدف الاستدامة الاجتماعية إلى تطبيق معايير للهواء والمياه والضوضاء لحماية صحة الأفراد في المجتمع وضمان الرعاية الصحية الأولية للأغلبية الفقيرة، وهذا يتطلب توسيع مظلة التأمين الصحي والتوسع في خدمات الصحة للتجمعات السكانية كافة وتحسين نوعيتها وكفاءتها.

خامسًا: السكن والخدمات
تهدف الاستدامة الاقتصادية فيها إلى ضمان الإمداد الكافي والاستعمال بكفاءة لموارد البناء ونظم المواصلات، فالمواصلات في العاصمة والمحافظات تتسم بالضعف، مع ضرورة البحث عن بدائل لمقر الوزارات والدوائر الحكومية خارج العاصمة لتخفيف أزمة المرور في العاصمة، مع ضرورة توفير النقل العام وتنويع خياراته، وتهدف الاستدامة الاجتماعية إلى ضمان الحصول على السكن المناسب بالسعر المناسب، بالإضافة إلى الصرف الصحي للأغلبية من طبقات ذوي الدخل المحدود والفقيرة، وهذا يتطلب مراجعة لبرامج التنمية والبنية التحتية في الأرياف والمدن والبادية وتحسينها.

سادسًا: المجال البيئي
تهدف الاستدامة البيئية إلى ضمان الحماية الكافية للموارد البيولوجية والأنظمة الإيكولوجية والأنظمة الداعمة للحياة، وإلى ضمان الحماية الكافية للتجمعات المائية والمياه الجوفية وموارد المياه العذبة وأنظمتها الإيكولوجية، كما تهدف الاستدامة البيئية إلى ضمان الاستخدام المستدام والحفاظ على الأراضي والغابات والمياه والحياة البرية والأسماك وموارد المياه والطاقة والموارد المعدنية.

سابعًا: المجال الاجتماعي
فيما يخص المجال الاجتماعي فالحكومة تعلم أن التغيرات التي طرأت على المجتمع كبيرة، ومنها التغيرات الديمغرافية، والقيم الاجتماعية والسلوك الفردي والجماعي، وزيادة في مظاهر العنف الاجتماعي، وحالات الانتحار والطلاق والسلب والاحتيال وغيرها، وكذلك انتشار المخدرات وما تسببه من آثار سلبية في الأسرة والمجتمع، مما يسبب ارتفاع نسب القضايا في المحاكم بمختلف أنواعها : الجنائية والمالية والجنح، وهذا يتطلب مراجعة للأنظمة والقوانين والتشريعات التي تلزم لتغليظ العقوبات بما يحقق العدالة والحزم والردع السريع لفرض هيبة القانون والدولة.

ثامنًا: المجال الاقتصادي
تهدف الاستدامة الاقتصادية إلى زيادة الكفاءة الاقتصادية والنمو وفرص العمل في القطاعات المختلفة، وتهدف الاستدامة الاجتماعية إلى دعم المشاريع الصغيرة، وتشجيع وتحفيز النمو الاقتصادي في القطاعين العام والخاص، وضبط النفقات، والإصلاح الضريبي، وتهيئة المجال للاستثمار، والحد من اتساع دائرتي الفقر والبطالة، والحد من هروب الصناعات، وتقليل حجم المديونية، وهذا يحتاج إلى خطوات كبيرة في سبيل فتح أسواق جديدة وتخفيض كلف الإنتاج وتشجيع الصناعة المحلية داخلياً وخارجياً، بالإضافة إلى تشجيع العمالة الأردنية على استغلال كل فرص العمل من خلال تحسين الأجور وظروف العمل، والشروع في تأسيس تجمعات سكانية شرق وجنوب المملكة في الأراضي الخالية، بهدف تخفيف الضغط على المدن وتوفير مساكن بأسعار معقولة وتوسيع النطاق الجغرافي لتوزيع مكتسبات التنمية، وفي ما يتعلق بالمديونية فيجب وضع خطط سريعة للحد من تفاقمها ووضع حلول للتسديد حتى لا ننقل للأجيال القادمة عبء دين غير قابل للسداد.

خاتمة:
على الرغم من التحديات في الواقع الأردني في ما يتعلق بالتنمية المستدامة، إلا أننا نؤمن بقدرة أبناء الوطن على تخطي التحديات وبناء مستقبل أفضل لأجيال الأردن من خلال التنمية المستدامة، فهي النهج الأساس الذي يحصن المجتمع اجتماعياً ويخفف الضغوط الاقتصادية على المواطن ويحسن الوضع البيئي، وهي تطلعات وأمنيات ليست مستحيلة، بل يمكن تحقيقها بما نملكه من إرادة سياسية وطاقات بشرية وموارد طبيعية غير مستغلة وعلاقات سياسية مع الدول الإقليمية والمتقدمة.



تعليقات القراء

ابو هاشم
جزاكم الله خيرا على هذا الكلام الرائع والموضوع المهم جداً ونحن بحق نحتاج الى التوجه الصحيح بهذا البلد ولا بد لنا ان نمضي بخطوات مدروسة بعناية فائقة حتى نستطيع ان نستمر وسط هذا العالم المجنون المتغير’ وكل هذا يتم من خلال التنمية السليمة الصحيه المستمرة يقودها اشخاص اكفاء ويحملون هموم وطنهم حريصون كل الحرص عليه امثالك دكتورنا الكريم يكونون عوناً لقيادتهم الحكيمة في السير بهذا الوطن الى بر الامان.
01-08-2017 01:38 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات