فيلم المهاجر


اعيد نشر هذه المقالة في يوم ذكرى وفاة الراحل الكبير يوسف شاهين كي تكون هذه المقالة اهداء الى روحه الطاهرة، فلك ايها المخرج العظيم أقول : كنت عملاق مبدع في ما قدمت للعالم الفني في مصر و العالم العربي، فارشيفك شريان رئيسي في الجسد الفني المصري يغذيه و يعطيه حياة و معنى و قامة و قيمة ابداعية راقية جدا...و من دون هذا الشريان سيكون الأرشيف الفني في مصر من دون حياة. رحمك الله فقد زِدْتَ السينما العربية و المصرية رفعةً و وضعتها من خلال اعمالك كمنافس للسينما الأمريكية و الغربية ، و قد اثريت من قيمة الحركة الفنية في مصر و الوطن العربي من خلال ارشيفك المهني الراقي و من خلال رائعتك فيلم المهاجر...رحمك الله،

كَتَبْتُ هَذِهِ الخواطر القَيٍمَة و التي هي وِجْهَةْ نَظَرْ شَخْصِيَة في لَحْظَة غُلُوٍ حَقيقية على هذا العَمَل عِنْدَما شَعَرْتُ بِغيابِه عَنْ الفَضائِيَات العَربية مِنْ دون تَبْرير مُقْنِع، و لا اسْعَى إطلاقا مِنْ خِلال هَذِهِ الأٍسطر لِلْدِفاع عَنْ اي فنانين مِصْريين او عَرَبْ إطلاقا شاركوا بِهَذا العَمَلْ و هَدَفي يَرْتَقي الى بُعْد اسْمَى بِكَثير، فَمُرادي الأول و الآخير مِنْ هَذِهِ الأَسْطُر تَسْليط الضوء على بُعْض مِنْ جَوانِبِه الفَنِيَة الرائِعَة، فما بَيْنَ شُعوري مَعْ مُصاب مِصْر بَعْدَ الثَوْرَة مِنْ جِهَة و الهُجوم الكَبير على الحُريات و الإبداع و المَكْنوز الفَني الضَخْم بِتِلْك البِلاد و الذي اقْلَقَ الكَثير مِنْ الأُدَبَاء و المُثَقًفينْ حَوْلَ الوَطَن العَرَبي و قَلَقي على هَذا العَمَل كي لا يُدْفَنْ بإسم التَعَصُب الأعْمَى و يَبْقَى بعيدا عَنْ مَرْئى المُواطِنْ العَرَبي حَلًقَتْ افكاري بِسَماء الحُرية الرَحْبَة و الواسِعَة ساعيا بِصِدْق لإنْصَاف المُهاجر و الذي رأيَتُ بِهِ عَمْلَقَة راقِيَة مِنْ باب الإخراج و نَصْ السيناريو، فَقَدْ تكامَلَتْ عناصِرَهُ بِصُورَة مُتْقَنَة لِيُصْبِحَ مِنْ مُصَنًفَات التُحْفَة الأَدَبِيَة و مَوْروث يُوَرًثُ الى الأجْيَال القادِمَة، و أتَمَنى لِلْقُرًاء وقتاً مُمْتِعاً بِقِراءة هَذِهِ الأسْطُر راجياً مِنْ الله ان تَزيد مِنْ الوَعي بِضَرورَة فَهْم الهَدَفْ الحقيقي لِلْعَمَل و دِراسَتِهِ بصورة شُمولِيًة و إسْتيعَاب عالَمْ السينَما و حَيْثِيَاتُه و الآليًات التي تُحَرٍكُه بَدَلاً مِنْ اصوات التَعَصٌبْ التي لا تُجْدي نَفْعاً سوى قَتْل الإبْداعات مِنْ حياتنا و قَتْل نِعْمَة التمثيل و الفُنون مِنْ حياتنا،

لا شَك ان هُنالك فَرق شاسِع بين الوحي و الإلهام، فالوحي في الدين هو انزال رباني لا يَقبَل النِقاش يُتَرْجَم بِصورة حَرفية الى كلام يُرْجى مِنهُ تكوين مَرْجَعْ لِلْناس لكي لا يَضِلوا عن الحَقْ و أُسُسْ العبادة السَليمَة، و اقوى أمْثِلة على ذلك القرآن الكريم والكِتاب المُقَدَس و التَوْراة اليَهودِيَة، و في الأدَب عِنْدَما يُشار الى قِصَة مُستوحاة من قِصَة حياة واقِعِيَة يكون المَقْصود بها ان القِصَتان تَتَمَتًعان بالتطابق التام او في أضْعَفْ الايمان التَطابُق في الكثير من جوانبهما كالحَبكة و الشَخْصِيَات و المُجريات العُمومية، و لَعَلً السينما العَرَبية و الأجنبية صَنَعَتْ الكثير من الافلام السينمائية من قِصَص مُسْتوحاة مِنْ واقِعْ الحَياة و أذْكُر بَعْض من الأمْثِلَة على سَبيل المِثَال لا الحَصْر
Catch me if you can, Titanic (1997 production)
و ايضا في السينما المِصْرِيَة افلام عَنْ حَيَاة الرئيس المِصْري الراحِلْ جَمال عَبْدِ الناصِرْ و الرئيس المِصري الراحِلْ انْوَر السادات و عَنْ حَيَاة فَنانين مِنْ عَصْر افلام الأبْيَضْ و الأَسْوَد مثل الفَنانَة أُم كُلثوم و الفَنانَة ليلى مراد، و لا نَنْسَى مُسَلْسَلْ ابو ضِحْكَة جْنان الذي قَدًمَ حَيَاة الكوميديان الراحِلْ إسْمَاعيل ياسين. و لكن يأتي الإلهام بِفارِق جَوْهَري مَفادُه أن قِصَصَه او فَنُه يحوي الإطار العام او المَناخ العام لِحَدَثْ مُعَيَن واقعي و لكن بِتَفاصيل مُخْتَلِفة جَرَت العادة ان تكون وليدة خيال الكاتب، و اقوى الامثلة على هذا رائِعَة
The Patriot (2000 production)
الذي تَمً إنتاجه بِسَنَة الفين و الذي قام بِدَور البُطولة بِهِ المُمَثِل الكبير مِلْ جِبْسون، و تدور أحْداثُه حول ثَوْرَة الإسْتِقلال الأمريكية في القَرْنْ الثامِن عَشَرْ و بَعْضْ الشَخْصيات التي أثًرَتْ بها، و تُفيدْ موسوعة الويكيبدية و مَقالِاتِها حول الفِلْم بأن شَخْصيًة بَطَلِهِ بِنْجامِن مارْتِن مُسْتَلهَمَة و لو بِحُدود ضيٍقَة مِنْ شَخْصيات أمريكية حَقيقية كافَحَة الطُغيان البِريطاني في ذلك الوقت مِثْلْ فرانسيس ماريون و اندرو بيكينز و غيرِهِم من أبطال الإستقلال الامريكي، و لَعَلً هذا الحَدَثْ مَكًنَ الكاتب من حُريٍة خَلْقْ شَخْصية البَطَل مِنْ غير التَقَيٌد بِشَخْصيًات الواقع فَوَفًقَ بين خَلْقْ شَخْصية خيالية من مُخَيٍلَتِه و بين رَبْطِها مَعْ شَخْصيًات حَرْبية شَكًلَتْ مَسَار الإستقلال الامريكي حينها، اما و على النَقيد فَشَخْصية الجِنِرال العَسْكري البِريطاني وِليَم تافِنغْتم الذي طارد البطل بِنْجامِن فَهِيَ مُسْتَلْهَمَة من الجِنِرال باناستر تارلتون الذي عُرِفَ بِقَساوَتِه و أعْمالِه الوَحْشية تِجاه الأمريكان، فأَبْرَعَ الكاتب و المُخْرِج اثناء التصوير بتقديم الجِنِرال تافنغتم بالوَحْشْ حيث نَراه بِحادِثَة خيالية و لكن مُسْتَلْهَمَة من الوَحْشية البِريطانية في الحَرْب الأمريكية بِحَرْق كَنيسَة فيها مَدَنيين أمريكان عُزًلْ السِلاح؟؟؟

في الواقع نُقاد فِلم الباتريوت في بِريطانيا إنْتَقَدوا بِشِدَة هذا التَشْوِيه بِحَقْ رُموز عَسْكَرية بِريطانية و قالوا بِما قالوه ان الجِنِرال تارلتون (مُتَرْجَم عن النص الانجليزي الاصلي - أ) "و إن كانت اعَمالُة خَشِنَة لَمْ يَكْسِر قواعد لُغَة الحَرْب القاسية و لم يَقْتُل طِفْلا مَسْكينا" ، بل حتى هُنالِك شَخْصيات مَرْموقة بِبِريطانية بَعْدَما شاهَدَتْ الفِلم طالبَة كادِرَهُ بالإعْتِذار عَنْ تَشوِيه سُمْعَة الجانب البِريطاني في الفِلْم، و لَعَلً واقِعَة حَرْق الكَنيسَة بالمَدَنيين مُسْتَلْهَمَة مِنْ واقِعَةْ غَريبة حَدَثَتْ بالفِعْل في هَذِهِ الحَرْبْ الضَروس أثناء مُحاوَلَة وِحْدَة عَسْكَريِة أمِريكية الإسْتِسْلام لوِحْدَة عَسْكَرية بِريطانية، فَبِحَسَبْ رِوَايَة طَبيب مُرَافِقْ للوِحْدَة الأمريكية إسِمُه روبرت براونفيلد(ب) كانت الوِحْدَة الأمريكية الذي كان يُرافِقُها مُرْهَقَة و تُريد الإستسلام للعَدو البِريطاني في وِلايَة كارولاينا الجَنوبِيَة، فأَشًرَ قائِدْ الوِحْدَة الأمريكية الجِنِرال بيوفرد بالعَلَم الابيض لِلفِرقَة البريطانِيَة مُحاولاً اخْبَارَهُم بِقَرارُه بالاسْتِسْلام، و لكِن إنْطَلَقَة رَصاصة مَصْدَرَها غير مَعْروف و اصابة فَرَس الجِنِرال البريطاني تارلتون، فَفَهِموا العَسْكَر البريطاني أن الوِحْدَة الامريكية هاجَمَتْهُم و هي تَطْلُب الإسْتِسْلام فَثارَة الوِحْدَة البِريطانية (مُتَرْجَمْ عَنْ النَصْ الانجليزي الاصلي - ج) و بِحَسَب كَلام الطبيب "و َصَنَعَتْ أبْشَع مَجْزَرَة بِتاريخ الحُروب العَسْكَرية و التي لم تَعْرِف لها الانسانية مثيل بِحَق الوِحْدَة العسكرية الامريكية؟؟؟" و صُبْحان الله و الله اعلم منا جَميعاً مَنْ أطْلَقَ هَذِهِ الرصَاصَة.

و في الحقيقة من باب أدبي تَتَلوَن و تختلف القِصَص و حَبَكاتُها و أحداثُها مُتأثِرة بِفِكر الكُتاب الذي بالعادة يكون مُسْتَخْلَص من خِبَراتِهم و عَـقلياتِهم، و لا أحد يُنْكِر ان هذه العَقليات و الخِبْرات تَتَقولَبْ و تأخذ شَكْلَها مِنْ مؤثرات المُجْتَمَع المُحيطة بها، و تَخْضَعْ ايضاً لما هُوَ مَقْبول و غَيْر مَقْبول حَسَب مُعطيات مُجْتَمَعاتِهم و واقِعْها، فَتْنَعْكِس هَذِهِ المُعطيات على القِصَص و السيناريوهات التي يَكتُبوها لِلْقراء، فَلِكُل حَضارة ثقافتها المُميزَة و الفُروقات التي تُميزُها عَنْ سائِرْ الحَضارات المُحيطة بِها، فَلِذَلِكَ ليس هُنالِكَ خَطَئْ او صَحْ في السينما لَطالَما انً الخَيْرَ يَنْتَصِر بآخر القِصَة او فِلم السينما و هذا الأمْرُ مُتًفَق عليه بين كُلْ الحَضَارات التي تُوَحِد الله حَوْلَ العالَمْ و ايضا الحَضَارات اللامُوَحِدَة كالبودية مثلا و الهِنْدوسية لأن الإنسان مَفْطور على فِطْرة الخير و يُحِب غَلَبَة الخير على الشر، فاسْتَطيع بالتالي القَوْل بِثِقَة أن الشيئ المَقْبول عِند المُجتمعات المُتَحَرِرَة مِثل أمريكا و أوروبا رُبَما يكون غير مَقبول عِند مُجتمعاتنا المُتدينة ليس لأنه خطأ سينمائيا و فنيا و لكن لأن ديننا لا يُشَجِعُه أو رُبَما يأمر بِعَكْسَهُ، و لكن هذا لا ينفي ان هذا الشيئ الغير مقبول عندنا هو امتداد للواقع رُغم رَفْض ديننا له و هُوَ مَوْجود رُغْمَ رَفْض ديننا لَهُ، و لهذا هو موجود بالمَسارِح و السينما لأن هُنالِك الكثير من المدارس تَلْتَقِطَهُ اثناء تجسيد الأعمال الفنية الواقِعِيَة تماماً، لِذَلِكَ خُلِقَت الحاجة لِيَتَوَفًر مُمَثلون ليجسدوا شتى الشَخصِيَات المُحْتَمَلة في السيناريوهات، حتى أصْبَحَ في الغرب و أوروبا يُقاس نَجاح الفنان بِقُدْرَتِه على تجسيد أكْبَر كَمْ مِنْ الشَخْصيات المُمْكِنة بشتى الاعمال الدرامية و لا التزامه كَفَنان بِشَخْصِيَة مُعَينَة.

و لا نَنْسى ان الفَنْ بالعالَمْ العَرَبي هو إمْتِداد لجَسَد فني عالمي كبير أكبر من دين مُعَياً او فِكْر مُعيا و هو يَتَأثًر بِهَذِهِ المُعْطيات العالمية مَع صِراعِه الشخصي الذاتي لكي يبقى مُحافِظا على هَوِيَتِهِ العَرَبِيَة و كينونته المُمَيًزَة، و لا نُنْكِر ايضا انه يَضُم قِطاع ناجِح لإنتاج الأفلام الدينية الثَمينَة ايضا، فتواصُلِه مَعْ الفن العالمي يَحْصُل خُصوصاً مَعْ الإنفتاح على الغَرْب و الغَزو السينمائي الأمريكي الذي أصْبَحَ بإمْكانِيَاتِه الضَخْمَة مِقياس و مِثال لكثير مِنْ الأعْمَال الفَنِيَة حَوْلَ العالم، و شَبابُنا أظهروا تأثُراً كبيراً بِهَذِهِ السينما الأمريكية حتى ان الكثير من أهل الفَنْ و الكُتَاب اكْمَلوا دِراسَتَهُم الجامِعِيَة بالخارج ليَجلِبوا مَعَهُم هذه المدارس الى الدُوَل العَرَبية المُصَنِعَة لِلْدرامة في العالم العَربي، و هذا الشيئ واضح بالنسبة لكثير من اعمال الإثارة(الأكشن) التي سادت تِلْك البُلدان العَربية و في مِصْر قَبْلَ ثَوْرَة الخامِسْ و العِشرين مِنْ كانون الثاني و قد شارَكَ بتلك الأعمال نُخبة من النجوم الشَباب،

فعلى ضوء هذه المُعطيات التي تَتَطَلب من المُتَفَرِج تَقَبُل السينما بما تَحْتَوى من إنتاج للأفلام بانواعها الأدبية و على سبيل المِثال لا الحَصْر كالكوميدية و الرومَنس و التراجدي و الفانتازيا و الأكْشِنْ و الرُعْب غَيْرِهِم، و ايضا ما تَلْتَقِطَهُ كاميرات المُخْرِجين التي تَتَمَتًع بالنُضوج و رَفْض الإستخفاف بالمُشاهِد و التي تأبى إلا و ان تَلْتَقِط بل تَصْنَعْ المَشاهِدْ القريبة جدا مِنْ الواقع بما يحوي من لَحَظَات فَرِحَة و حَزينَة و بحقيقَتِهِ و واقِعيًتِه أيضا، يأتينا فلم المهاجر بأجوائه الدَسِمَة و مع حيثياته الكَثيرَة،

الأفلام و القِصَص التي سَبًبَتْ المُناقشات و الجِدالات بين كوادرها و نُقادها كَثيرَة، فَمِنْ ثنايا ما يَسْتَلهِمُه كٌتًابنا من أحداث تاريخية إنْطَلَقَ فِلْم المُهاجِر في عام الف و تسعمائة و اربع و تسعين، و قد كُتِبَ نَصُه الفني و أخرَجُه الراحل الكبير يوسف شاهين، و في الحَقيقَة قد شاهُدتُ هذا الفلم ثلاثة مرات ليَلْهَث لساني بأحلى عِبارات الإعْجاب و الروعةَ في كل مَرًة نَظَراً لإتقان إخراجُه و نصه السينمائي، "فَنَطَقَت مِصر الفرعونية بِرَوْعَتِها في هَذِهِ الَمْلَحَمَة التاريخية، فَقَدْ شاهَدْتُ الكَثير مِنْ الاعْمَال الأمريكية و الغربية التي تَـتَـناوَلْ حَضَارَةْ الفراعِنَة مِثْل فِلْم الوصايا العَشْر في الستينات و الافلام الحَديثة كالمومياء و عَوْدَة المومياء مِنْ انتاج ستوديوهات يونيفرسل الامريكية فما تَعَمْلَقَتْ هَذِهِ الحَضارَة الًا في فلم المهاجر،" و لا نَنْسَى أداء المُمَثلين الذين ابرعوا في تجسيد أدوارهم بِكُلْ معنى الكَلِمَة، و في الحقيقة انا كاتِبْ و اسْتَطيع ان أُؤَكِدْ انً الخَيَال عِنْد الكتًاب خِصْب جدا لا يَعرِف حُدودا مُعينة يَتَوَقًف عِنْدَها و خُصوصا اذا إلتَقى مَعْ حُقول غنية بالاحْداث كالاحداث التاريخية او كَمَلاحِم أدبية تُلهِم التَـْفكير و الخيال عِنْدَهُ، فبالعادة يُعْطي هذا المزيج من خُصوبَة الخيال و الأحداث المُلهِمَة ثِمار قِصَصية رائعة و جميلة، و يبدو لي ان قِصًة المُهاجر مُسْتَلْهَمَة مِنْ قِصًة سيدنا يوسف عليه السلام و ليست عن حياته اطلاقا بالرُغْم مِنْ وجود تقارُب بين الشخصيتين، و لا يجوز إطلاق اية مُقارَنَة او الوَزْنْ بين الشخصيتين و القِصًتين حَسَبْ ما قرأت للاسف في بعض من المَراجِع لأن القِصًة الموجودة في الفِلْم تَخْتَلِف كَثيراً عَنْ ما ذُكِر في الكِتَاب المُقَدَس و القرآن الكريم ، فشئنا ام أبينا الإحاء الأدبي هنا انتهى بوجود فُروق جوهرية كبيرة بين سيدنا يوسف و رام بَطَل المُهاجِر الذي يُجَسِد دوره الفنان خالد النبوي، فلا ذِكْر في الفِلْم لشخصية يوسف بَلْ لِبَطَل اسْمُهُ رام، كما ان رام لا يَتَمَتًع بِنِعْمَة وحي النبؤة في الفلم بل بايمان كبير بالله و حاسًة تكاد ان تكون اشبه بالحاسة السادسة النشيطة مِثْلَهُ مِثْل اي بشري آخر، و لم يُذْكَر بالكتاب المُقدس او في القرآن الكريم ان سيدنا يوسف ذَهَبَ الى مِصر لتَعَلُم الزِراعة لمُساعدة عَشيرَتُه مِنْ ظروف الصَحراء القاسِيَة بل لا يُعقل ان يَذْهَب رَجُل بار ذو مَكانَة مُمَيزة عِنْد الله او نبي الى دار عُلوم الوَثَن لتَعَلٌم فَلْسَفَتِهِم و عُلومِهِم كالطَحْنيت الفَرْعوني للاموات بل كان إكتفى بما اتاهُ الله مِنْ عِلْم كما هو الحال مَعْ بَقية الانبياء، و لا نَرَى لهُ اي نَشاط تبشيري او كِرازي في الفِلْم للوَثَن الذي ساكَنَهُم كما يَفْعَل اي نبي مُرْسَل مِنْ الله إطلاقا، و اذا قَصَد المُخْرِج يوسف شاهين لرام ان يكون نُسْخَة عن سيدنا يوسف اما كان جَعَل في الفلم الوحي الإلهي الذي يَنْزِل على الانبياء يُعَلٍمُهُ عُلوم الزِراعَة بَدَل مِنْ عناء السَفَر؟

لذلك المُهاجِر يَجِبْ أن يُعالَج مِنْ باب فَني سينمائي فَقَطْ و يُعالَج كَقِصَة مُسْتَلْهَمَة مِنْ شخصية تاريخية و أحداث دينية فَقَطْ، و بالحقيقة أُحِسْ بِكُل مَرًة اتابِعُهُ انني أشاهِد.....مصر الفرعونية بروعَتِها التاريخية...بِجَبَروت قَبْضَتِها على أراضيها...بِمَشاكِلِها السياسِيَة في وَقْتْ أحداث الفِلم...بِمَشاكِلِها الإقْتِصادية...و لَكِن للأسَف بِعَدَم تَكْريم السينما بتاتا لِهَذا العَمَل العِمْلاق الذي نافَسَ باتْقانِهِ اقوى المَلاحِم السينمائية التي عَرَفَها الفَنْ في أُوروبا و أمريكا، بل انا مُتأكِد انه نافَسَ بِروعَة الإخراج أفلام نالت جوائز عالمية في هوليود مِثْل الفِلم الشهير "سبارتكس(انتاج سنة الف و تسعمائة و ستين)" و افلام كليوباترا التي صَرَفَت على إنتاجها الستوديهات الغربية كثيرا، و لن أكون فني او مُحَلِلْ تَقَني في تَحليلي لهذا الفِلم بِقَدْرما سأُبُسِط ما رأيت بِلُغَة سَلِسَة بسيطة في النقاط التالِيَة :

الفِلْم احْتَرَمَ عَقْلَ المُشاهِدْ و ذَكائَه بعدة طرق:
اولا) مَنْطقية بيئة السيناريو : تَحْدُث احداث هَذِهِ المَلْحَمَة التاريخية في حَضارتين مُخْتَلِفَتين هُما حَضارة أهْلُ البادِيَة و الحَضارَة الفِرعونية، فَحَياة البَداوة و الصًحراء قاسية جدا و هَذِهِ مِنْ الأُمور المَعْروفة خاصة لدى أجدادُنا الذين إخْتَبَروا حياة الرِمال الجافة و عَواصِف الغُبار اللئيمَة و شَحْ موفور الماء في الطبيعة الخَشِنَة، كما ان تواجُد الحيوانات المُفْتَرِسة في العَديد من مَناطِق البادية لم يَكُن مِنْ السَهْل التَعامُل مَعَهُ فكانَتْ بِمَثابَة خَطَر يُهَدِد حياتَهُم و يُهَدِد الثَروات الحيوانية التي كانوا يرعونَها لتأمين قوتهم و خُصوصا في عُصور ما قَبْل التاريخ التي تَتِمْ بها احداث الفلم، فلم يَكُن لديهِم الأسلِحَة الفَعًالة للدِفاع عن أنْفُسِهِم و ماشيتِهِم، و لتأمين الأعْشاب و الماء كانوا يرتَحِلون مِنْ مكان لآخر باحثين لأجل انفُسِهِم و لأجلِ ثَرواتِهِم الحيوانية، و هذِهِ كانت مُعْضِلَة عَشيرة رام و التي دَفَعَة بِهِ الى طَلَب السَفَر الى مصر لتَعَلُم أُصول الزِراعَة ليُخَضٍر الأرض الصَحراوية و يُريح عشيرتَهُ من عَناء التِرحال، فكانوا يعانون الأَمَرًين مِنْها خُصوصا و إن الأمْطَار أصْبَحَت خفيفة مُنْذِرَة بِسِنين قَحْط كُبرى قادمة الى ديارهِم،

مِنْ المُهِم جداً أن أُنوه عَنْ نُقْطَة جوهرية و هي أن الإكسِسوار الذي كانوا يَرْتَدوه المُمَثلين الذين جَسًدوا دور عَشيرة رام كان مُتْقَن و مُناسِب مع البيئة التي يعيشوا بها، لأننا نَرَى في هذه الايام اعمال تُحاول شركات الانتاج القيام بها و تَصْرِف عليها ما تَصْرِف مِنْ مَبالِغ و ميزانية لتأتينا فَقَطْ بالصَدامات الكُبري، فَعلى سَبيل المِثال لا الحَصْر رأيتُ في مُسَلْسَل تاريخي عَربي تَتِم احداثُهُ في عَصْر الرومان جُنود مُسافرين في البَرْ تَحْتَ لهيب الشمس الحارِقَة و خُشونة الصحراء و لَكِنْ لتُصوِر كاميرة المُخرج لباسَهُم و كأنَهُم إرتدوه للتو من المَتْجَرْ فالجِلْدْ يَشِعُ بِلَمَعان مِنْ دون ان يكون مُهْترئ او مُغْبَر مِنْ السَفَر، كما نَرَى خوذة رأس الجُنود يَشِع مِنْها بريق باهِرْ كَبَريق الجواهر تَحْتَ الشَمْس؟؟؟؟ ما هذا إلا اسْتِخْفاف بالمُشاهِد الذي يُتابِع هَذِهِ الأعمال، فاذا تابَعْنا دِقًة تَصْميم الاكسِسوار لعَشيرة رام و التعامُل المُحْتَرِف لفريق العَمل مَعَها سَنَرَى أن تاريخياً هذا كان واقِع الِلبَاس المَوْجود عِنْدَ أهْلِ البادِيَة في ذاك العَصْرْ كما انه ليس بالحالة المثالية لأنًهُ لِبَاس يومي يَتَعَرًض لخُشونَة طبيعة اعمالِهِم و بيئتهم، فالخِيَم ايضا لَيْسَت نَظيفَة كما و أنًهُ تَمً أُخراجُها للتو من مُسْتودَع للتخزين؟ و نَرَى أيضاً المَظْهَر الخارجي للرجال بِدائي جدا فَشُعورِهِم طويلة غير مُرَتَبَة و اللِحْيَة غير مَحلوقَة لِعَدَم تواجُد أدوات حادة لِحِلاقَة الشًعْرْ في ذلك الوقت، كما و أن الأمر الرائع ان المِكياجات التي توضَعُ على وَجه المُمَثلين و النساء لأغراض التصوير غَيْر ظاهرة بتاتا و لا يَشْعُر بها المُشاهِد، كما انهُ لا تَظْهَر أيًةْ مظاهِر للزينة خارِج عَنْ ما هو مُتَوَفِر بالصورة الطبيعية بهذا المُجْتَمَع، فَمَنْظَر عشيرة رام الخارجي مُقْنِع انها من البادية بكل معنى الكَلِمَة،

الحضارة الفرعونية : تَنْقَلِب الموازين كليا عِنْد هذه الحَضَارة الجَبارَة التي تَمْتَاز بالفلسَفة و الفِكر و المُجتَمَع المُنَظَم و الجيوش لحِمايتَها و العِلم و المَعرِفَة في البنيان و الهَندسَة المِعمارية، و قُدْرَة المُخرِج على تقديمِها بواقِعِيَة و باتْقَان كما فَعَل مع البيئة الصحراية شَدً انتباهي كثيرا، فَنَرَى الاسوار العالية التي تحمي مِصْر الفَرعونِيَة مَعْ ابواب مدينة طيبة العَريقَة التي كانَتْ جُزء مِنْ أُسلوب دِفاع عَسكري مُنتَشِر في كثير من المُدُن العريقة القديمَة، و نَرَى الحُرًاس الفرعونيين بزيٍهِم الحقيقي و أسْلِحَتِهِم العَسْكرية يَحْمون أبوابها، و نَرَى قوافِل التِجارة تَنْتَشِر في ساحاتها و أسواقها بين حُشود المدنيين المصريين بلباسِهِم التقليدي القديم، و نرى تماثيل الآلهة الفرعونيين العِملاقة تَنْتَشِر في المدينة التي كان أهل طيبة يعبدونها و أيضا اللغة الهيروغليفيا تملئ جُدران المدينة، فاسْتَقْبَلتنا طيبة القديمة بِرُبوعِها العامرة و عانَقَتْنا بزينتها و اهلها و هم يزاولوا نَشاطِهِم المُعتاد مِنْ خِلال عِدًة مَشاهِد و رام على وَشَك ان يُباع الى كبير حُرًاس فِرعون مصر، فرَوَت لنا طيبة افراح اهلِها و احزانها ايضا من خِلال المَشاهِد الدرامية للفِلم و الصِراعات و الحَبَكات الموجودة بِه.

ثانيا) حبكات الفِلم : حبكة الفِلم الرئيسيةتَتَمَحور حول سَفَر رام الى مصر ليُحَقِق هَدَف رئيسي هو تَعَلُم الزِراعَة لكي يُريح أهلُه من عَناء التِرحال، و ما هي المَصاعِبْ التي يُلاقيها بَعْدَ انْ يَغْدروا بِهِ إخْوَتُه الذين يَغارون مِنْهُ كَوْنُه الأكْثَر دلالاً بِعائِلَتِهِ مِنْ قِبَل ابيه و كيف يُجْبِروه على السَفَر في سفينة بَعْدَ ان يَضْرِبوه على رأسِهْ و يَضَعوه في سَفينَة لِتُبْحِر بِهِ الى مِصْر، و هُنالك حبكاتان اضافيًتان ثانويًتان تَتَوَضًح مع إحْتِكاك رام بأهل مصر و هي ارادة زوجَة قائد حَرَس فرعون اقامة عِلاقَة عاطفية مَعَهُ بِسَبَب فَراغ عاطفي تَشْعُر بِهِ و مشاعِرَهُ تجاه إبنة مُعَلٍمِه الذي يُعَلِمُه الزراعة،

ثالثا) المَناخ السياسي للمُهاجِر : باختِصار شديد يَرَى العُلماء ان البِدايات المُتَحَضٍرة للانسان في حَقَبات ما قَبْل التاريخ و مُنذُ الاف السِنين كانت عندما بدأ بالتِرْحَال ضِمْن جماعات تَقْتات مِنْ ثِمار الأشجار و يَصْطاد الحيوانات ليأكُل لُحومَها، و لَكِنْ نظراً للذكاء الذي يَتَمَتًع بِهِ سُرعان ما تَعَلًم الزِراعة لتُصْبِح وظيفة جديدة لَهُ و مَصْدَر طعام جديد لمُجْتَمَعاتِه، و بما ان ضِفاف الأنْهُر تُوَفِر الأراضي الرِطْبَة و الخِصْبَة إسْتَقَرً على هذه الضِفاف و زَرَعَها و بنا لِنَفْسِه مُجْتَمَعات سَكَنَها و أحْسَن تَنْظيمَها، و مع مُرور السنين و العُقود الزمنية كَبُرَت نَسْمَة هذه المُجْتَمَعات و أصبح لها أُسُس تَرْتَكِز عليها و فَلْسَفَتها الخاصة و الديانات التي تؤمن بها، و عَيًنَت لها رئيسا و مسؤلين و قوانين لتَحْكُمَها و أصْبَحَت بهذا تُعْرَف بِحَضارات.

مما لا شَكً بِهِ و حَسَب ما وَجَدَت دِراسات العُلماء من مُنَقِبي الأثار و الباحثين ان هُنالِك ثلاثة حَضارات عَتيقَة رأت النور على ضِفاف ثلاثة أنْهُر عَظيمَة، هُما حَضارات ما بين النهرين عند أنْهُر الدِجَلة و الفُرات و حَضارَة تَمً التَعَرُف عليها مِنْ خِلال كِتَابات مُؤَرِخين صينيين بالرُغْم مِنْ أنه لم تَنوَجِد اثارُها لغاية الآن و هي عِنْد نَهْر يانغتزي الكبير و ايضا الحَضارة الفرعونية الجَبًارة التي حَكَمَت بِقاع واسِعَة مِنْ الشرق الأوسط عَبْر فَتْرَة ثلاثة ألأف سَنَة مِنْ حَقَبَة ما قَبْل الميلاد، و هَذِهِ الحَضارات هي الأقْدَمْ على الإطلاق الذي عَرَفَها تاريخ البَشَرية، و يَعْتَقِدوا العُلماء أن واحِد مِنْ هَذِهِ الأنْهُر ربما يكون قد شَهِدَ وصول جَماعات إختارَت أن تَسْكُنَها مُنْحَدِرَة مِنْ أصول آدم و حواء، فَلَمْ يَكُن بِمُتَناول يدي الإنسان الأول إلًا مِهْنَتي تَرْبية الماشية و الزِراعة.

عِنْدَما نَتَكَلًم عن مِصْر نَحْنُ لا نَتَكَلًم عن حضارة إنسانية عادية، فَمِصْر تُعَد عِلمياً مِنْ أقدم الحَضارات التي عَرَفَها تاريخ البَشَرية على الإطلاق لِدَرَجَة أن العُلَماء لا يَسْتَطيعوا تَحْديد بِالدِقًة بدايات وجود الإنسان بها، و يَقول العُلَماء و حَسَب توثيقات الموسوعات الرسمية أنهم إبتدأوا بايجاد أثار لِحَضارات مُنَظَمَة جِداً مُقارنة مَعْ مَقْدِرات الأنسان الأول و كانت بِمَثابَة البِدايات الأولية لِلْحَضارات الفَرْعونية يعود تاريخُها الى نِهايَة الألفية الرابعة قَبْل الميلاد، و كانت هَذِهِ الأثار لِجَماعات أو دويلات صغيرة مُنْتَشِرة على طول ضِفاف نَهْر النيل و لَكِن في نهاية الألفية الرابعة لاحَظَ العُلَماء أن هَذِهِ الدويلات تم توحيدُها الى كيان كالدولة كبير عن طريق تيار جامِع لغاية الآن لم يَتَعَرًف عليه العلماء بِصورة واضِحَة، و لكِن لديهم إحساس أن هذا التيار رُبَما يكون مَصْدَرُه مِنْ الشمال المصري، ففي سَنَة ثلاثة ألأف و أربَعْمِئَة قبل الميلاد نَرَى الخارطِة الديمُغرافية لِمِصر تَتَبَدًل الى مَمْلَكَتان مُنْفَصِلتان واحدة تَحْكُم الشمال بأراضي الدِلتا الخَصيبة و الثانية تَضُم أقسام مِنْ جَنوب مصر بأراضي ضِفاف النيل الخَصيبَة،

فَنَحْنُ إذاً نَتَكَلًم عَنْ دَوْلَة عَرَفَت الحَضارة مُنْذُ بُزوغ فَجْر الإنْسَانِيَة، و يأتينا مؤرخ فَرعوني مُنْذَ عُتْقِيًة الزمان إسْمُه مانيثو عاش في حَقَبات ما قبل الميلاد لِيَقْسِم الحَضارة الفرعونية كاملة الى ثلاثة أقْسام، و قد سَمًى هَذِهِ الأقسام علماء عَصْرِنا على النحو التالي - المملكة القديمة - المملكة الوُسْطى - المملكة الحديثة، و حَدًدوا بِدايَة العَصْر الفرعوني في سنة ثلاثة الاف و مِئَة قَبْل الميلاد، ففي هذا الزمان كانت مصر مُوَحًدة تَحْت رَئيس فرعوني واحد وابتدأت رِحْلَة حَضارة الفراعنة الطويلة مُنْذُ هَذِهِ التواريخ العَتيقة، و مِراراً و تِكراراً تَروي لنا أثارُها الخالدة و اللغة الهيروغليفية على جُدرانها التي بُنية بأٍيدي أمْهَر البنائين لديهم و أحجار الأهرامات التي بُنية بِتَعَب و دِماء رجال هَذِهِ العُصور و التي ضَمًت رُفات مُلوكِهِم العَظيمة و تَسْرُد لنا المَعابِد الضَخْمَة التي ما زال يُسْمُع بين أروِقَتَها أصوات الكهنة و هُمْ يُصلون الى آلِهَتِهِم...كلها تُخْبِرُنا قِصَص الحَضارة الفرعونية مُنْذُ نَشأتِها الى تَعَمْلُقِها ثم وَانْتِهائِها، و كيف شَهِدَتْ اياماً ذَهَبية و ازدانة شَوارِعها باهازيج الأفراح بانْتِصَارات جُيوشِها الجَبارة في الحُروب و كيف بالمُقابِل سادة سنين حُزن حين كانت تَرْزَح تحت حُكْم عِداها.

لِذَلِكَ لا يَعْلَم المُشاهد في حقيقة الأمر انًهُ حين يُقَدِم مُخْرِج فِلم المُهاجِر الحَضَارَة الفَرْعونِيَة في بِدايات عَهْد الفَرْعون أمينوفيس الرابع يُقَدِمها و عُمْرها ألف و ثمانمائة عام، حَضارة عِمْلاقَة ناضِجَة تَمْتاز بِهَوِيًتِها الدينية المُسْتَقِلة و نِظام حُكْم مَلكي مُتَمَكِنْ و مُميزاتها الخاصة و حدود وَرِثَتها مِنْ حُكم و الفتوحات العَسْكرية لِلفرعون ثوتموس الثالث، فامْتَدًت هَذِهِ الحُدود لِتَصِل مِنْ مَناطِق الحَبَشة جنوبا الى دِلْتا النيل شَمالا و الى مَناطِق عَبْر الأردن و اراضي كَنْعان و بِلاد الفينيقيين (لبنان) و صولاً الى حُدود المَمْلَكة الحِثية في الغَرْب و التي هي عدو تقليدي لفراعِنة مِصْر، فَلِذَلِكَ حين يَنْتَقِل رام في الفلم الى طيبة مَعْ المَلًاحَة ليَبيعوه يَجِد هَذِهِ المدينة مُزْدَهِرة جِداً، و لَكِنْ في بِدايات هَذِهِ القِصَة الدرامِيَة في عَهْد أمينوفيس يَحْصُل الغير مُتَوَقًع، فَتَكون البِلاد في إنْقِسام قوي تَمْهيداً لثورة كُبرى لم تَخْتَبِرها مصر الفَرْعونِيَة إطلاقاً مِنْ قَبْل، و السَبَبْ يَكْمُن في أنه عَبْر الأَلْف و ثمانْمَائة عام السالفة كانوا الفَراعِنة مُجْتَمَع وَثَني بِصورة مُطْلَقَة، اي كانوا يُؤْمِنوا بِتَعَدًد الآلِهَة و كانت عِبادة الأصْنَام جُزء مِنْ الطُقوس الدينية عِنْدَهُم، و لَعَلً تماثيل الأصْنَام العِمْلاقَة التي إنْتَشَرَت لِمِئات السنين بِمُدُنِهِم تَعْكِس كَمْ كانوا يُقَدٍسوا هَذِهِ الآلهة و يَهابونَها، فكانوا يَعْبِدوها مَعْ شَتى الحَيْوانات بَلْ رافَقَت وجود هَذِهِ الآلهة قِصَص عَنْ نُشوء العالم، حتى عَيًنوا للنيل إله لكي يَعْبَدوه و يَسْتَعْطِفوه ليُخَفٍف مِنْ شِدَة بَطْش هذا النهر حين يفيض، و حَدٍث بلا حَرَج عَنْ طُقوس العِبادة لِهَذا الإله الذي كان سَبَب في خُصوبَة الأراضي الزِراعية و ضِفافِه في مُعْتَقَداتِهِم، و لا نَنْسى الشَمْس التي كان لها دَوْر أيضا فالإله آمون كان إلَه الشَمْسِ و الريح و الخُصوبَة، و كانَتْ عِبادة الإلَه آمون شائِعَة في التاريخ المصري و خُصوصاً في عَهْد أمينوفيس و لكن لا شَكً ان هذا الفرعون وريث حَضارة و فَلْسَفَة حياة لا يُستَهان بها، فكان هذا الفرعون يؤمِن بوحدانية و سيادة آتون قُرْص الشَمْس كالإله الأوْحَد مُسْتَقِل في العالم، و كان يَتَعَبًد له هو و عائِلَتَه و بالمقابل كان يَتوقَع مِنْ الناس ان يَعْبِدوه كفرعون و كائِن بَشَري مِنْ لدُن هذا الإلَه.

كانوا كَهَنَة آمون را في الفلم غاضِبون جِداً مِنْ هَذِهِ الطقوس التي طَبَقًها أمينوفيس في عَهْدِه، خُصوصا عِنْدَما أصْدَر أوامِرُه للناس بِعَدَم عِبادة إلا آتون، فحتى الريع المادي الذي كانوا الكَهَنَة يَسْتَنْفِعون مِنْهُ كان يُصادِرُه ليبني عاصِمَة الإلَه الجديدة أمارنا بَعيدا عن طيبة العاصِمة التقليدية لبِلاده، فكانوا في قِمًة غَضَبِهِم و كانت هُنالك إنْقِسامات بين الناس أيضا على موضوع هَذِهِ العِبادة و لكن كانوا عَبَدة آتون بازدياد ملحوظ ليَغْتاظ الكَهَنَة أكثر، و كانت هُنالك عِدًة مَشاكِل إضافية تُلاحِق المَمْلَكَة الفرعونية فكانت مُشْكِلَة الجَفاف و عَدَمْ وَفْرَة الأمطار التي إبتدأ الناس يُحِسون بها مُسَبِبة عَدَمْ راحة عِنْدَهُم.

و لكِن كل هَذِهِ الأمور كانت في بِداياتها في الفِلم في بِدء رِحْلَة رام في طَيبَة عِنْدَما إبتدأ يَكْسِب عَطْفْ أمهيار كبير حُراس البلاط الفرعوني و الذي يُجَسٍد دَوْرَهُ الفَنان مَحْمود حميدة، فكان أمِنْحوتِب الثالث فرعون مصر و كان أمينوفيس مازال ولي العَهْد، و في داخل القَصْر الفرعوني كانت عِبادة آتون تَتِم في السِرْ و لَعَلً هذا يَعود الى مَخاوِف مُعَيًنة مِنْ رَدًة فِعْل كَهَنَة آمون را في بِدايات تأسيس طُقوس هَذِهِ العِبادة في القُصور المَلكية و كان يَحْضُر الطقوس السرية أمينوفيس و عدد مُحَدَد مِنْ عامًة الناس و بَعْض شَخْصيات القَصْر، و لكن يَتًضِح أن هذا الطقس كان قَدْ تَسَرًب الى الخارج مِنْ غير عِلْم جَماعة أمينوفيس لِيَشْمَل عامة الناس و يَلْفِت إنْتِباه كَهَنَة آمون را و الذين يكونوا في تَذَمُر مِنْ هذا الفَلَتان، و السِجال بين أتباع آمون و عَبَدَة آتون كان قد إبتدأ ان يأخذ شَكْلا خَشِناً عِنْدَما أحاط أتْباع آتون موكِب آمون را و قاموا بِرَشْق هذا الموكب بالحِجارة أثناء قيام رام و رَفيقه بالعبودية في جَوْلَة في السوق، كما خلال سياق الفِلم تَـتَصاعَد حِدَة التوترات تدريجيا بين هَذِهِ الأطراف و في داخل الحياة السياسية في المَمْلَكة بين أمهيار و كبير كهنة أمون را لِتَصِل الى دَرَجة مُحاولة كبير الكَهَنَة صُنْع المَكائد الخَفِيَة للإطاحة بامِهيار.

تَتَوَقًف أحداث الفِلم عِنْد نقطة زمنية لتُعالِج حبكاته بِنَتائِج مُرضية لِجَميع الأطراف، فَيَتَعَلًم رام الزِراعَة و تَخْضير أرض الصَحْراء بِصورة ناجِحَة، و يُنْقِذ مصر مِنْ تَهْلُكَة مُحَقًقَة بِفَضْل تَقَنية زِراعة الصَحراء الناجِحَة، و بَعْد صِراع عاطِفي مَرير يَتَزَوج هاتي إبنة مُعَلٍمِه التي تُجَسِد دورُها الفنانة حَنان التُرك بالرُغْم مِنْ تَعَلُقَه العاطفي في بداية الأمر بسيميهيت زَوْجَة امِهيار ، إلا أن أخلاقُه لم تَسْمَح له بخيانة القائد أمهيار الذي أحْسَنَ له كثيرا و يَحْصُل هذا بَعْد جَلْسَة عاطفية مع سيميهيت يَتَبادَل مَعَها لُغَة عاطِفية تكاد تَقودُه نحو الخيانة ليَرْدَعَه ضميره في آخر لَحْظَة فَيَتَوقًف، و يَكْتَشِف أمهيار هَذْهْ الجَلْسَة و لكن لِتُلقي سيميهيت اللوم على رام من خوفِها من زوجِها، فيُواجِه أمهيار رام ليُلْقيه بَعْدَها في السِجن، و لكن يُنْقِذ ضَمير سيميهيت الموقف حين تَبوح بالحقيقة لمَجْلِس فرعون ليُطْلَق سراح رام في النهاية، اما أمهيار فَيَنْتَصِر على كبير كهنة آمون عِنْدَما يُلْقي القَبْض عَليه بعد أن بدأ باضْطِهاد عامة الناس و حَرْقْ مَحاصيلِهِم الزِراعية بِسَبَب تَمَسُكِهِم بِعبادة آتون، و لا يَنْتَهي هذا الفِلم الرائع قبل ان يَتَصالح رام مع إخوانه بعد ان يَدْفَعَهُم الجفاف الى الرحيل الى مصر لطلب المُساعًدًة، فبعد ان إنتهت الأمور على خير تَنْتَهي مشاهده الشيقة.


المصادر : ا+ب+ج :
1) http://en.wikipedia.org/wiki/The_Patriot_(2000_film)
2) Caxton Encyclopedia; Copyrighted 1977 Edition; The Caxton Publishing Company Limitted, UK



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات