فضائيات تراقب الفاصلة وترصد التنهيدة


فضائيات تراقب الفاصلة وترصد التنهيدة فوّال الحارة الشامية الذي صار حلاق بابها ومن يدجّل على من: القناة أم مشاهدوها؟!
مالك العثامنة


من باب الاستعانة بفواصل الضجر، توقفت قليلا أمام إحدى حلقات «باب الحارة» في موسمه التاسع، وتحديدا استوقفني مشهد «زوم إن» على أبوعصام – حلاق دمشق، ويؤديه الفنان عباس النوري، وقد بدت رقبته بتجاعيد العمر والسن توحي بما لا يمكن إخفاؤه من سنوات تمضي، فتذكرت فجأة ظهوره في بواكير نجوميته حين أدى دور محمود الفوال في أول قطوف دالية الدراما الشامية في مسلسل «أيام شامية»، الذي تم إنتاجه عام 1992، والمفارقة أنه للمخرج نفسه، الذي يخرج الآن ما غدا مهزلة «باب الحارة».
الفرق كبير بين «أيام شامية»، حيث كانت هناك حكاية تمسك النص حولها، بدون فذلكات درامية وإخراجية تحاول استدرار العواطف عبر مشاهد مكرورة متكلفة ومكلفة.
«أيام شامية»، كان بداية ظاهرة الدراما الشامية، التي توثق أحيانا بموضوعية شيئا من تاريخ الشام، فتبعها بعض الأعمال التي تمسكت بالحكاية الجميلة وعرضت في خلفيتها محورا من تاريخ المدينة الأقدم في تاريخ الإنسان، فكان مسلسل «ليالي الصالحية»، وبعده مسلسل «الخوالي»، والذي وثق بشكل لطيف قصة محامل الحج الشامي إلى الحجاز.
ولا يساورني شك أن مؤلفي تلك الأعمال لجأوا إلى مراجع وكتب أفادتهم وأفادت المشاهد في توثيق شيء من تلك المرحلة مع المعالجة الدرامية طبعا، وكأنك تقرأ «حوادث دمشق اليومية» للحلاق البديري بالصوت والصورة.
من هنا، وحتى نستعيد شيئا من التوازن الدرامي بعد تلوث ذائقتنا وذاكرتنا بما آل إليه مسلسل «باب الحارة»، لو أن قناة محترمة تعيد بث أول وأعذب قطف سلسلة دراما الحارات الشامية.. مسلسل «أيام شامية».

«لمسات»
من الشعوذة والدجل

وعلى سيرة الدجل الدرامي والشعوذة القصصية، التي ينتجها بسام الملا وشركاه، أدهشني هذا الكم الهائل من قنوات الشعوذة والسحر الموجودة في الفضاء العربي، وحسب منطق العرض والطلب، فإن تلك القنوات المكشوف عنها الحجاب، لن تستمر لولا وجود نسبة مشاهدين تكفي لاستمرارها، وهو ما جعلني أتسمر أمام قناة «لمسات»، وقد فتنني الإسم الذي كنت أمر عليه مرور الكرام أثناء تجولي بالريموت كونترول، معتقدا أنها قناة مختصة بمستحضرات التجميل، حسب إيحاء الإسم، لكن الدكتور العلامة بحر العلوم فريد عصره «أبو الحارث» قطع الشك باليقين، وقد ظهر على الشاشة مسترخيا خلف مكتبه، في برنامجه «خفايا وأسرار»، وكم أدهشني حجم المغترين والسذج في عالمنا العربي وهم يتوالون بالاتصال طلبا لمعرفة الغيب والطالع، والتي يقوم بها «أبوالحارث» بثقة أمام الكاميرا، مدعيا أنه محيط بعلوم الغيب والطب، فيعطي وصفات غربية وعجيبة للمتصلين، مؤكدا أنها الشفاء التام من كل داء.
قبل فترة، كتبت أن أغلب هزائمنا ليس مردها قوة العدو، بقدر ما تكمن القصة في عمق جهلنا في عالم يحكمه العلم والمنطق، ومن هنا أذكر مثلا أن الكيان الإسرائيلي لم يقم كدولة إلا في عام 1948، لكن اليهود المهاجرين من كل أقطاب الدنيا إلى أرض فلسطين، كانوا قبل ذلك وفي مستوطناتهم، التي استوطنوها قد اجتمعوا على تأسيس معهد أكاديمي تقني اسمه «التخنيون» عام 1912، وهذا كان تحت السلطة العثمانية، التي كانت حينها تحارب أي صعود للقومية العربية في المقابل وتعلق المشانق في حواضر بلاد الشام (دمشق وبيروت والقدس والكرك) لكل من تسول له نفسه أن يسعى للتنوير والخروج من قاع الجهل والتجهيل.
كان «التخنيون»، أول حجر أساس لدولة الإحتلال، إلا أنها وضعت العلم أساسا لها. وحسب مؤرخ فلسطيني قرأت له مؤخرا عجالة على الموضوع، فإن التخنيون كان معهدا أسسه الألمان في الأساس لعرب فلسطين، لكن الاحتلال سلب فلسطين وكل ما فيها من إرث علمي فاستفادوا هم في زراعة الصحراء وإعمارها، ونحن ما زلنا نتوسع في تصحرنا العلمي والثقافي حتى اليوم. والدليل أن «أبا الحارث» ما زالت لمساته الفضائية عند مدمني الخبز والحشيش والقمر في بلادنا أقوى من مصانع «بفايزر» العالمية بكل مختبراتها للأدوية!

مندوب الجهاز الأمني
في الإعلام العربي!

وبعض الإعلام العربي، المصري خصوصا وليس حصرا، ما زال يعيش في زمن الحكم المخابراتي بدون تورية ولا اختباء خلف أي ساتر، فتشعر مع بعض برامج «التوك شو» المصرية أن مندوب الجهاز الأمني موجود في غرفة المراقبة وأمامه ميكروفون التواصل مع الاستديو، ويعطي تعليماته وينهر ويمنع ويشير إلى ما يريد عبر من يقدم البرنامج.
طبعا نستثني الإعلامي الضابط البوليسي أحمد موسى، حيث أنه هو شخصيا المندوب الأمني لكل الأجهزة، مما وفر علينا عبء البحث عن المخبر السري.
تلك القصة ذكرتني بحكاية عشتها في الأردن، ولخصها الدكتور خيري جانبك، وقد عمل سابقا في الديوان الملكي الهاشمي حيث يقول: «لما كنت أحد الموظفين المعنيين بالإعلام الرسمي في الأردن، أتاني شاب صحافي ليطمئنني بأنه موضع ثقة بالنسبة للأخبار الحصرية. وهمس لي بأنه يحمل رقم الموبايل الشخصي للمسؤول عن القضايا الإعلامية في المخابرات العامة.
شخصيا أنا لم أعرف هذا المسؤول، ولكنني أجبت هذا الصحافي محاولا كل جهدي أن لا أقوم بكسر خاطره، بأنه ربما يكون الرقم ثلاثين من الصحافيين ممن همسوا لي بالمعلومة نفسها»!
الأجندات السياسية وفهمناها حسب توجه كل محطة وقل لي من يملك المحطة أقول لك ما هو توجهها، لكن تلك المراقبة الأمنية المخابراتية، التي تراقب الفاصلة وترصد التنهيدة على الهواء، فهذا معيب في زمن صارت المعلومة فيه متاحة على كف اليد، وبكبسة زر.
إعلامي أردني يقيم في بروكسل



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات