ثلاثُ ليالٍ لا نُكلّم فيها الفرح


وكبَّرَ مُكبِّرُ الفرحِ منادٍ لصلاة العيد ، وأفاقَ الموتى باكراً للتأنّق إستعداداً لإستقبال حملة الورد والبنفسج ،
وبدأ خمسينيّ بحلاقة ذقنه فجراً قَبْلَ أنْ تستيقظ قهوة زوجته المُنهكة أملاً ، ليلقي تحيّة العيد على عربةٍ حُبلى ب "غزل البنات" ، يطوف فيها شوارع المدينة كي يبيعَ للأطفال فرحهم ، ويبتاعُ لأطفاله كِسرةَ فرح ، وأكتستْ ثلاثيّنيّة تاج عفّتها وبدأت بوضع اللمسات الأخيرة على كعك السعداء ، لتملئ به صحون القشّ وتبدأ بتفريقه على غير المحتاجين ، لأنّهم وحدهم من يملكون أعطية العيد لبنيّات أحلامها الصغيرة ، وطفلٌ منذُ السابعة وجعاً وهو يقفُ أمامَ حجرة نوم أبيه المغلقة منذُ أعوامٍ ، تماماً منذُ أنْ خرج أبيه لتلبيّة نداء السلام الملكيّ ، ينتظر ككل الرجال الصغار "أُعطية العيد" ، وأبٌّ أنهكه الفرح حدّ البُكاء ، لا يملك في سُكّرية العيد من حلوى ، سِوى ما شاء الله له من إقتباسات وتحايا يولِمُ بها لزوّار العيد الطارقين بابه الخائف من طرق مالك البيت كـــلّ نهاية شهر ، وبُنيّة عشرينيّةٌ تقبّل يدَ كَهْلٍ لا يملك في محفظته سِوى وثيقة رسميّة تثبت بأنه متقاعد عسكري ، وأخرى تؤكّد بأنه أصبح يعمل كرجل أمنٍ أمامَ أبواب أحد المسؤولين.

افرحوا وَلَكِنْ ؛

حينَ تُعلِّقُ مصابيحَ النور الملوّنة على نافذة بيتك ، تذكّرْ بيوتاً أشعلتْ وجوه ساكنيها شمعاً ، حينَ تعجنُ حلوى العيد صُبْحًا ، تذكّرْ غارمين يقضمون الصبرَ خُبزاً ، حينَ تهِبُ أطفالك عطايا العيد ، تذكّرْ أطفالاً وهبوا أباءهم للوطن فجراً ، حينَ تزور أهلكَ وفداً ، تذكّرْ وحيداً وَرَدَ حوض الحزنِ وِردَاً ، حينَ تُفوِّحُ في الدار بُنِّكَ ، تذكّرْ جاراً جواركَ يشرب قهوة الْفَقْرِ قهراً ، حينَ تقفُ على باب الدار صفّاً ، تذكّرْ من يصطفّون على الأرض قصفاً ، حينَ تنتقي لمن تُحِبُ من سلال العيد عُقداً ، تذكّرْ مُحِبَّاً صارَ الوجع على عُنقه طوقاً ، حينَ تفتحُ أبواب المقابر بالفاتحة سبعاً ، تذكّرْ موتى زوّارهم موتى ، وصارَ لحن صوتهم لحداً .

افرحوا وَلَكِنْ ؛

بأيّ حالٍ عُدتَ يا عيدُ ؟ ثلاثُ ليالٍ لن نكلّم فيها الفرح إلاّ همساً ، ثلاثُ ليالٍ ألقتْ علينا يمينَ البكاء ثلاثاً ، ثلاثُ ليالٍ ونحن على ذِمَّة أحلامنا مثنى وثُلاث ، افرحوا وَلَكِنْ على رؤوس أصابعكم ، عانقوا يومكم بعيداً عمّن يعانقون ساعات الحائط ، اصرخوا بتكابير العيد ولَكِنْ هوناً ، أرقصوا كما شئتم في خيَمِ الفرح ، ولا تعبثوا بالراقدين في مُخيّمات الدمع .

افرحوا وَلَكِنْ ؛

كـــلّ عيدٍ وأطفال الحرب بسلامٍ ، كـــلّ عيدٍ وشهداء الحبّ بفرح ، كـــلّ عيدٍ ويوسف وإخوته بتصالح ، كـــلّ عيدٍ والباعة على الشارة الضوئيّة بأمان ، كـــلّ عيدٍ وباعة القهوة على الطرقات برضا ، كـــلّ عيدٍ والذين ما فكّوا صومهم بطمأنينة ، كـــلّ عيدٍ و أزهارنا تحتَ التراب برحمّة ، كـــلّ عيدٍ ومن ينتظرون الأحلام المعلّقة بإستجابة ، كـــلّ عيدٍ والإنسانيّة بحياة.

افرحوا وَلَكِنْ ...



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات