القـرار الإسـرائيلي وخيـاراتنـا الوطنيـة


∎ رغم اتفاقية وادي عربة فقد فكر الإسرائيليون باحتلال الأردن

∎ في ظل عملية السلام رفعت إسرائيل شعار يهودية الدولة!

∎ الوقائع تؤكد أن لا بديل عن خيار المقاومة فقد فشل الخيار الآخر

القرار الإسرائيلي بطرد أكثر من سبعين ألف فلسطيني، من الضفة الغربية يطرح من جديد السؤال حول خياراتنا الوطنية، والقومية الكبرى. خاصة ما يتعلق منها بالصراع الدائر فوق فلسطين، وحولها وعليها. فمنذ أكثر من عقدين صار من الواضح أن النظام العربي الرسمي انحاز علناً إلى ما صار يعرف بعملية السلام. التي صارت الخيار الاستراتيجي الوحيد لهذا النظام. وفي إطار هذا الخيار عقد مؤتمر مدريد للسلام. ثم المفاوضات المباشرة في واشنطن بكل تسميتها من مفاوضات الكردور، إلى كامب ديفيد الثنائية، مروراً باتفاقية وادي عربة وقبلها أوسلو، وصولاً إلى أنابوليس تعريجاً على المبادرة العربية، وانتهاء بوعود الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما، والجولات المكوكية لمبعوثه إلى الشرق الأوسط جون ميتشل. ليأتي القرار الإسرائيلي الأخير بطرد الفلسطينيين، كحلقة في سلسلة الممارسات الإسرائيلية التي تؤكد كلها استهتار إسرائيل، بما يسمى بعملية السلام من جهة. وإصرارها على تنفيذ المشروع الصهيوني الكامل، بإقامة الدولة اليهودية الخالصة، انتهاءً بإسرائيل الكبرى. وهذا كله يستدعي من أصحاب خيار السلام وقفة مراجعة وتقييم للاجابة على السؤال الكبير: ماذا جلبت لنا مسيرة السلام؟.
أردنياً كان المبرر الرئيسي لاتفاقية وادي عربة هو تكفين فكرة الوطن البديل. ودفن الخيار الأردني. وحماية الأردن. فهل تحقق شيء من ذلك؟.
الوقائع على الأرض والتي تجيب عن هذا السؤال، تؤكد أن شيئاً من ذلك لم يتم. وآخر الأدلة على ذلك، القرار الإسرائيلي الأخير بطرد الآلاف من الفلسطينيين من الضفة الغربية. وهو قرار يعني بالتأكيد تهديداً واضحاً وجلياً للاستقرار الأردني السياسي والاجتماعي والاقتصادي. ومن ثم السكاني. والذي يعني ان العدو الإسرائيلي ما زال يفكر بالأردن كوطن بديل للفلسطينيين وانه ما زال يلوح بالخيار الأردني.
بل لقد ذهب العدو الإسرائيلي بعد اتفاقية وادي عربة إلى ما هو أبعد من ذلك، عندما تم الإعلان غير مرة، على لسان قادته وصنّاع القرار فيه، أن الأردن جزءٌ من إسرائيل الكبرى. حيث ما زالوا في الكيان الإسرائيلي يرددون النشيد الصهيوني: «للأردن ضفتان الأولى لنا والثانية لنا» وفي هذا الإطار أنهى الكنيست الإسرائيلي قبل أشهر القراءة الأولى لمشروع قانون يعتبر الأردن وطناً بديلاً للفلسطينيين. فهل كفنت اتفاقية وادي عربة التي اعتبرت ثمرة من ثمار عملية السلام ما يسمى بالوطن البديل؟
الجواب «لا» كبيرة.
ليس هذا فحسب، فالصهاينة ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك أيضاً في ظل اتفاقية السلام المعروفة باتفاقية وادي عربة، عندما اخترقوا سيادة الأردن أكثر من مرة. وخاصة من خلال المحاولة الشهيرة والجبانة لاغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في عمان، في وضح النهار. بل ذهبوا إلى ما هو أخطر فقد فكر شارون عندما كان رئيساً لوزراء إسرائيل باحتلال الأردن. كما ذكر ذلك أحد أهم مهندسي عملية السلام واتفاقية وادي عربة بين الحكومة الأردنية والإسرائيلية.
هذه بعض الأعمال الإسرائيلية العدوانية المعلنة ضد الأردن، غير أن المخفي أعظم، من جهود مؤسسات التجسس الإسرائيلية المختلفة لتخريب الأردن، وتدمير منظوماته الاخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية. والذي صار يلمسه لمس اليد كل مراقب للأحداث في بلدنا. مما يبرهن على ان مسيرة السلام مثلما انها لم تكفن مشروع الوطن البديل والخيار الأردني، فإنها أيضاً لم تحمِ أمن الأردن من الخروقات الإسرائيلية. ومحاولاتها الدائمة لزعزعة هذا الأمن سواء من خلال التصريحات المستفزة، أو من خلال الممارسات الفعلية، كما جرى في محاولة اغتيال مشعل. وصولاً إلى التخطيط لاحتلال الأردن عسكرياً كما فعل شارون.
لقد جهد ما يسمى بمعسكر السلام العربي، ليسوق على أمتنا فكرة ان السلام هو السبيل الوحيد لاستعادة الحقوق المغتصبة في فلسطين والجولان وغيرهما. فهل استعيد شيء من ذلك؟.
هل عاد اللاجئون الفلسطينيون إلى وطنهم؟ أما إن ما حدث هو العكس تماماً. فإسرائيل الرافضة للاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين، ذهبت في ظل مسيرة السلام والتنازلات المجانية التي قدمها العرب للإسرائيليين إلى ما هو أبعد من رفض حق العودة. عندما واصلت سياسة الإبعاد للفلسطينيين من وطنهم، تحت حجج وذرائع شتى. وصولاً منها إلى القرار الأخير القاضي بطرد عشرات الآلاف من الفلسطينيين في عملية تهجير قسري جماعي جديد، تتم هذه المرة في ظل السلام كخيار استراتيجي للنظام الرسمي العربي. بل لقد ذهبت إسرائيل في ظل هذا الخيار إلى ما هو أخطر. عندما أعلن قادتها عزمهم على جعل إسرائيل دولة يهودية خالصة. مما يعني المزيد من تهجير الفلسطينيين بدلاً من عودة المهاجرين منهم.
وفي ظل السلام كخيار استراتيجي وحيد للنظام الرسمي العربي، هل توقفت عمليات الاستيطان وقضم الأراضي الفلسطينية؟
ان الحقائق والأرقام والوقائع على الأرض تقول غير ذلك تماماً. بل ها هو العالم، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، وفي ذيله سلطة رام الله، التي هي ثمرة من ثمار عملية السلام، يسعى جاهداً لاقناع إسرائيل بمجرد تجميد مؤقت للاستيطان، مقابل التطبيع الكامل مع العرب، ومع ذلك فإن الإسرائيليين يرفضون إعطاء معسكر السلام العربي حتى هذا الفتات الهزيل ولو بشكل مؤقت.
وفي ظل سلام الشجعان الذي تم الترويج له مطولاً، هل صارت القدس عاصمة للدولة الفلسطينية الموعودة؟ وهل تم إنقاذ المسجد الأقصى من خطر الهدم؟
هنا أيضاً فإن الوقائع والحقائق والممارسات على الأرض، تؤكد عكس ذلك تماماً. فالقدس ليست في قاموس المفاوض الإسرائيلي. هذا إذا كان هناك مفاوض إسرائيلي جاد؛ فالإسرائيليون بلا استثناء يجمعون على أن القدس الموحدة هي العاصمة الأبدية «لدولة إسرائيل». أما المسجد الأقصى فلا يحتاج المرء إلى كبير عناء ليكتشف كم تضاعف الخطر عليه في ظل مسيرة السلام. حتى صار معرضاً للإنهيار في أية لحظة دون ان يرف لإسرائيلي واحد جفن. بعد أن تيقن الصهاينة أنهم استطاعوا أن يحققوا من خلال انحياز النظام الرسمي العربي لخيار السلام ما لم يستطيعوا تحقيقه من مكاسب في ظل فترات الحروب واللا حرب واللا سلم.
هذا الاستعراض السريع لنتائج خيار السلام، الذي فُرض على الأمة. يؤكد إفلاس هذا الخيار، في تحقيق حتى الحد الأدنى من حقوق الأمة. بل على العكس من ذلك، فإن هذا الخيار ساهم في ضياع المزيد من هذه الحقوق. مما يستدعي إدارة الظهر له، والعودة إلى الخيار المنطقي للشعوب، عندما تتعرض للعدوان. وهو خيار المقاومة، الذي أثبت من خلال السنوات الماضية نجاعته في رد العدوان. فهذا الخيار هو الذي طرد المحتل الغازي دون شروط من جنوب لبنان. وهذا الخيار هو الذي كسر ظهر العدوان، وجذع أنفه ومنعه من تحقيق أهدافه من عدوان تموز 2006 على لبنان الشقيق. وهو الخيار نفسه الذي يلجم اليوم الإسرائيلي ويمنعه من العدوان على لبنان، فلم تعد الحروب الإسرائيلية في ظل وجود المقاومة نزهة للجنود الإسرائيليين. ولم يعد العرب هم الذين يختبئون في الملاجئ. ولم تعد المدن العربية وحدها التي تقصف خاصة في ظل تهديد المقاومة بقصف ما بعد بعد حيفا.
وخيار المقاومة هو الذي منع أيضاً آلة الحرب الإسرائيلية، من تحقيق أهدافها من عدوانها على غزة مطلع العام الفائت وهو الذي يجعلها الآن تتردد ألف ألف مرة في تجديد هذا العدوان. رغم كل ألوان الحصار البشع الذي يفرضه معسكر السلام العربي من قبل المحتل الإسرائيلي على غزة.
وخيار المقاومة هو الذي حول ما كان يعتقده البيت الأبيض نزهة لجنوده في العراق إلى مستنقع يغرق فيه الأمريكي يوماً ما بعد يوم. تماماً مثلما يحدث له ولحلفائه في أفغانستان.
خلاصة القول: إنه في الوقت الذي كان فيه خيار السلام يُضيع المزيد من حقوق الأمة. كان خيار المقاومة يمنع هذا التضييع. بل ويسترد المزيد من حقوق الأمة. ويردع عدوها. مما يعني ان المنطق والواقع والتكليف الشرعي يفرض على كل أبناء الأمة الانحياز إلى هذا الخيار. والأخذ بأسبابه لردع العدو أولاً. ولإعادة الحقوق ثانياً. وهذا يستدعي أولاً ان تتوقف عمليات مطاردة المقاومة والمقاومين، من قبل دعاة السلام، ليأخذ خيار المقاومة فرصته كما أخذها خيار السلام، الذي أثبت فشله. وهذا يستدعي ثانياً ان يتم تربية المجتمع العربي خاصة في دول الطوق على ثقافة المقاومة وأخلاقياتها وأساليبها. فهذا هو السبيل الوحيد لرد العدو ولمنعه من تنفيذ قراراته أولاً، وصولاً إلى تحرير الأرض. واستعادة الحقوق. وحتى ذلك الحين فإن علينا أن نظل في أعلى درجات الحيطة والحذر فالعدو يواصل كلالة الليل بكلالة النهار لتنفيذ المراحل النهائية من مخططاته لإقامة دولته الكبرى وهيكله المزعوم. مؤمناً أنه أمام فرصة تاريخية لا يجب ان يُفوّتها. وقد فاته أن مقاومة الشعوب قادرة على تفويت فرص الطامعين والمحتلين.



تعليقات القراء

صالح الحمران
سلمت يا بلال ...كلام سهل وممتنع, ونصيحة تستحق الاْحترام, موقف وطني يرد على بعض القوى التي لم تقوى على الرد على ممارسات الاْحتلال ونواياه ضد الاْردن وفلسطين, بل اخذت توظف ممارسات الاْحتلال ونواياه لخلق مناخات تخدم مشروعه القانْم على تفكيك وحدةالوطن والمجتمع. سلمت يا بلال....رسالة تطمين منك لكل الاْ ردنيين انه لا زال الوطنيون الاْردنيون كما كانوا عليه دوما: قبل ما يقارب الثلاثون عاما " ارسل وطنيون اردنيون منهم : الشيخ عبد الباقي جمو ,ونايف الخريشه, وملحم التل واخرون برد استنكاري للرنْيس الفرنسي عن طريق سفارته في عمان السيد ميتران حول ما جاء على لسانه بخصوص الاْردن في معرض حديثه عن اقامة دوله فلسطينيه ,حين اعرب عن حرص فرنسا على عدم التدخل *في موقع وحدود دولة الشعب الفلسطيني*قالوا في ردهم : الاْردن دوله مستقله عضو في الاْمم المتحده وفي جامعة الدول العربيه تستند الى ارادة شعبها ,وعلى فخامته ان يتذكر ان لا شرعة لحكم اليهود في فلسطين ولا يستند لغير قرار التقسيم الصادر عام 1947 واْن الخروج من الحلقه المفرغه لمساعي السلام في المنطقه لا يصح ان يستند لغير ذالك القرار لاْ ن تجاوزه وعدم الاْستناد اليه *يلغي كل مستند وتبرير لوجود حكم يهودي نازي في فلسطين*. مع شجبنا واستنكارنا هذا سنظل نوْمن مع كافة الاْحرار في العالم باْن ارادة الشعوب وحدها هي القادره والكفيله بحماية الحقوق وصيانتها من كل عبث وانحراف...سلمت يا بلا ل حسن التل .
28-04-2010 01:00 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات