خواطر عن ارهاب التكفير والحرية و الارادة الحرة (الجزء الأول)


التحديات كثيرة جدا و المهمة صعبة. و مساحة مصر الشاسعة تجعل الضبط و الربط اصعب من اي دولة آخرى. فنحن نتكلم عن بلد تبلغ مساحته مليون كيلومتر مربع. و مع كل اسف هذه ابسط التحديات الضخمة التي تواجه ام الدنيا، فالمساحة هي الوكر الذي يضيع به الارهابيون في مصر...بين القرى البعيدة التي يعيش بها البسطاء و مساكين الفكر و حيث تنعدم قيم الثقافة مع كل اسف...حيث يصبح صحيح الدين لعبة تفسر و تسيس لصالح مذاهب الاسلام السياسي التي تسعى لكسر شوكة الازهر الشريف الذي يغالط كل افعالها دائما و لاثارة الفتنة الطائفية بين ابناء الام...نعم فأم الدنيا مصر رحمها قد انجب التسعين مليون مصري و هي تنزف دما و دموعا على مصاب اولادها و فلذات اكبادها...تتنهد الما و تبكي المر حينما تشعر بحراب الغدر و الخيانة تمزق اوصال و احشاء ابنائها...الا تبكي الام على اولادها الضالين اذا خرجوا عن طوعها؟ الا تبكي على من جرح و قتل من اولادها؟ فصحيح الدين الذي يفسره البعض و يسيسه لاهداف غير انسانية خنجر لئيم آخر يغرز بصدر هذه الأم الحنون....

حينما أتأمل العهدة العمرية و كيف أمن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه المسيحين على كنائسهم و ممتلكاتهم في القدس قديما اقرأ بما فعل رغبة هذا الرجل البار بعدم اثارة الفتن الطائفية بين اتباع الديانات السماوية في القدس...و هو الاقرب لرسول الله و زمانه صلى الله عليه و سلم من غيره من مؤسسي مذاهب الاسلام السياسي التي تلت بعد عهده و التي نسمع صوتها الحاقد بهذه الايام. فموقفه اصدق من موقف مؤسسي هذه المذاهب المتعصبة الذين يعلمون بخلاف ما امر به عمر بهذه العهدة المباركة رضي الله عنه...فاستغرب ممن يأخذ بكلام بعض المفسرين و الشيوخ المتعصبين و يترك ما امر به عمر رضي الله عنه، لنصل الى كارثة كبرى لا يحمد عقباها...بأن الدين هو رحمة و يسر لبني البشر لا يتمحور حول القتل و الذبح و الترهيب كما تعلم المذاهب المتعصبة. و لا ننسى رغبة عمر ابن الخطاب الصلاة بجانب الكنيسة في القدس كي لا تهدم من بعده دور عبادة المسيحين...بل انطلقت على غرار فعلته عادة بناء الحوامع بحانب الكنائس لتتعانق صلاوات الديانات السماوية بكل يسر و محبه. فأين الذين ينضمون الى احزاب الاسلام السياسي مما فعله عمر ابن الخطاب مع البطريرك صفرونيوس بالقدس؟؟؟

لن ادخل بعمق هذا الجدل اكثر. فمنطقتنا العربية ايضا هي جزء لا يتجزء من جغرافيا العالم التابعة لمجلس الامن و سلطة الامم المتحدة...و تسري عليها سلطة ميثاق الامم المتحدة و بنود الاعلان الدولي لحقوق الانسان و التي بموجبها يمنح مواطنون الدول حول العالم حقوق منصفة و متساوية لممارسة شعائرهم الدينية في كافة الدول حول العالم و حقهم بالتعليم ذكورا كانوا ام ايناث بلا تميز و حقهم بالعيش الكريم و بمحاكمة عادلة في حال المشاكل و القضايا القانونية و حقهم بممارسة اية مواهب فنية قد يتمتعوا بها الخ. انه اعلان منصف تمت المصادقة عليه بعد الحرب العالمية الثانية التي امتازت عهدها بهضم الحقوق الانسانية بالكامل و جرائم ابادة جماعية لأعراق البشر و عنصرية امبريالية ضد الدول التي تقع تحت هيمنة الدول القوية من دون جهة دولية تنظم الحوار بين الدول و تصون قانون دولي متحضر يضمن حقوق دول العالم و ينظم التعامل الاقتصادي بينهم و ينصف انسانية البشر في العالم...عالمنا لا يتألف من دين واحد او عرق واحد او لغة واحدة...انه عالم كبير تتعدد به الثقافات الاجتماعية و الديانات و الاعراف البشرية و لعل هذا التنوع هو سر جمال يجعل عالمنا مميز جدا و يبعث الحاجة في مجتمعاتنا لتربية ثقافة احترام فكر الآخر في اولادنا...و احترام ثقافة الآخر حتى و ان انحدر من مجتمع اخر يحمل قيم تختلف عن مجتمعاتنا...و احترام ديانة الآخر حتى و ان كانت عقيدتها تختلف عن عقيدتنا...فعن طريق هذه التربية الايجابية نستطيع اختراق العنصرية التي تحاول جماعات الاسلام السياسي بثها باولادنا...فمما لا شك به ان الحاجة لانفتاح العالم على بعض اخذت اهمية كبرى بعد الحوادث المؤسفة في الحرب العالمية اليانية حيث تنبهت الدول الكبيرة لأهمية انفتاح العالم على بعض لتفهم المجتمعات المختلفة و لتقبلها و لزرع الثقافة الديمقراطية البناءة لتساعد الدول ببناء مجتمعات تعي اهمية الارداة الحرة و حرية التعبير عن رأي و احترام حقوق و انسانية البشر و احترام التنوع الاجتماعي الموجود في العالم من حولنا على خلاف الديكتاتورية...التي تحلت بها الانظمة الفاشية سابقا...و هذه الثقافة البناءة تؤدي الى حركة ثقافية عاجلا ام آجلا سوية و طبيعية و التي بدورها ستساهم في وجود تنوع بالتيارات الفكرية و الثقافية و السياسية و الاجتماعية و الفلسفية و غنى ضروري في المجتمعات لتنشئة اجيال صاعدة واعية لمسؤلياتها الوطنية....و هذا كله لا يريده اصحاب المذاهب الدينية المتعصبة لأن هذا كله ينير الانسان و يجعله صاحب وعي و مثقف يصعب السيطرة عليه اذ يعي اهمية الاختبار الشخصي الحر بالحياة بتناقض تام مع فرض الاراء التي يحاولها اصحاب التيارات المتعصبة ممارستها على البشر و الغاء دور العقل و الاختبار الشخصي و التجربة الذاتية و الارداة الحرة و دور العقل ...ليبثوا سموم التعصب في الجنس البشري الذي لا يتمتع بتجربة ثقافية حرة و تجربة ديمقراطية عميقة؟؟؟ فإن ألغيت عقلي و زرعت به دينك و فلسفتك فمتى سيكون لي تجربتي بهذه الحياة؟؟؟ متى سأشعر بأنني حر طليق لاعيش حريتي و لارى العالم من خلال عقلي و فلسفتي الذاتية و عيوني...

انطلقت مفاهيم الديمقراطية من الارداة الحرة و الحرية التي وهبها الله لنا و زرعها في داخلنا...فهي جزء من وجداننا البشري و تنطلق من نشاط عقلنا الطبيعي لأنها تخلق معنا...و تتعمق مفاهيمها في داخلنا مع تجربتنا الذاتية في هذه الحياة...بل انها قيم نتمتع بها طبيعيا و غير مكتسبة كالقناعات و الدين و الاتجاهات السياسية و الثقافية التي قد نقتنع بها خلال مشوارنا بهذه الحياة. انها حق طبيعي تمنح من الله لنا...و يكمل نشاطها ان اعطانا المجتمع حريتنا بالكامل...و لكن لولا شعورنا بهذه الحرية في ذواتنا لما فهمنا بأن الحرية و الارادة الحرة هي حتى نهج حياة لنا تتناقض مع سياسة الفرض...فرض الدين و فرض ارادة الافرد على بعض و فرض القناعات...لذلك فهي موجودة غالبا في انفس الناس المسيرين الذين لا يمتلكون التجربة في حياتهم ليحسنوا استخدامها....ليخضعوا عملية تسيرهم للعقل ... فالتجربة ناقصة لديهم بسبب ظروف تنشأتهم و قلة الثقافة و العلم و عدم الدراية...و هنا تكمن مشكلتنا في مكافحة الجهل و قلة الدراية فيقول علم الإجتماع Sociology و بإختصار لأن لا مجال لنا للتوسع بحيثيات اكاديمية و علمية هنا بان غالبا تكثر هذه الطباع بالمجتمعات البدائية و العشائيرية حيث يعيش الكل في العشيرة او القرية وحدة حال عامة تفرض قيم اجتماعية norms يتوقع الناس من كل افراد المجتمع التقيد بها. كمثلا وحدة حال عامة في اللباس او اعطاء الهوية الدينية اوتوماتيكيا للمولود الجديد او التقيد بطقوس اجتماعية يطبقها الكل تفرض على العائلة و تعطي وحدة الحال عامة لابناء هذا المجتمع...و هنا يفرض المجتمع البدائي الدين فرض على الناس لأن كل افراد المجتمع يعيش هذا الامر خلال حياتهم اليومية...و لأن هذه المجتمعات البدائية تعيش حالة فراغ ثقافي حقيقية يصبح الدين بالكامل منهج حياة ليسد حاجة الناس سياسيا و اجتماعيا و ثقافيا ليصبح هو السيد الذي يلجئ له الناس في كل شيئ و حتى في ادق التفاصيل الحياتية؟؟؟ فالمدارس فقط للذكور بصورة عامة و الرجل هو السيد في عائلته و الدين هو المرجع الذي ورثه بصورة الفرض العمياء من الاباء و النشوز عنه غير مسموح و مع هذه الامور البسيطة تقمع التجربة الذاتية في الفرد ليصبح الموروث الاجتماعي و العشائري هو المسيطر على الشخص و البديل...و مع هذه القيم التي اصبحت ثوابت لدى الافراد يتسلل بعض المراجع الدينية ليبثوا سموم التعصب العمياء مع علوم الدين و الذي يكون كما اسلفت مرجع قوي هنا للمجتمع...لذلك ما يتلوه رجال الدين على المجتمع يؤخذ بانه يقين ايماني لتحدث الكارثة الكبرى...ان يتقولب مجتمع تكفيري متعصب على يدي رجال الدين؟؟؟!!! و ايضا ليصاب المجتمع او الفرد بحالة التمركز الثقافي او ما يسمى باللغة الانجلبزية ethnocentrism.

ان المشكلة ليست بالدين المسيحي او الاسلامي او اليهودي او الهندوسي...الخ، فالدين حق لكل انسان في عالمنا الانساني و حق ممنوح بحسب دساتير دول العالم اجمع...و لكن المشكلة بنوع الثقافة الدينية التي تبث في المجتمعات خصوصا العشائرية منها او البدائية بسبب سرعة و قوة تمسك الناس بها و انتشارها بين افراد المجتمع. لذلك نحن نعاني من نوع الثقافة الدينية في المجتمعات المسيحية و الاسلامية و اليهودية معا في منطقتنا العربية حيث مع كل اسف تبث العنصرية بلا حدود في اذهان الناس لأن المراجع الدينية تنطلق من حالة التمركز الثقافي التي تعاني منه لتبني ثقافتها الدينية و ليس على اساس انساني بحت كما تفعل دول العالم الاول...حيث تترك التربية الدينية للعائلة و لا تعطى بالمدارس التي تعامل كل بناءاعلى حقوق المواطنة و الانسانية لا على الدين او العشيرة او اية انتماءات اجتماعية او تميزية آخرى...

الحرية و الاردادة الحرة و الحريات بكافة ابعادها ان كانت مصانة بالمجتمع بصورة صحيحة تساهم بحركة فكرية دسمة تعرض الفرد لتنوع ثقافي و ادبي غني جدا سيدفع بالفرد للابتعاد عن حالة التمركز الثقافي ليتجه نحو تجربة ديمقراطية حسنة و مميزة. و هذا ما نريد للمواطن العربي بلوغه...حيث يساعده دستور يمنحه حق حرية التعبير عن الراي و مدارس تعلمه التجربة الديمقراطية بمفومها الصحيح و اسرة لا تمارس الضغط و القمع معه لبلوغ نضوج فكري يقدر كيفية الاستفادة من نعمة الارادة الحرة و الحريات ليميز بين الصالح و الطالح بالمجتمع و ليقول لا...لاي فكر متطرف يحاول الأخر فرضه عليه...ليقول بأن لي تجربتي في مجتمع ديمقراطي ناضج علمني و ثقفني بأن الايمان يكمن بتنمية النعم الكامنة في داخلة و لأنها تمنح من الله لبناء المجتمع لا لهدمه و تدميره....فالحرية و الارادة الحرة تمنح التجارب البناءة و الناجحة في الفرد و لا تنتهي بأذية المجتمع او الآخر...فالارادة و الحرية هي ان اختار ما اريد و لأقتنع بما اراه انه صائب...و لكي اسير في حياتي كما اريد لا كما يريده الآخر و لكي يكون لي تحربتي الخاصة في الحياة و لاكتشف طاقات هذه الحرية و الارداة الحرة في داخلي...و لكي اصل الى يقين بأن اقول لا للذي يريد ان يسيرني كما يريد...لاقول لا للذي يأمرني ان ادمر المجتمع و لكي اقول لا للذي يدفعني لافجر البشر و المجتمعات و الممتلكات العامة من حولي؟؟؟ فهو يحاول إلغاء ذاتي بالكامل ليحل هو و تجربته فيا...و هذا ما تجعلني حريتي و الارادة الحرة الممنوحة من الله في داخلي ان ارفضه...لأنني كفرد مميز عن غيري و تجربتي قطعا ستختلف عن تجربة غيري....يتبع.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات