قطر وإخوة يوسف


لنا في قَطَر قطْرُ ندى وإخوةٌ في الدّم فرّقنا المدى ، ولنا في السعوديّة دارُ الله وكعبته وبيته وقِبلته وخاتم النور ومشعله ، وإخوة لنا هم عهد العروبة ونحن عُروته ، ولنا في مِصْر قافلة يوسف وإخوته ، وسجنه وصاحبيه وقميصه وخزائنه ، ولنا في كلّ إمارةٍ إمارات كطوق الحمام إذا ما قُطِع الطوقُ إستدارتْ الحمائم طوقاً تعانقه ، ولنا في البحرين إخوة مناميّون ما ناموا والظلم عاليّةٌ معاوله ، ولنا في فلسطين كـــلّ ما ليس لنا ، لنا في المسجد الأقصى (محمد) صلّت عليه وسلّمتْ مساجد الله وكنائسه ، ومن كنيسة القيامة صدر المسيح يعانقه ، لنا التين والزيتون وأطفالٌ قالوا : "إنَّا للمدرسة لذاهبون وَإنَّا إلى الله لراجعون" ، لنا أكثر من ألف مُخيّم ، وأكثر من مائة ألف مأتم ، وأكثر من مائة ألف عاشقٍ ببنفسج الجنائز مُتيّم ، وامرأة ثكلى وأخرى حُبلى بشهيد مُيتَّم ، لنا كـــلّ ما ليس لنا ، لنا النكبة ولنا النكسة ، ولنا إصبعين مرفوعين كشهيدين من أصابع خمسة ، لنا حجرنا الأخير وحلمنا الأخير وطفلنا العربيّ الأخير .

لستُ قوميّاً ولكنّني عربيّ ، ولستّ إسلاميّاً ولكنّني مسلم ، أعيش في بلادٍ مزَّقتها خطوط الخرائط ، تلك التي أدمتْها رؤوس المشارط ، جميع أحلامي عالقة في صالة إنتظارٍ في مطارٍ عربيّ لكونها لا تحملْ جواز سفر ، ما زلتُ طفلاً يحمل حقيبةً مدرسيّةً ، يعيدُ عدَّ مصروفه اليومي أمام حاجز تفتيش ، صادروا من حقيبته مصحفاً وكرّاسة رسمٍ و"كمشة" أحلامٍ صغيرة ، ما زلت أجلس على مقعدٍ خشبيّ في صفّ صغير ، يتلو المعلم علينا فيه الحلم العربي الكبير ، ما زلت كـــلّ صباح ألوّح للطائرات في السماء وأصرخ : "طيّارة أبيّ" ظَنّاً منّي بأنها ذاهبةٌ في نزهةٍ عاطفيّةٍ إلى جبال فلسطين ، كنّا صغاراً جداً على أنْ نفهم أن السماء التي كانت تلعبُ فيها صغار أمانينا هي ليست لنا ، وأنّ فيها شرطي مرور كبير لن يأذن لنا بالمرور ، وأنّ أرض الله الواسعة ضيّقة علينا وضائقة بِنَا ، وتحكمها الأختامُ الزرقاء ، وجوازاتُ الغُربة ، ومجنّدةٌ على الجسور ، ومجنّزرةٌ على نقاط العبور ، حتّى سفينتنا الورقيّة غرقتْ في صحن ماءٍ وأغرقتْ بأدمعها البحور ، ورغم هذه السماء الحالكة والأرض الشائكة والبحور الهالكة ، سأعدّ كـــلّ ليلةٍ حقيبة سفري ، وأقول : "يدُّ الله وحدها المالكة ".


يا صَاحِبي العروبة كلّ يومٍ يراودُني ذات الحلم ، بأنّ طائرةً سعوديّةً تكابدُ ثلاث طائرات سوداء في كبد السماء ، فتساندها طائرتان قطريتان وأخرى بحرينّية ، فتهزّ المدافع الإماراتيّة غيمَ السماء رصاصاً ، ليساقطَ علينا رُطبّاً عربيّاً ، وبأننا أقمنا الصلاةَ في مكّة وصلّينا في المسجد الأقصى .

يا صَاحِبي ؛ أتركاني أحلم ولا تفْتيَانِي





تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات