الاستقلال .. مناسبة للمراجعه


ليس هناك أولى من ذكرى إستقلال المملكة من مناسبةٍ نستذكر فيها تضحيات الرعيل الأول ممن بنى مشروع الدولة الأردنية وشيّده، كما أنه لا ذكرى أولى في خضّم النضال الوطني لتكريس مشروع الإستقلال من مراجعة منظومة السياسات التي إنتهجتها الحكومات المتعاقبة مند عقدٍ ونصف، وهي سياسات لم تكن في مجملها عند مستوى التحدي الذي طرحته جملة متغيرات دولية وإقليمية، وإنعكس بشكلٍ جلي على الساحة الداخلية، وليس هنا مجال دراسة الفجوة بين التوجهات الملكية والسياسات الحكومية، من واقع التوجيهات التي تضمنتها كتب التكليف السامي، وبين حقيقة ما جرى من سياسات متعاقبة، تراكمت في سياقها المديونية، مما إنعكس على عموم النشاط الإقتصادي، وبالنتيجة على المواطن في آخر المطاف.

يمكن إعتبار الأداء الخارجي أفضل منه الحال في الأداء الداخلي للحكومات المتعاقبة، ويمكن رد ذلك إلى الحراك الملكي الذي قاده جلالة الملك عبد الله الثاني والذي إعتبر إستمراراً للدور الأردني المحوري منذ عقود طويلة، بما يتلائم مع المصلحة الوطنية العليا، وهو حراك تميز بنهج الإعتدال، والإعتدال وفقاً لقواعد السياسة الأردنية ليس تكتيكاً عابراً، ولكنه يرتبط أساساً بمشروع الدولة الأردنية، يمكن الإستناد إلى الأدبيات السياسية للحكم الهاشمي منذ مطالع القرن الماضي وحتى الآن، الذي حافظ على تواجد الأردن في معادلات العلاقات الدولية كوجود محوري ومؤثر، وخصوصاَ في الشأن الإقليمي.

في ذكرى الإستقلال هناك أولوية لبناء إجماع وطني حول العديد من العناوين والملفات الكبرى التي أضحت تمثّل واقعاً جديداً، هناك ملف آثار السياسات الإقتصادية التي إستهلكتها وعود الرخاء والعيش الكريم التي ثبت أنها لم تكن سوى للتسويق الإعلامي فقط، والتي إنعكست على المواطنين فوق واقعهم المرير، وبحث هذا الملف لا يجري بعيداً عن هموم الناس وواقعهم المعاشي الآخذ في التدهور نتيجة إستراتيجات منفصلة عن الواقع، وهناك أيضاً ملف الوضع العربي والإقليمي الذي إنقسمت وتنقسم حوله شرائح واسعة من المواطنين، وهو ملف معقد ومتشابك فوق أنه محير ومؤثر، سيما وأنه يرتبط بمكافحة الإرهاب والعنف، هذا يحتاج أيضاً لتجديد خطاب المعارضة، وإنفتاحها على إجماع وطني حول تلك الملفات، والمعارضة ليست لأجل المعارضة هي ما يؤهلها للإنخراط والتأثير فيه، المغزى في ذلك هو الإتفاق والإختلاف ضمن خطوط عامة مبني على برامج وخطط قابلة للتنفيذ. الأساس أن بناء الإجماع الوطني العابر للمواقع والإتجاهات المعارضة وغير المعارضة هو الجدير بالأولوية على ما عداه.

الأردنيون يشعرون بالفخر تجاه ذكرى إستقلال وطنهم ودولتهم، لكن لا يجوز إستثمار المخزون الوطني لديهم في فرض المزيد من الأعباء عليهم، هذه سياسات قاصرة لو كانت النوايا الحكومية وممارساتها تنساق في هذا الإتجاه، وسيكون الأردنيون فخورون أكثر لو شعروا أن واقعهم يعكس ما أنجزه آبائهم وقيادتهم في ملاحم الإستقلال الوطني.



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات