تطوير المناهج بين الحقيقة والوهم


تعدّ المناهج القاعدة الأساسية في مجال التعليم والتعلم، والدستور في النظم التربوية والتعليمية، وتمثل الإطار الشمولي لتصميم عملية التعلم وتخطيطها؛ فهي تبدأ بالنتاجات التعلمية، مرورًا بالأساليب والاستراتيجيات والوسائل التعليمية والأنشطة، وتنتهي بالتقويم وأدوات تطبيقه، وهي تركز على المضامين العلمية والمعرفية والقيم التي يكتسبها المتعلمون، وتعمل على تكوين شخصياتهم المتكاملة، وفق معايير وقيم المجتمع والأمة في إطار ثقافتها وثوابتها. فلا يقتصر دور المناهج على ما تقدمه المؤسسات التعليمية للمتعلمين داخل حدود المدرسة، وإنما يشمل ما يتلقاه المتعلم خارج حدود المؤسسة التعليمية، وهذا يتطلب من المؤسسات التربوية تفعيل دور الإعلام التنموي للتوعية بذلك، وتأكيد أهمية المنهج الشمولي في حياة المتعلمين وآثاره في مستويات التحصيل المعرفي والعلمي وإكساب السلوك وتمثل القيم الإيجابية، التي هي أحد أهداف المناهج وغاياتها في تربية جيل المستقبل، فالمناهج ومضامينها تحدد ملامح شخصية الأطفال والشباب الأردني الذين يمثلون مستقبل الوطن.

إن عصر العولمة وآثاره في المجالات المختلفة، ولا سيما الثقافية والتعليمية، تؤكد الحاجة إلى تجديد خطابنا التعليمي، وأسس بناء المعرفة العلمية والتربوية ، مما يحتم على المؤسسة التربوية إجراء مراجعة مستمرة لما تقدمه للمتعلمين؛ لمواكبة المستجدات بسبب تسارع المعرفة، فضلاً عن ضرورة الإفادة من الخبرات وتوظيفها في التفكير لتطوير الأبعاد المختلفة في الشخصية الإنسانية: الوطنية، والنفسية، والسلوكية، والأخلاقية، وفق ثوابت الأمة وقيمها وحاجتها، فعملية إصلاح التعليم يمثل اللبنة الأولى في إصلاح المجتمع، وهذا يوجب تطوير جميع عناصر العملية التعليمية التعلّمية، بما في ذلك "المناهج" التي تمثل أحد أهم عناصرها ،فكان لزامًا تطويرها باستمرار لمواكبة مستجدات العصر من غير المساس بثوابت الأمة وتاريخها ومرجعياتها، وهو ما يمثل عملية معقدة طويلة المدى تتطلب كوادر فنية مؤهلة وخبرات وطنية متعددة لتنفيذ هذه المهمة الوطنية الجليلة.

إن عملية الإصلاح والتطوير ضرورة طبيعية ملحة لمواكبة التطورات الإقليمية والدولية في مجال التربية والتعليم، وهي أيضًا ضرورة وحاجة وطنية ، وهنا لا بد من التأكيد على دور المؤسسات التربوية والمجتمعية وفي مقدمتها الأسرة في ترسيخ القيم التي تتضمنها المناهج في نفوس المتعلمين، إذ يمثل المنهاج أحد عناصر العملية التعليمية التعلمية وليس جميعها ، ويجب الاهتمام بدور المعلم من حيث تقديم المعلومات، وتزويد الطلبة بالحقائق والمعرفة العلمية، وإكسابهم المهارات والقيم الأصيلة، فمهما كانت المناهج متطورة يظلّ دور المعلم محوريًا في تقديم المعلومة ومحتوى التعلم للمتعلمين. أما أوجه العناية بالمعلم فتتضمن تطوير البرامج التي تعنى بإعداد المعلمين وتدريبهم وتنميتهم مهنياً، وتقديم الحوافز لهم، وسنّ التشريعات التربوية التي تكفل حمايتهم ونموهم الوظيفي، وبالمثل يجب تحسين البيئة التعليمية بوصفها عنصرًا مهمًا في التعليم، فضلاً عن الاهتمام بمؤسسات المجتمع الأخرى التي تسهم في ترسيخ دعائم العملية التربوية، مثل المؤسسات الإعلامية والثقافية والاجتماعية.

أما ما يشاع عن الاستخدام الخاطئ لمصطلح "تغيير المناهج"، خاصة من النخب السياسية والتعليمية في هذه المرحلة، فيفسر الخلط بين مفاهيم تطوير المناهج وتغييرها وتعديلها، ذلك أن التغيير يكون استجابة لحدوث تحولات عميقة في بنية المجتمع والدولة ومؤسساتها ومرتكزاتها وتشريعاتها، وهذا غير موجود في وطننا الأردن، حيث الاستقرار في النظام السياسي والاجتماعي والثقافي، ولهذا فلا وجود لما يسمى بتغيير المناهج، وإنما يوجد تطوير للمناهج في عنصر أو أكثر من عناصره، سواء أكان ذلك بشكل كبير أم مجرد تعديل بسيط في محتوى الكتب المدرسية التي تمثل إحدى مصادر التعلم؛ بغية تلبية حاجات الفرد والمجتمع ومواكبة المستجدات، بحيث يشمل التطوير الجوانب والخصائص والمراحل المتعلقة بعلم نفس النمو والأسس النفسية والاجتماعية للتعليم، وطرائق التدريس وأدوات التقويم الحديثة، وتضمين المفاهيم والمهارات والقيم الإيجابية من مثل: الانتماء والولاء والمواطنة وتقدير الوقت والإبداع والابتكار والتفكير الخلّاق، ونبذ العنف والتطرف والإرهاب، وتأكيد قيم التسامح والعيش المشترك وقبول الآخر والاحترام والحوار والتعاون، وفي تدعيم أسس الديمقراطية منهجًا وممارسةً، أو أي معيار من معايير التعليم والتعلم، وتضمين المناهج المعارف والمهارات والقيم التي تغرس في المتعلمين أسس التربية المتوازنة، والتكامل في بناء الشخصية وفق متطلبات الأصالة والمعاصرة.

لا بد من الاعتراف بأن وزارة التربية والتعليم؛ المظلة التعليمية في الأردن، وكوادرها المؤهلة ذات التميز والسمعة العربية والدولية، وإنجازاتها التراكمية عبر العقود الماضية، وخبراتها الأصيلة المستدامة، ولا سيما في مجال تخطيط المناهج وتطويرها ، تنطلق من فكر التربية والتعليم وفلسفتها، وثوابت الدولة ومرتكزاتها، وحاجات الوطن والمواطن، من غير إغفال أي عنصر أو معيار أو مؤشر؛ وتأسيسًا على ذلك فإن إعادة النظر في المناهج وتطويرها يتم وفق منهجية محكمة، ومعايير وطنية، وخطط مدروسة، وآلية محددة لضبط مخرجاتها من المصادر التعليمية بإشراف خبراء المناهج في الوزارة، مع تأكيد حرص الدولة على أن يكون التعليم متوازنًا بعيدًا عن المصالح والضغوط والتوجهات السياسية، بحيث يحقق غايات التعليم، ويحيي آمال المتعلمين والشباب في نهضة الوطن، ووحدته، وازدهاره، وتعزيز رفعة أبنائه وكرامتهم بوصفهم المورد البشري الأهم في التنمية الشاملة.
حمى الله الأردن عزيزًا شامخًا في ظل الراية الهاشمية المظفرة.



تعليقات القراء

ابو حسن
السلام عليكم
الكلام رائع
27-04-2017 11:01 AM
م. باسل محمود غضية
ابدعت واجزت في التحليل ان المناهج الدراسية الموجودة حاليا لا تحتاج الا الى تطبيق عملي بدلا من الحفظ فقط والمناهج الجديد تكسب الطلبة المعرفة النظرية فقط وحشو المعلومات اكثر من الفائدة العملية التطبيقية وشاهد حتى الجامعات تخرج طلبة بحاجة الى تدرب على بعض المهارات
27-04-2017 11:32 AM
ابو هاشم
احسنت دكتور
27-04-2017 12:56 PM
روناهي الكردي
مقال رائع يلخص بطريقة تحليلية علميه للواقع الحالي وللامال والطموحات المرجوه
دمت دكتور
27-04-2017 05:22 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات