جراسا -

تسنيم مخيمر -

بينما كنت خارجة من مستشفى الجامعة الأردنية بعد زيارة قريبة لي هناك..
على الباب
فجعني صوت صراخ وبكاء طفل لا يتعدى السابعة من عمره.. كان برفقة والده وعمه..'عرفت ذلك لاحقا'
بعد أن تناوبا بصفعه على وجهه بكل همجية وشراسة..
وقفت مصدومة..
حاولت أن أفكر ماذا أفعل..
شعرت بعقلي أصابه الشلل..
هل أقوم بضرب الرجلين؟!!
هل اخلع حذائي واقطعه عليهما؟!!
هل آخذ الطفل..واسلمه للشرطة؟!!
هل اصرخ كما يصرخ الطفل؟!!
هل ابكي عليه..
أم اتركه واذهب؟!!!
للحظة..فكرت في مساعدته...لكن وجه والده كان شرسا لدرجة اني خفت على نفسي أن انال نصيبي من الضرب..
حاولت أن أفكر جيدا قبل أن أتصرف..
معي من أقاربي 5 أشخاص..تعدوا الموقف وغادروا البوابة.
إلا أنا بقيت واقفة أفكر..
كل هذا كان خلال 10 ثوان تقريبا..
حتى انهالت صفعة أخرى أشد وأقوى من التي سبقتها..مع شلال من الشتائم القبيحة التي لا تسمعها إلا بين أزقة السوق ومجمعات الباصات..
هذه المرة
لم أتحمل..وقررت أن لا أفكر..
ركضت مسرعة نحو الطفل..أخذته بقوة من بين يدي الرجل الذي اتضح لي لاحقا انه والده..
استأذنته بإصرار..أن اتدخل..
لم اتمالك اعصابي ..صرخت بوجهه..واسمعته من الكلام ما يوجع قلبه لو كان إنسان.
في هذه اللحظة رأيت الرجل الثاني ينسحب ..ويبتعد عن المكان..عرفت لاحقا انه عمه.
أخذت الطفل إلى حضني..حاولت تهدئته بعيدا.. كان يبكي بحرقة الطفل المكسور..المجروح..الذليل..في عينيه شراسة غريبة..
ترى!!كم من المشاعر والكرامة تهدم في هذا الطفل عندما تعرض لهذا الضرب وامام الناس..
بعد حديثي إليه..واصراري على حل الموضوع قبل مغادرتي..
عرفت ان الوالد كان يحاول منع الطفل من زيارة أمه التي خرجت للتو من عملية جراحية..ويريد منه البقاء مع عمه في الخارج.
الوالد كان يخشى على طفله من الأمراض..لكن ما الفائدة من خوفه على طفله..وقد هدم إنسان..
الطفل كان مشتاق لأمه جدا..وخائف عليها على حد تعبيره..
انتهى الموقف..وفي عيني شلال من الدموع
تمنيت أن تنطبق الأرض وتقترب المسافات كي أصل بيتي لأنهار من البكاء..
لا اتحمل الظلم..
يقهر قلبي ضرب الأطفال
الموضوع له تفاصيل كثيرة..حاولت إيجازه ما استطعت..
خلاصة الموضوع..
أيها الأب..
طفلك ليس حمار..
طفلك إنسان..
يشعر كما تشعر أنت..
لا تشوهه بأمراضك وعقدك النفسية..
لا تفرغ عصبيتك ومشاكلك على وجهه الناعم..
أيها الأب
تذكر أن الله الذي أعطاك ولدك..قد يأخذه منك الان..ويحرمك منه إلى الأبد..
أيها الأب..
ارحم ابنك كي يرحمك من في السماء..
كي يتذكرك اذا مت..ويكن لك ولد صالح يدعو لك..لا يدعو عليك.
أيها الأب..
لا تحاول أن تفرض رجوليتك على طفل ضعيف لا يستطيع ضربك..أو الدفاع عن نفسه.
أيها الأب..
لا تخلق من طفلك مجرما أو عاقا..
أيها الأب..
إذا كنت لا تستطيع أن تربي وتحب...لماذا تنجب؟!
هل تثبت للمجتمع فيهم ذكورتك؟!
أيها الأب..
تصور لو أن جسد طفلك وقلبه قابل للكسر مثل الفخار..
كم عضوا وخاطرا تكون قد كسرت..!!
أيها الأب..
حاول ان تكن إنسانا مع أبنائك..

#تسنيم_مخيمر