حوار بين «محتال ومهرب» على حدود الأردن ـ سوريا


يدور حوار في غاية الطرافة بجانب احدى القرى الحدودية بين الاردن وسوريا بين محتال خليجي ينتحل صفة مستثمر ومهرب اردني ينتحل صفة رجل أعمال ويدير محفظة استثمارية كبيرة تتعامل فقط بكل ما هو ممنوع ومحظور.

المهرب الاردني كان طريفا وهو يحاول تسويق خدماته على المحتال الخليجي الذي يبحث بدوره عن ربح سريع حيث افاد المضيف بانه يستطيع توظيف اموال الضيف مع نسبة ارباح مضمونة تفوق اي ارباح يقدمها اي بنك استثماري في العالم.

الطرافة لازمت المحتال الاردني وهو يروج بضاعته وعملياته حيث تحدث عن تأمين كل انواع التهريب من سوريا باستثناء محظور واحد لأسباب شرعية ودينية هو المخدرات.

قال الرجل لضيفه: أرجو معذرتي لأن مخافة الله تمنعني من العمل في المخدرات.. دون ذلك اي بضاعة تريدها من اي نوع نستطيع تأمينها لك.

طبعا الحديث هنا عن تهريب بضائع وأغنام والى حد كبير كل انواع الاسلحة حيث ينمو هذا النشاط الجنائي بشكل سريع طوال الوقت عبر الحدود المتسعة بين البلدين بالرغم من كل الاعلانات والبيانات عن جهود استثنائية للسيطرة على الحدود مع سوريا.

طبعا يبدو استثناء المخدرات لأسباب دينية لافتا لكن الاكثر غرابة هو عدم استثناء تهريب السلاح مثلا والذي أصبح بسبب الأزمة السورية وتداعياتها مشكلة كبيرة ومعقدة في الاردن حيث لا يوجد احصاء رقمي ولا سجل جنائي لعدد قطع السلاح التي تم فعلا تهريبها.

نذكر هنا ما قاله سياسي ورجل دولة مخضرم من وزن احمد عبيدات علنا قبل ثلاث سنوات عندما تحدث عن ستة ملايين قطعة من السلاح غير الشرعي استوطنت في الاردن.

على طول الواجهة الشرقية وبعض اجزاء الشمالية بالقرب من سوريا يشهد المارة والعابرون ظاهرة ملفتة وسط الصحراء ألمح لها احد الاصدقاء وهو يحدثني عن قصور وفلل ضخمة وبرك سباحة وسيارات دفع رباعي بالجملة تحيط بهذه المباني او بمعظمها فيما من يملكها اشخاص عاديون كانوا مواطنين فقراء او متوسطي دخل قبل خمس سنوات فقط.

 داخل بعض هذه القصور برك سباحة اكثر رفاهية من تلك الموجودة في فنادق النجوم الخمسة في عمان العاصمة وحولها سيارات أمريكية عملاقة من الصنف المرفه جدا وكلها عبارة عن عقارات وملكيات تظهر على الطريق العام او على قارعة الصحراء وفي مناطق غير مأهولة او لا يوجد فيها نشاط تجاري يبرر كل هذا الرفاه.

الاعتقاد سائد في اوساط القرار الاردنية بان طبقة من تجار الازمة الاردنيين والسوريين ومن بعض دول الخليج أثرت على حساب الشعب السوري وعلى حساب هيبة القانون والدولة في الاردن حيث لا إجراءات شفافة ولا افصاحات مالية وضريبية ولا حتى مكاشفات او تساؤلات علنية في خلفية الاسباب التي تدفع لظهور طبقة مباغتة من الاثرياء.

 بعض مستويات القرار في الدولة الاردنية مشغولة تماما بالحسابات السياسية وبضبط ايقاع الشارع المسكين في المدن الرئيسية وبفلسفة رفع مزيد من الاسعار وزيادة نسبة التحصيل الضريبي.

 لكن بالمقابل تغفل عين القانون والدولة في كثير من الأحيان عن تفسير بعض الظواهر وحتى عن الاجابة عن بعض التساؤلات المتعلقة حصريا بالاستثمار الاهلي في أزمة الحدود مع سوريا.

 يحن الاردنيون دوما لدولتهم التي يعرفونها ويتحدثون بشغف عن الحاجة الملحة لاستعادة هيبة الدولة ويتحدث الجميع من الاطار المرجعي إلى السياق الشعبي عن دولة القانون والمؤسسات لكنهم يلاحظون بقسوة وبخشونة ذلك النمو اللافت لظواهر خارج القانون يصمت حراس البيروقراطية والقانون عن مواجهتها ليس فقط في اطار تداعيات الملف السوري ولكن ايضا في اطار الاعتداء المستمر وفي اكثر من مكان على القانون وهيبة الدولة وحتى ملكياتها.

نفهم ان الدولة تراخت قليلا في السنوات الست الماضية وفقا لسيناريو الانحناء لعاصفة الربيع العربي والحراك الشعبي.

 لكن نخشى اليوم ان يستمر الانحناء بدون مبرر خصوصا وان سلطات الحكومة والقانون تفتقد احيانا للدقة وتعتريها العشوائية والانتقائية وتصمت في مواجهة مظاهر واضحة المعالم تعتدي على هيبة الدولة.

نثق بالمؤسسات الاردنية طوال الوقت وبقدراتها على فرض الواقع القانوني ولا نثق بالمستقبل عندما يصبح تنفيذ القانون انتقائيا خصوصا وان الصمت على ظواهر تهريب السلاح غير الشرعي تحديدا اجراء متقاعس يعيد الامور إلى الوراء ويهدد مستقبل الاردنيين دولة وشعبا.

 عدم الاعتراف بالمشكلة المتعلقة بالسلاح المهرب من سوريا تحديدا غير مفيد ولا يقيم الحجة لصالح المنطق الرسمي لأن وجود كميات كبيرة من هذا السلاح داخل الارض الاردنية وخارج سلطة الدولة والقانون لا يعفي من استعماله خارج القانون ايضا بين الحين والآخر سواء من مجرمين جنائيين او مجموعات إرهابية متشددة او حتى من مرتزقة يمكن التسرب إلى عمق المجتمع من خلالهم.

الوضع الاقليمي حساس والاعصاب مشدودة وسبق ان رصد الشارع الاردني سلسلة من الجرائم الجنائية والفردية التي قيد الكثير منها ضد مجهول كما سبق ان استشهد رجال امن بسلاح مجهول في جرائم لم يكشف بعد النقاب عنها.

السلاح خارج سلطة القانون يعني تعزيز مستوى الكراهية في المجتمع وتوفير اسباب للصراع ولسفك الدماء لا سمح الله ويعني ايضا توفير ملاذات وامكانات لكل مخرب او موتور او متطرف يمكن ان يفكر بإرهاب الاردنيين ومؤسساتهم.

نخشى ان بعض المحترفين السياسيين معنيون بالصمت عن هذه الظاهرة لتبرير اخطائهم الادارية واجتهاداتهم غير المنتجة والبقاء في سياق ثقافة النكران السلبية.. هؤلاء خطيرون على النظام والدولة والقانون والمجتمع بنفس درجة خطورة من يفكر يوما باستعمال السلاح غير الشرعي ولأي غرض.



تعليقات القراء

اسماعيل يوسف
..........ولكن من يعلق الجرس........؟؟!!
13-04-2017 05:56 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات