ماذا تعني احتفالات الأردنيين بالافراج عن الدقامسة


أيام الفرح قليلة هذه الأيام في الاردن في ظل الازمة الاقتصادية الطاحنة، والغلاء الفاحش، والضرائب التصاعدية التي جلدت جيوب الفقراء وامعائهم الخاوية، ووصلت الى السلع الأساسية، التي تشكل الحد الأدنى من بقاء نسبة كبيرة منهم فوق خط الجوع.

الأردنيون كسروا حدة الكآبة والمعاناة، وقرروا الاحتفال بإبنهم الذي يعتبر في نظرهم، والملايين من العرب، بطلا استطاع الذود عن حدود بلاده وكرامتها، عندما اطلق النار على فتيات اسرائيليات اخترقن الحدود الأردنية، واستهزأن به وصلاته بطريقة استفزازية، حسب دفاعه عن نفسه امام المحاكم، فقتل سبعة منهن وأصاب أربعة اخريات.

احمد الدقامسة، ابن قرية ابدر بمحافظة اربد، عاد الى مضارب عشيرته مرفوع الرأس، وابتسامة عريضة مرسومة على وجهه بعد عشرين عاما قضاها خلف القضبان تنفيذا لعقوبة السجن المؤبد، بينما لم تحكم المحاكم الإسرائيلية على قاتل الجريح الفلسطيني الذي قتل بدم بارد الا بعام واحد في سجن خمسة نجوم.

الآلاف من المهنئين تدفقوا الى قريته احتفالا واعجابا وتضامنا، وسط قرع الطبول وترديد الأغاني والاهازيج الشعبية، بينما تصدر الشاب الدقامسة المجلس ببزته السوداء، وكأنه عريس يحتفل وسط اهله بليلة عرسه، واستحق في نظر محبيه وذويه اللقب الذي اطلقوه عليه، “اسد الاغوار”، الذي حملته اللفتات الكبيرة المعلقة امام منزله.

***


كان جريئا، بل قمة الجرأة، المناضل الراحل حسين مجلي، رئيس هيئة الدفاع عن الدقامسة، عندما كسر كل المحرمات الدبلوماسية، وهو وزير عدل، بقوله في اعتصام تضامني “قضية الدقامسة قضيتي، وانا ما زلت مدافعا عنه، وهي في مقدمة اولوياتي منذ استلامي وزارة العدل”، ولم يخشى التهديدات الإسرائيلية، او فقدانه لمنصبه، لان الدولة لا تعتبره بطلا، وتنظر اليه “”مكرهة” كقاتل للفتيات، ليت الله اطال بعمر السيد مجلي ليكون على رأس المحتفلين بالافراج عن بطله.

الإسرائيليون “الحضاريون” و”الحملان” الوديعة، ربما سيحتجون على هذه الاحتفالات، ويعتبرونها دليل على “همجية”، فكيف يتم الاحتفال في نظرهم بقاتل فتيات يجب ان يدان، وينسى هؤلاء انهم اكثر القتلة ومجرمي الحرب دموية وزهقا لارواح الأبرياء، ابتداء من مجازرهم التي أودت بحياة الف طفل في قطاع غزة، ونصف هذا العدد في مجزرتي قانا في لبنان، وانتهاء بالقاضي الأردني رائد زعيتر الذي قُتل امام المعبر بدم متجمد من شدة البرودة، دون ان يرتكب أي ذنب.

العاهل الأردني الراحل الملك حسين بن طلال قطع زيارته لاوروبا في حينها، وعاد الى الأردن، وذهب الى اسر الضحايا مقدما واجب العزاء، لتجنب الانتقام الإسرائيلي، فهو يعرفهم جيدا، مثلما يعرف تاريخهم العنصري الحافل بالمجازر واغتصابهم للأرض، واعداماتهم الميدانية لشبان الانتفاضة، والآلاف من أبناء الأراضي المحتلة، بينما لم يحظ ضحايا مجازر قانا وقطاع غزة باعتذار إسرائيلي واحد، او اعتراف بالخطأ، فقتل العرب والمسلمين ليس خطأ، وانما عقيدة وثقافة.

قبل ان يكيلوا الاتهامات يمينا ويسارا، طولا وعرضا، نعيد التذكير بالحاخام الأكبر للجيش الإسرائيلي الجنرال ايال كريم الذي اصدر فتوى موثقة بجواز اغتصاب الفلسطينيات من قبل الجنود الإسرائيليين اثناء الحرب، مثلما اصدر فتوى أخرى تجيز للجنود قتل الجرحى الفلسطينيين، وتعذيب الاسرى لانتزاع الاعترافات منهم بالقوة، مؤكدا انه لا يجوز التعامل مع المسلحين الفلسطينيين كبشر، وانما كحيوانات.

الكثير منا يدين قتل الفتيات الاسرائيليات البريئات، وهذا امر مفهوم، ولكن هل يعاملوننا بالمثل، وكم فتاة فلسطينية أُعدمت بدم بارد في ما يسمى بانتفاضة السكاكين، فتيات في عمر الورد، وهل سمعنا كلمة تعاطف معهن من قبل بنيامين نتنياهو، او أي من وزرائه، الم يتحول قبر مرتكب مجزرة الحرم الابراهيمي باروخ غولدستاني الى مزار يتبرك بزيارته آلاف الإسرائيليين، واليهود الذين يأتون خصيصا من مختلف انحاء العالم للطواف حوله احتفالا بهذا البطل الذي قتل اكثر من 40 مصليا برشاشه، وهم يؤدون صلاة الفجر.

ليس كل الأردنيين والفلسطينيين والعرب مثل السلطة الفلسطينية ورهطها في رام الله، يسهرون على حماية أرواح المستوطنين الإسرائيليين، ويعتبرونهم شركاء في سلام وهمي ملوث، فهناك مئات الملايين من العرب ما زالوا يعتبرون الإسرائيليين أعداء غاصبين، ويؤمنون بالكفاح المسلح كطريق وحيد لكل الأرض الفلسطينية من البحر الى النهر، (.......) .


***
من المؤسف ان الاعتدال وتوقيع معاهدات السلام مع الإسرائيليين لم يعد على العرب الا بالعدوان، والقتل وتوطين 750 الف مستوطن في الضفة والقدس المحتلين، وأخيرا الغاء حل الدولتين الذي راهن عليه محبو السلام طوال الأربعين عاما الماضية.

التطرف سيعود حتما، وايا كانت نتائجه، فعندما تهان الكرامة العربية، ويتعرض المواطن العربي للاستفزاز والاستهزاء بدينه وعقيدته وعروبته فمن الطبيعي ان يكون هناك رجال مثل الدقامسة يرفضون هذه الاهانات والاستفزازات حتى لو كانوا اقلية الأقلية.

لا امن للإسرائيليين الا بالسلام الذي نؤمن به، ولا استقرار لهم الا بتطبيق كل قرارات الشرعية الدولية، وعهد الرئيس عباس لن يطول، وبات يقترب من نهايته.

أبناء الأردن كانوا وسيظلون منبع الكرامة والوطنية، والداعم الصلب للقضية الفلسطينية العادلة، والانتصار لأهلها، وهنيئا لهم بعودة ابنهم وابن الامة البار احمد الدقامسة.



تعليقات القراء

خالد عقرباوي
والله صدقت الدقامسة بطل ورح يظل رافع راسنا عالي
14-03-2017 09:33 AM
كيان باطل
فلسطين عربيه ..والدقامسه بطل ..ولا نعترف ابدا بالكيان الصهيوني
14-03-2017 06:01 PM
الزعبي
نحن الاردنيون نحمل قضية فلسطين بقلوبنا .. ولااولوية لدينا اكثر منها...هكذا تربينا ...
16-03-2017 05:22 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات