طرحَة ومحبَس


طرحة و محبَس ، وشلال من الورد الأبيض ، وقائمة طويلة من الأغنيات كانت قد خبّأتْهَا في وسادةٍ ليليّةٍ بيضاء ، لتزخّرفَ جدران قاعة الليلة البيضاء ، وقائمة تطول من أسماء المدعوات وخاصة اللاتي لا تحبّهنَّ صاحبة التاج ، فتلك القاعة هو المكان الوحيد الذي قد تدعو عليه المرأة امرأةً لا تحبّها (إنّ كيدهنّ لطيف) ، وصندوق صغير مليء بالأحلام الكبيرة ، يشبه صناديق العرائس الخشبيّة عشيّة الزفاف ، كانت كـــلّ ليّلةٍ تعيدُ جرّدَ أحلامها فيه ، تقلّبها حُلماً حُلماً فيونكةً فيونكةً مشبكاً مشبكاً ، ثم تجثو على رّكبتيّ وسادتها وتغفو ، كانت تدرَّب وجهها على قُبلة الصباح ، وتُمرّن أذنيّها على حديث يشبه طعم شَعْر البنات أو عرائس السُكَّر ، خُيّلَ لها أنها ستسمعه كـــلّ ليلةٍ ، كان يترأى لها خيال فارسها وهو يعبر من رواق صالة البيت إلى مطبخها متحزّماً خصرها وهي تعدّ وجبة العشاء ، لم تعلم بأنه كان سيلتهمُ أطباق أحلامها قَبْلَ أنْ تنضج فَوْقَ نار اللهفة ، ظنّتْ ؛ وكثير من الظنّ حُبّ بأنهما سيتشاجران طويلاً إِنْ أحبَّتْ شيئاً أكثر منه حتّى قهوتها ، ولَم تعلم أنه سينسى باكراً قَبْلَ أنْ تبرد قهوتها ، كيف كانت في الأمس تشرب قهوتها ، على هذه المقصلة تُشنق معظم النساء في هذا الشرق ، إنّ أطول قصص الحبّ هي تلك التي تنتهي بعبارة "أحبّبته ورحل" .


وحدها المرأة من تقبل مواعدة الموت وهي تلدُ"رجلاً" ، هي أحلى الحقائق المُرّة التي سنظل نُظلّها ، بأنّ المرأة هي الأكثر رجولة من فارس أحلامها حينمَا تخوضَ حُلماً ، وبأنّ الفرسان يفرغون جيوب معاطفهم وعواطفهم بحثاً عن غنائم الرحيل ، في الوقت الذي ترجع في المرأة لساحة المعركة إن سقطت منها وردة ، وأهٍ كم أشفق على رجل لا يستطيع أنْ يهزم امرأةً بوردة ، معظم الرجال لا يُجيدون الرقصَ داخل قاعة حفْل ؛ لأنّهم لا يُجيدون الرقصَ إلاّ خارجها ، ويجرؤن على طرقِ أبواب القلوب ، ويجبُنون على طرقِ أبواب البيوت ، صدّقوني أنّ للقلوب حُرّمةٌ كحُرّمة البيوت "فادخلوا القلوب من أبوابها" ، وتذكّرْ وأنتَ تبيعُ عليها الهوى ، سيستدلُ الباعةُ يوماً على باب بيتكَ ، وأنتِ صدّقيني إنّ الذئاب التي تعيش في الغابات بحثاً عن رزقها رمقاً للجوع ، هي أكثر رأفةً من تلك التي تقتات على اللحم الساخن في الشوارع والمقاهي وخلف شاشات الهواتف وفِي أزقّة العالم الإفتراضي.


قَبْلَ أنْ نتذكّر كثير وعزّته وعنترة وعبلته وجميل وبُثيّنته وقيس وليلاه ، وغيرهم من العشّاق الذين أدّمَاهُم الحبّ ، وعصَمَ على أعينهم حتّى تركهم بلا عاصم ،
كان علينا أن نقف طويلاً مع أجمل العاشقين على وجه الأرض ، سيدنا محمد (صَلَّى الله عليه وَسَلَّم ) ، والذي ترك لنا دروساً في الحبّ والمودّة والرحمة غفلنا عنها ، حتّى إستغفلتنا الدنيا عن الرباط المقدَّس الذي يجب أنْ نبحث عنه ، تاركاً لنا إرثاً عظيماً ونهجاً مُتقناً في مكنونات الحبّ وعلم النفس وعلم الإجتماع وفنّ التعامل مع الآخر والحِرفيّة في إدارة الأزمات وأرقى صور الدبلوماسيّة في التعامل مع المرأة ، وتجسيد ذلك في العديد من العِظات ومنها : حينمَا كانت أُمُّنا عائشة (رضي الله عنها) زوجة و محبوبة حبيبنا تحتمي خلفَ حبيبها وحبيبنا من أبيها ، وحينمَا كان يشبّه حبيبنا حبّه لحبيبتنا وحبيبته عائشة بعُقدةٍ في حبل ، وحينمَا كان يستشعر غضب حبيبته وحبيبتنا من قسمها ، فَإِنْ أقسمت بربّ محمد عَلِمَ أنّها راضية ، وَإِنْ أقسمت بربّ ابراهيم عَلِمَ أنها غاضبة ، وغير ذلك من الدورس الكبيرة التي عُدنا صِغاراً لأنّنا غِبنَا عنها فأصبحت غائبة عن بيوتنا ومناهجنا ونهجنا ، فكم من امرأة تستجدي رغيفَ حبّ في بيتها من بائع نتن ، وما أكثر الجائعات في بيوتكم.


لا تجعلي بابَ قلبكِ أكبرَ من باب بيتكِ ، فمنْ يحبّكِ سيطلب يدكِ من الله إبتداءً وثمّ من أبيكِ ، صدّقيني لا يوجد امرأة "عانس" ، بل هناك امرأة قويّة رفضتْ بعدَ صيامٍ طويل الإفطار على "رأس بصل".



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات