صنم يُرفع وتمثال يُقلع !


تخليد القائد لا يكون برفع تمثاله،و لا قصائد مدحٍ تُكال له.تلك الاعيب قديمة عفا عنها الزمن،لا تزيد من شعبيته بل تقف ضده،خاصة اننا في عصر التكنولوجيا التى اخترقت الاسرار كافة، ودخلت مخادع النوم،ورفعت الستائر عن ما يجري خلفها.لم يعد هناك مكان لتدليس او تهليس ،فاطفال الكمبيوتر العرب يعرفون ما يدور اكثر من وزراء الاعلام الضالون المضللون .القائد العظيم تخلده اعماله،وما يقدمه لشعبه من انجازات على ارض الواقع،على راسها رفع نسبة التنمية،امتصاص البطالة، بسط العدالة الاجتماعية ،اطلاق الحريات والعمل بديمقراطية غير منزوعة الدسم.تلكم التي تحفر اسم الزعيم في الذاكرة الجمعية للشعب،وتُسكنه قلوب الناس.لكن ما يفعله القادة بشعوبهم قمة الجرائم .
مأساة الوطن العربي المعاصر ان لون الدم يغطي الخارطة العربية،ورائحة الجوع تفوح في كل زاوية فيه بينما القهر ينخر في البشر،كما ينخر فسادا اهل النخبة في الانظمة.ناهيك عن القوانين العرفية و الطواريء التي ما زالت تُلثي بظلالها،ورغم الادعاء بالغاءها بقيت تمثل سنام الظلم التي لم يسلم من بطشها مواطن عربي .يُضاف لما سلف ان النزاعات البينية بين " القادة العظام " وبين شعوبهم ، لا تُحل بالوسائل السلمية او القانونية انما بتغليب الفكر الغرائزي الحيواني الدموي على حساب الفكر المنطقي الانساني،ولمن انكر فالشواهد امامه لا تحصى.
بفعل هذا التخلف الحضاري والسياسات العقيمة اصبح العربي " قِناً " اي عبداً بالسخرة على طريقة اقطاعيات القرون الوسطى،لا يجد قوت يومه الا بشق الانفس وامتهان كرامته،فيما اصبحت الشعوب حبيسة سجون مفتوحة في اوطانها خلف قضبان الخوف والحاجة الملحة لإبسط مقومات الحياة،فيما استجدت جرائم اللجوء والتهجير والتطهير بسبب مذابح الانظمة بذريعة الارهاب.لهذا تجد الغالبية العظمى من العرب تبحث عن اوطان آمنه في اول فرصة سانحة،وخاصة الشريحة الشبابية بعد ان جرى تدمير مستقبلها بطريقة منهجية.الذاكرة الشعبية لمن بلغوا من العمر عتيا محشوة بالهزائم ،المذابح ، الخسارات ،وظلم المسؤولين من فرعون الاكبر حتى فرعون الاصغر،بمعنى من الحاكم الى المراسل. الكل ينهر المواطن ويستقوي عليه.ما يشي ان الكل يعيش في المرحلة الصندوقية المعتمة التي يسيطر على افرادها شعور بالفجوة السحيقة بينه وبين غيره حتى ولو امتلك كل ميزات الافضلية الوظيفية.والسبب يعود للبيئة الموبوءة و المناخات السياسية الموطؤة بكل الامراض المزمنة.
توطئة لا بد منها للحديث عن المسلخ الاسدي بتفاصيلة المميتة،يومياته المرعبة،وحشية القائمين عليه،تجردهم من انسانيتهم نهائياً... مسلخ الاسد ابن الاسد بزَّ كل المسالخ التي فتكت بالمجتمع الانساني كالتتار ، النازية ، الصهيونية و الامريكية.مسلخ يشيب لاهواله الولدان،وتُسقط الحوامل الاجنة،بشهادات حية موثقة من سجناء نجوا من الموت بمعجزة،ومعتقلين تحرروا بمقايضة اسرى من جيش النظام وحزب الله. صور وثقها الضابط المنشق السوري صاحب الاسم الحركي القيصر،قلبت الدنيا لكنها لم تحرك عند العربان شعرة.
الاكتشاف الاخطر و الاسفل التي وثقته الصحافة الغربية، كان فضح خرائط السجون السرية،وفروع المخابرات المُعشعشة في سراديب المدن السورية تحت الارض و اقبية التعذيب التي لا يدخلها خيط شمس او نسمة هواء،حتى انها عصية على الاقمار الصناعية ... اللافت المؤلم في هذه المنظومة الاجرامية ان ضباطها تدربوا على فنون التعذيب في دول الكتلة الشرقية الى درجة تفوقوا على معلميهم،الامر الذي دفع بالامريكان الى الاستعانة بخبراتهم في فن التعذيب بما يعرف بالسجون الطيارة و السرية.
مَنْ يتابع الافلام الوثائقية والتقارير الصحفية المحايدة، يصاب بصدمة قومية،صدمة انسانية،صدمة اخلاقية. حفلات شنق صباحية،وجبات تعذيب شهية،تشويه اعضاء تناسلية،صعقات كهربائية، تعذيب نفسي على مدار الساعة باشراف ساديين لا تعرف قلوبهم الرحمة باتت اسماءهم الرباعية معروفة لدى منظمات حقوق الانسان لمحاكمتهم في قابل الايام .الادهى ان هؤلاء القتلة، يتلذذون ويبلغون ذروة المتعة كلما سقط سجين ميتاً،او خرَّ معتقل صريعاً...ظلمً احترافي من لدنَّ ضباط قساة قلوبهم كالحجارة بل اشد قسوة... { وان من الحجارة لما يتفجر منه الانهار،وان منها لما يشقق فيخرج منه الماء،وان منها لما يهبط من خشية الله،وما الله بغافل عما تعملون } صدق الله العظيم.
كأن السفلة لم يسمعوا ما قاله سيدنا عليُ كرّمَ الله وجهه،وهم انفسهم الذين يتبجحون بحبه وينتهجون نهجه وهو صاحب نهج البلاغة والحكمة وبوابة العلم ،عندما سُئل كم بين الارض وعرش الرحمن....فأجاب الامام العارف بالله عليٌ رضوان الله عليه الذي لم يحسبها على طريقة الفلكيين بالسنين الضوئية بل بحسبة المتقين ممن يخافون الله :ـ بين الارض والعرش دعوة مظلوم حتى لو كان كافراً او فاجراً...فاتقوا الله ايها الملاعين
مناسبة المقالة ، عودة تمثال حافظ الاسد الى مدخل مدينة حماة الجنوبي التي جرى مسحها والفتك باهلها كما تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالصوت والصورة،وسط تصفيق الجماهير،بوقوف الرئيس على قدميه،ـ وقفة عز وشموخ ـ كلفت الشعب السوري العظيم نصف مليون شهيد،و اربعة ملايين لاجيْ ومثلهم مهاجر،و فوقهم الآف المساجين والمفقودين والمختطفين وتحويل سوريا الحضارة الى خرابة . الادهى ما لحق بالناس من خراب اجتماعي،ونفسي،و اخلاقي،و انساني. يقابل هذا المشهد البشع.مشهد مشابه جرت فصوله في اسرائيل.فقد اسقط عمال النظافة في بلدية تل ابيب تمثالاً لرئيس الوزراء نتنياهو بعد سويعات من نصبه في ساحة رابين وسط "عاصمة اسرائيل" لان التمثال اثار اشمئزاز المارة،وهذه عادة غير معهودة في دولة الاحتلال بل عادة عربية،كتلويث الجدران بصور القادة وشعارات التأييد العقيمة.
الفنان الذي صممه بعد النهاية اللا متوقعة للتمثال بنقلة بحاوية زبالة الى مزبلة التاريخ. علق في القناة العاشرة :ـ ان نصب التمثال كان رسالة احتجاج على سياسة نتنياهو ،وان رفعه كان مجرد معيار لقياس حرية التعبير في اسرائيل. الجمهور هناك اسقط تمثال نتنياهو رغم انه سجل عدة اهداف قاتلة في مرمى الجامعة العربية مؤخراً من دون رد وطالب الادارة الامريكية بالموافقة على ضم الجولان...هنا في سوريا يُرفع تمثال الاسد الاب الذي فرط بالجولان،على ابواب حماة التي دمرها شبله للمرة الثانية. وهناك عند اعداءنا يُقلع التمثال رغم ما قدمه صاحبه من خدمات لبلاده.يا للمفارقة المخزية حين نكتشف بعد طول عمر،ان الاساطير و الحكايا والبطولات التي نسجناها عن القادة هي كلها محض قصص مفبركة،وان حقائق التاريخ تؤكد انها باطلة...فهم ضعفاء لا يستقوون الا على شعوبهم المقموعة و الجائعة.
السؤال الذي يؤرقني على الدوام :ـ هل انتهى العمر الزمني / التشغيلي لهؤلاء الفزاعات التي تحط على رؤوسها بغاة الطير ولا تستطيع هشها ام لم يزل في اعمارها بقية،مع انه آن اوآن التغيير.فالعالم يسير بسرعة رقمية مذهلة،لذلك يُحسب الزمن باجزاء من الثانية،كما ان الثورة التكنولوجية،حولت العالم لا الى قرية صغيرة بل الى شريحة بحجم بصمة اصبعك تدوسها في جيب بنطالك، فيها ترى ما تريد ان تراه كانها بلورة سحرية،لكن القادة البررة مصرون ان الاوطان لم تزل اقطاعيات موروثة ، تعود للقرون الوسطى والمواطنون اقنان يعملون بالسخرة ،ومن يقل حقاً : ـ نحن في الالفية الثالثة فمصيرة بين اثنتين لا ثالث لهما زنزانة او مشنقة ؟!........



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات