السَّعِيْدُ مَنْ اتَعَظَ بِغَيْرِهِ


إنَّ مَا يَجرِي فِي هذهِ الأيَّامِ مِنْ مَوجَةِ تظاهراتٍ جماهيريةٍ وغضبٍ جماهيريٍّ عارمٍ بشكلٍ غيرِ مسبوقٍ ؛إنَّما جاءَ مِنَ القهرِ السياسيِّ وانعدامِ المشاركةِ السياسيَّةِ وهشاشةِ الديمقراطيَّةِ المَوهومةِ ؛ فضلاً عنْ الضائقةِ الاقتصاديَّةِ وفقدانِ العدالةِ الاجتماعيَّةِ والعجز عن الوفاء بمتطلبات تطوير الدولة ومؤسساتها، والانهيار المريع في ثقة المواطنين بالدولة.

وما يجري ليسَ سحابةَ صيفٍ أو عاصفةً عابرةً ، وإنَّما هوَ زلزالٌ سياسيٌّ واقتصادي واجتماعيٌّ وثقافِيٌّ شاملٌ ،لنْ يهدأَ حتَّى يُحققَ أهدافَهُ.

كما أنَّهُ ليسَ مجرَّدَ تظاهراتٍ عابرةٍ ،وإنَّما هوَ رسمٌ جديدٌ لمسارِ التأريخِ ،وإحياء لدورِ [الشَّعبِ] في ممارسةِ حقوقهِ والقيام بدورهِ الهاَمِّ والأساسيِّ في تصحيحِ أيِّ انحرافٍ في الحُكمِ ؛لقدْ بلغَ مُجتمعُنا مرحلةً يستطيعُ فيها التعاملَ والاستفادةَ من الآليات الديمقراطية واستقلالية وقوة منظمات المجتمع المدني، لترشيدِ الحكمِ والممارسةِ السياسيَّةِ .

فسلبيَّةُ المُجتمَعِ وعُزلَتُهِ عنِ المُشارَكَةِ السياسيَّةِ ،طريقٌ إلى إيجادِ مُجتمَعِ مُتواكِلِ ضعيف مهزوم ،وقديمًا أشارَ القرآنُ الكريمُ إلى هذا القانونِ الحضارِيِّ الاجتماعِيِّ بقولهِ : {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ} الزخرف54، فالاستخفافُ بالمُجتمعِ ،يُنتِجُ سلبيةً وتواكلاً يُثمِرُ طاعةً عمياءَ للسلطةِ ،وهو ما يُؤدِّي إلى سقوطِ الجميعِ في دائرةِ التخاذلِ والإرادةِ المسلوبةِ ؛وَلِكَي يَخرجَ شعبُنا مِنْ دائرةِ الاستخفافِ والطاعةِ المُطلقَةِ ، عليه أنْ لا يدعَ المجالَ للسلطةِ أنْ تستخفَّ عقلَه ،وتسلبَ إرادتَهُ وهوَ ما أصبحَ اليومَ بفضلِ هذهِ الحِراك ممكنًا.

ومِن واجبِ النظامِ ،أنْ يقومَ بإصلاحاتٍ حقيقةٍ يلمسُها الشعبُ على أرضِ الواقعِ ؛كيْ تهدأَ ثائرتَه ويشعرَ أنَّ النظامَ لا يخدعُهُ ،وأنَّهُ جادٌّ في سعيهِ للإصلاحِ .

وللأسفِ الشديدِ أنَّ الحكومةَ ،لا تُصغِي لأيِّ نُصْحٍ ،ولا تلتفتُ لأيِّ نقدٍ ،لا مِن شقيقٍ ولا مِن صديقٍ ،ولا مِن حليفٍ ولا مِن نصيرٍ، وباتَ الجميعُ علَى يقينٍ مِن أنَّ مصيرًا مُحزنًا واقعٌ لا محالةَ جرَّاءَ التراجعِ الكبيرِ في قدرةِ الحكومةِ على إدارةِ الأزْمَاتِ ،والعجزِ عنِ الوفاءِ بمتطلباتِ تطويرِ الدولةِ ومؤسساتِها ،والانهيارِ المُريعِ في ثقةِ المُواطنِينَ بالدولةِ .

وفيما يبدو لي حتى الآن من معالجة الحكومة للأزمة الاقتصادية في البلاد هو عجزها عن إدراك المخاطر المترتبة على سياسة الجباية ،وتعاطيها مع أبناء شعبها باستخفاف ؛إنها تستهين تماما بهم وليس لهم أي وزن عندها.

إنَّ الأداءَ الكَسُولَ والبطيءَ والمُتخاذِلَ لِلحكومَةِ ومَجْلِسِ التَمثِيلِ النِيَابِيِّ ؛الذِي مِنْ أَبرَزِ إنجَازَاتِهِ البصم على قرارات الحكومة والدفاع عنها ، قدْ أوَصَلَنا إلى مَا نَحنُ فِيه الآن ،فَقَدْ غابَ الحَسْمُ فِى جَميعِ القضَايا واختفَتْ الحَقائِقُ أمامَ الشَفَافِيةِ المفقودَةِ ومازالتْ قواعدُ وأركانُ الفَسادِ تتحكمُ فِى مَواقعَ كَثِيرةٍ ؛ ومازالتْ حقَائقُ الأشياءِ مجهولةً .

مِنْ جوامعِ حِكمِ العربِ وأمثالِهم "السَعِيدُ مَنْ اتَّعَظَ بِغيرهِ" لكنْ حُكومُتنا لا تُلقِي بالاً إلى هذهِ الحِكمةِ النَفيسةِ ؛فهي تصرُّ على عِنادِها ،وتستبدُّ برأيها ،ويزينُ لها الشيطانُ سوءَ أعمالِها !! وكأنَّها لا تعلمُ أنَّ الدَّمَ يغلبُ السيفَ فِي النهايةِ وينتصرُ عليه انتصارًا ساحقًا ماحقًا ولو بعدَ حين ؛وهذا هو ما تؤكدُه لنا كلُّ أحداثِ التاريخِ ووقائعهِ المتلاحقةِ .

هل ما زالَ في وسعِ حكومتِنا إذا ما حكَّمت العقلَ والضميرَ أنْ تُجنِبَنا فتنًا حالكةَ السوادِ وشرورًا عظيمةَ الخطرِ لا يراها المراقبون إلا وَشيكة الوقوعِ ؟ 



تعليقات القراء

بللة جد
يزلمة روح طير احسلك واعلاة مابخيلكو اركبوة وبطلو تهديدات بالفوضى لانو انتهاء زمنها في جيش في البلد مش عاجز عنك ولا عن غيرك
25-02-2017 09:55 PM
كتاب الفتن
كتاب الفتن حلو عن الوطن
25-02-2017 09:57 PM
مروان0
والشعب السعيد من اتعظ بالشعوب الاخرى الا اذا بدك امك تحجز في خيمة يصحراء السعودية هذا اذا قبلو السعودية يدخلوها حسستني وانت تحكي عن مظاهرات وكانو عشرات الالاف بشوارع عمو كل الي طلعو مظاهرات مابجوزو الف شخص وهم معروفين ومعروف احزابهم واشكالهم
25-02-2017 10:10 PM

أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات