قصة مثل (جملُ عبودٍ أجرب)



الامثال حصيلة تجربة مجتمعية لا تخطئ مقصدها وتدور بين الشعوب والامم منها ما يموت ومنها ما يبقى حيا، وساقف مع قصة مثل لا اظنه يموت ما دامت الارحام تلد الطغاة وتلد الجبناء، وهو على درجة من البلاغة، زاخر بالتجسيد المادي والمعنوي لما كان وما هو كائن وما سيكون، والجمل أجرب نكرة غير أنه نال التعريف والشهرة من عبود، واجزم أن قائل المثل معتوه ان اراد ان يخبرك عن النكرة ويترك المعرفة، وداء الجمل معد ان لم يحجر عليه ويعالج، فالقطيع سيفني، وفي الربع جبن.
عبود شيخ القبيلة وسيدها من نازعه السيادة نزع عنقه واغطش نهاره واخرجه من الملة والنحلة، فالملك عقيم لا يلد. عبود تعرفه من اسمه يجعل العجل معبودك ان خالفته وينسيك حليب امك – هذا ان سمح للذاكرة ان تتذكره. عبود والليالي السود صنوان.
لقد صبر افراد القبيلة صبرا جميلا على جمله الأجرب ولم ينبسوا ببنت شفة حتى لا يتنازعوا فيفشلوا فتذهب ريحهم بين القبائل فيشمت بهم القاصي والداني فيغيرون عليهم ويصبحون اثرا بعد عين.
لكن الجمل الأجرب قد تخطى كل الحدود فاخذ يدمر مقثاة الرويبضة وياكل زرع الصابرين وينشر الاذى في قطعان العوان، كل ذلك والقوم خرس من الحرص والخوف، لكن الامر زاد عن حده وتخطى كل خط وبلغ السيل الزبى فاستجمع القوم قواهم وربطوا على افئدتهم الفارغة وتخيروا رجلا من بينهم وبيتوا امرا بان الجمل خطر ومضرة وقد حانت ساعة الخلاص منه، والرجل يعضد اخاه حثا وزجرا، فقالوا لمن سيتحدث باسمهم لا تخشى الخيانة ما عليك الا ان تقول عبارة واحد (جملك يا شيخ اجرب) فتنطلق الحناجر منا مدوية بالهتاف الموحد: جملك يا شيخ اجرب ونخشى على نسلنا وضرعنا من الهلاك، ووووكفى ظلما اعدل ونحن عصاك التي لا تعصاك اعدل (وحنا جلايبك يوم المبيع) ماع ماع ماع... فدب الامل على خوف وثارت الحمية في النفوس وتشجع المتحدث باسمهم، ويبدو انه لبيب والا ما اختاروه للحديث باسمهم فالناس لا تجمع على مافون رديء الفعال – ويبدو ان الشيخ لم يتنبه بعد لما يدور حوله من اجتماعات لمنعها او شراء الذمم بثمن بخس من النقد او بعض العطايا من عباءة مرذولة او (لهوة قهوة) و(منوحة) عجفاء او (عجالة) من دقيق او حبوب، لقد غفل الشيخ عبود غير انه يركن الى خوفهم وسنوات طوال رباهم فيها على الجبن حتى صاروا: اللهم بدني واهلي ورغيف خبز من يد الشيخ فانّا في ابهى عرس.
تشجع القوم ودخلوا بيت الشيخ والرؤوس تنغض توهمك بالارتفاع والنواظر حمرا تَحْدُجُ كل شيء إلا الشيخ فانها كليلة عنه حسيرة، وجلسوا وفي اسماعهم قرع عصاة الشيخ فسرى في اجسادهم تيار من الخوف فارتعشت من قشعريرة وسقطعت (العقل) من فوق الرؤوس المتطاولة.
جلس الشيخ بعنفوانه سائلا ما بكم فنظروا الى قائدهم فتشجع على حذر فالعيون حسيرة مكسورة خائفة فقال: جملك يا شيخ عبود ...، وسكت ونظر في وجه ربعه الذين اتوا به الى عرين الشيخ فبادره الشيخ قائلا ما به أصابه مكروه بينكم، ولما لم ينبس القوم ببنت شفة والنواظر تبحث في الارض كبحث الدجاجة عن دودة لتاكلها، ولمّا عادوا قططا تحاكي انتفاخا صورة الاسد استعاد المتحدث شريط ذكرياتهم على عجل وقرر ان يبيعهم بابخس الاثمان قبل ان يبيعوه لسوط الشيخ وسخطه، وقد حان وقت الارتماء في حضن الشيخ لقطف ثمار جبنهم، فقال بصوت مدوٍ: يا شيخ جملك (وده وليفة) - أي يريد ناقة تؤنس وحدته - قال الشيخ وكيف بها ومن اين؟ فرد وهو مطمئن الى الاستجابة فقال: من جيوب هؤلاء لقد جاؤك يا شيخنا المبجل متبرعين طائعين لا متبرمين، انهم ربعك الذين لا يكذبونك وعزوتك اذا ادلهم الخطب وحمي الوطيس وان اجدبت عليك ارعدوا لك واقتطعوا من جلودهم وباعوا شعار نسائهم من اجلك ... جاؤوك ليقدموا لك هدية ناقة تجل عن الوصف وكلهم طمع بكرمك الغامر الفياض ان ترسل جملك فيهم وفي مزارعهم لننعم ببركاتك. وظل جمل عبود يرود حقولهم ويرعى بقولهم ويسفه عقولهم وينشر الاذى في ارضهم ونسلهم.
وظني ان المتحدث باسم القوم قد صار كبير طهاة الشيخ ينال العطايا والهدايا ويسوق الربع بالعصا بامر سيده ويطعمهم الزقوم، وهم حامدون شاكرون فصار الى جمال الشيخ عبود جمل اخر اجرب فهنيئا لعبود وجماله الجرباء التي لا تشبع ولا تقنع وتعسا لكل متخاذل جبان خوار

د.محمود الهواوشه



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات