زاد في الطين بِّلّة


د. معن مرضي القطامين
بسم الله الرحمن الرحيم. يقول الشاعر:
خضبت شيبي ليخفى وكان ذاك لِعِلَّه * فقيل شيخٌ خضيبٌ قد زاد في الطينٍ بِّلّه
إن ما يحدث على صعيد الدول قد نستطيع أن نشبهه الى حدٍ بعيدٍ بما يحدث على صعيد الشركات ولكن بفارقٍ بسيطٍ. فربما تكون المشكلة الأكبر التي قد تواجه أي شركة تجارية في العالم هي زيادة النفقات وتدني الإيرادات وأن تصل بعد حينٍ الى نسبة اقتراضٍ عاليةٍ لتمويل هذا العجز لا تستطيع معها الإيفاء بالتزاماتها. وفي حالة الشركات يصبح الحل الأوحد هو أن تعلن هذه الشركات إفلاسها بينما من الصعب الى المستحيل نسبياً أن تعلن الدول إفلاسها.

وربما يكون أسوأ ما قد تلجأ اليه الشركة في الحالة أعلاه تفادياً للإفلاس أن تلجأ لرفع أسعار السلع والخدمات وتحمل هذه التكاليف للعميل الذي سوف يزداد سخطه تدريجياً ويتخذ قراراً وحيداً وهو البحث عن شركات منافسة يلجأ اليها لسد حاجته وبهذا تبدأ الشركة بفقدان قاعدة العملاء شيئاً فشيئاً وبالتالي تكون النتيجة أيضاً.. الإفلاس. أما في حالة الدول التي تلجأ للمواطنين لسد هذه الفجوة في تمويل الموازنة الحكومية فلن يجد المواطن بديلاً للهروب اليه لأن الدولة لا يمكن ولا يجوز استبدالها ولكن تصبح النتيجة أن تحِل حالة من السخط قد تؤدي الى نتائج لا يحمد عقباها الأمر الذي لن يزيد الطين الا.. بِّلّة.

تواجه الأردن وبعض دول العالم هذه الحالة والتي لا أرى لها حلاً واحداً ناجعاً بيد أني أرى عدة إجراءات لابد من اتخاذها فوراً ويمكن أن يضاف اليها بعض الإجراءات الأخرى ليصبح لدينا برنامجاً وطنياً شاملاً على مدى 3-5 سنوات للخروج من هذه الأزمة المتكررة والتي ما فتئت أن تُطِل برأسها كل موازنة الى أن أتسع الخرق على الراقع. وهذه المقترحات هي:

أولاً، عدم التركيز على الإجراءات قصيرة الأمد فقط والتي تتسم دائماً بالارتباك وتؤدي لاحقاً للإرباك، حيث أن أي سياسة اقتصادية مقنعة لا يمكن أن تؤتي أكلها الا على مدى 3 الى خمس سنوات على أقل تقدير.

ثانياً، تحصيل تكاليف اللجوء من مصادره التي التزمت به وذلك من خلال وضع مسألة اللجوء على قمة هرم الهيكل التنظيمي للدولة وانشاء وزارة مختصة بشؤون اللاجئين مع طاقمٍ متكاملٍ وقادرٍ على أن يحل مشاكل اللجوء الحالية لحفظ حقوق الانسان اللاجئ أولاً والتخاطب بصورة مؤسسية ومرجعية واحدة مع هذه الجهات الداعمة.

ثالثاً، إعادة النظر فورياً بقانون الضريبة بحيث يشمل الطبقات الأكثر يسراً في المجتمع وألا يجور على الطبقات الأقل دخلاً، وان يُراعي الابتعاد عن الضرائب غير المباشرة التي تشمل الجميع والتركيز على الضرائب المباشرة والمرتبطة بالدخل، والعوائد على الاستثمار والبيوع الرأسمالية وغيرها.
رابعاً، تخفيض النفقات الحكومية بشكلٍ مدروسٍ وبما لا يعيق أداء الحكومة لدورها التنموي.

خامساً، دراسة النشاطات الحكومية المجدية والتي تضخ نسبة جيدة من الإيرادات وتعزيزها لزيادة كفاءة التشغيل المرتبطة بها وذلك لزيادة قدرتها على دعم الموازنة.

سادساً، حث القطاع المصرفي على التدخل لتنشيط الإقراض المدروس وذلك لزيادة الاستثمارات المحلية والمشاريع المشغلة للأيدي العاملة وتوفير دعم للصناعات المحلية القادرة على التشغيل والتصدير.

سابعاً، إعادة النظر في استثمارات صندوق الضمان الاجتماعي الذي عليه أن ينتفض انتفاضةً حقيقيةً لتكون استثماراته أكثر جدوى وأن يلعب دوراً استراتيجياً في رفد الموازنة بما تحتاجه من أموال خصوصاً أنه أكبر صندوق استثمار سيادي في الاردن حيث تقدر موجوداته بأكثر من ستة مليارات دينار اردني.

ثامناً، اتباع استراتيجيات أكثر جدوى في استقطاب الاستثمارات الأجنبية وتحويل هيئة الاستثمار الى وزارة استثمار لتتمكن هذه الوزارة من التنسيق مع جميع الجهات المعنية لوقف التلكؤ الخاص بجذب الاستثمارات الأجنبية والسياسات المتضاربة التي تؤثر عليها.
تاسعاً، الإسراع في خطة الطاقة الخضراء بحيث نقلل من أثر الفاتورة النفطية على الموازنة وعلى ميزانية المواطن والشركات بشكل عام. هذه باعتقادي أولوية قصوى لابد من التركيز عليها.
عاشراً، الوصول بالمشاريع التنموية الحقيقية للمناطق النائية بشكل حقيقي وواقعي ومنهجي بحيث يتم مساعدة جميع المحافظات على الارتقاء باقتصادياتها مما يزيد نسب التشغيل والدخل ويقلل من حساسية المواطنين تجاه بضع قروش تزداد هنا وهناك.

في الختام لابد من تحويل أعلاه الى برنامج وطني له مؤشرات أداء واضحة وذكية ومحددة بأطر زمنية ومسؤوليات واضحة لا لبس فيها. وبالتالي تتم الرقابة على الأرقام والنسب والمستهدفات الخاصة بهذا البرنامج من قبل ديوان المحاسبة، رئاسة الوزراء، مجلسي النواب والأعيان ويتم بناء عليه تقييم أداء الحكومة بشكلٍ عام أو الوزراء بشكلٍ خاص قبيل كل موازنة.
أما كلمتي الأخيرة فهي للشعب الأردني العزيز. هذا هو اردننا وهذه هي بلدنا الغالية ومن سره زمن ساءته أزمان وتأكدوا أنه بإمكاننا جميعاً الخروج من هذه الأزمة بالعمل والصبر، وإن الله مع الصابرين.
كما أقول للشامتين:
الـعـز مـطـلـب والـمــراجــل تـوافيق
والـهــون بـــاب ما لنـا فـيـه مدخالِ
وان شفـت بيبـان السعـاده مغاليـق
الصبر مفتاحـآ عـلـى كــــل الاقفالِ
الفـقـر مـا عـاب الــرجــال المطاليق
كمـا يـعـيـب الـمـــال عــبـــادة المالِ
والله من وراء القصد، وعاش الأردن أبياً عزيزاً



تعليقات القراء

لا يوجد تعليقات


أكتب تعليقا

تنويه :
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة جراسا الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة جراسا الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط ولا تعبر عن رأي الموقع والقائمين عليه.

- يمكنك تسجيل اسمك المستعار الخاص بك لإستخدامه في تعليقاتك داخل الموقع
الاسم :
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق :
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :

إقرأ أيضاً

رياضة وشباب

محليات